آخر الأخبار

100 يوم من عمر الحكومة اللبنانية والنتيجة 100/25

 

في التاسع من شهر كانون الثاني 2025، انتُخب العماد جوزاف عون قائد الجيش اللبناني رئيسًا للجمهورية اللبنانية بعد شغور استمر طويلًا لنحو سنتين وشهرين منذ 31 تشرين الأول 2022.

وتشكّلت حكومة جديدة برئاسة الدكتور نواف سلام في 8 شباط 2025 لينتهي مشوار حكومة تصريف الأعمال، ونالت هذه الحكومة ثقة 95 نائبًا من أصل 128، في 26 شباط 2025.

وباشرت حكومة "الإصلاح والإنقاذ" عملها الفعلي لتبدأ بمعالجة الأزمات والمشاكل والتخفيف من معاناة اللبنانيين.

ومع الإقرار بأنّ الكثير من الأزمات والمشاكل تعود إلى عهود وحكومات سابقة، وأن الإنجاز قد يحتاج إلى سنوات وليس إلى 100 يوم، كما أنّ البلاد قد خرجت للتوّ من حرب مدمّرة أعادتها عقودًا إلى الوراء، وبالتالي لم يكن مطلوبًا إنجازًا كاملًا بل البدء بالإنجاز، نجد أنّ هذا ما لم يتمّ في العديد من المواضيع والقضايا.

بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أن الحكومة التي عقدت منذ نيلها الثقة وحتى اليوم في نهاية شهر أيّار 13 جلسة توزّعت بين القصر الجمهوري (6 جلسات) والسراي الحكومي (7 جلسات) في مخالفة للبند 5 من المادة 65 من الدستور اللبناني التي تنصّ على التالي: "يجتمع مجلس الوزراء دوريًا في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر"، وبالتالي يجب على الحكومة الالتزام بالدستور أو طلب تعديله.

مسائل وتقييم

اخترنا 10 مسائل في مختلف القطاعات لتقييم أداء حكومة "الإصلاح والإنقاذ" من خلال وضع علامة لكل منها تتراوح تبعًا للنتيجة الملموسة من صفر (لا شيء) إلى 10 (إنجاز كامل) حيث نالت الحكومة وفقًا لهذا التقييم علامة 100/25 أو 2.5/10 ما يعني رسوبًا كبيرًا حتى الآن.

ولقد اعتمدنا ميزانًا واحدًا لكل من المسائل العشرة  لكن لا بدّ من التنويه بأن جميع المسائل ليست متساوية من حيث الأهمية. فقد تستحق عملية الانفتاح على دول الخليج وزنًا أكبر من مسألة أخرى، على سبيل المثال، لكن، ولتاريخه، لم نصل في أي من هذه المسائل إلى نتيجة يمكن قياسها.

1- معاملات المواطنين

التزمت الحكومة بالبدء بانتظام عمل الدولة والمؤسّسات والمرافق العامة ووضع حدّ للشلل والترهّل، ولكنّه لم يتمّ حتى اليوم توفير الطوابع المالية بدل أن تبقى عرضة للسوق السوداء وجباية الدولة لأموالها مباشرة من دون اللجوء إلى شركات نقل الأموال، وهذه المشكلة وليدة حكومات سابقة وتحديدًا منذ العام 2020، وكانت الحكومة قد أكّدت في بيانها الوزاري "(...) ما يستدعي إعادة هيكلة القطاع العام وتسهيل معاملات المواطنين وزيادة إنتاجية القطاع العام"، العلامة: 0/10.

2-التعيينات الأمنية والقضائية والإدارية

 قامت الحكومة بتعيينات أمنية وقضائية وإدارية، وكان قد مضى على الشغور في بعضها أكثر من 10 سنوات، وقد أنهت الحكومة بعض التعيينات واضعة آلية لها جاءت جزئية كما لم يتمّ الالتزام بها. وأكّدت الحكومة "أنّها ستعمل لتأتي عملية التعيين في المناصب الشاغرة في الفئة الأولى وفقًا لمعايير الجدارة والكفاءة وخاصة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة كما تنصّ عليه المادة 95 من الدستور"، العلامة: 3/10.

3- التشكيلات القضائية والقضاء

فيما يخصّ التشكيلات القضائية وتفعيل عمل القضاء التي أكّدت الحكومة على أنّه "لا بدّ من الإسراع في إجراء التعيينات والمناقلات والتشكيلات القضائية"، فلم يلمس حتى اليوم أيّ تشكيل في القضاء أو تفعيل له، لذا فالعلامة: 0/10.

4-  الخدمات العامة والبنية التحتية

كان متوقّعًا البدء بمعالجة أزمات الخدمات العامة من كهرباء ومياه وصحة واستشفاء، وهي أيضًا أزمات تراكمت منذ عقود ومعالجتها تحتاج إلى عقود. وكانت الحكومة في بيانها قد أدرجت "إصلاح قطاعي المياه والكهرباء فتخرج البلاد من الظلمة وزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي تدريجيًا". ولكن لم يلمس المواطن البدء بالعمل على أي من هذه الخدمات، العلامة: 0/10.

5- العلاقات اللبنانية العربية والدولية

وفي مجال تعزيز علاقات لبنان العربية والدولية والانفتاح على الخارج وبدء رفع حظر سفر أبناء الخليج العربي إلى لبنان، كانت البداية مع الإمارات العربية المتحدة على أن تليها دول أخرى لا سيما السعودية في الأشهر القادمة، لكن حتى الآن لم يترجم عمليًا حشد "العواصم الشقيقة والصديقة والمنظمات العربية والدولية" كما جاء في البيان الوزاري، العلامة: 5/10.

6- الاعتداءات الإسرائيلية وإعادة الاعمار

 وفقًا لتعهّدات الحكومة في بيانها الوزاري، كان المتوقّع أن تعمل على وقف الاعتداءات الإسرائيلية والبدء بمشروع الإعمار، إذ ورد فيه " باتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي... ستلتزم الحكومة بالإسراع في إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي وإزالة الأضرار وتمويل كل ذلك بواسطة صندوق مخصّص لهذه الحاجة الملحّة يمتاز بالشفافية، ما يسهم في إقناع المواطنين أنّ الدولة تقف إلى جانبهم ولا تميّز بينهم"، لكن لم يتحقّق أي شيء، واستمرت الاعتداءات الإسرائيلية ولم يتحرّك ملف إعادة الإعمار، العلامة: 0/10.

7- إصلاح القطاع المصرفي والبدء بإعادة الودائع

بالنسبة للقطاع المصرفي وودائع المواطنين، فقد جاء في البيان الوزاري التالي:"(...) وسنعمل أيضًا من أجل النهوض بالاقتصاد الذي لا يقوم دون إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليتمكن من تسيير العجلة الاقتصادية وستحظى الودائع بالأولوية من حيث الاهتمام من خلال وضع خطة متكاملة"، وقد قامت الحكومة ببضعة مشاريع أقرّها مجلس النواب، إنّما لم يتحقّق شيء منها على الأرض في انتظار إقرار قوانين أخرى مكمّلة للقوانين التي أقرّت، العلامة: 3/10.

8- الانتخابات البلدية والاختيارية

 تمّ إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها من دون أي إرجاء أو تأجيل، ولم تشهد هذه الانتخابات مخالفات كبيرة وكانت التجاوزات فيها عادية ومقبولة، العلامة: 9/10.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى ضرورة وضع قانون بلدي واختياري جديد خاصة أنّه ليس لدى أكثرية البلديات (65%) الموارد المالية الكافية.

9- النازحون السوريون

 بالنسبة لحلّ قضية النازحين السوريين التي يعاني منها لبنان منذ العام 2011 والتي زادت خطورة مع زيادة الأعداد عقب سقوط النظام السوري في نهاية العام 2024، ووقف أو تقليص الجهات الدولية المانحة للمساعدات المقدّمة للنازحين، كانت الحكومة قد أكّدت على "حلّ قضية النازحين السوريين والتي لها تداعيات وجودية على لبنان إن لم تتحقّق عودتهم إلى وطنهم"، غير أنّه لم يتحقّق أي شيء، والعلامة: 0/10.

10- المخيمات الفلسطينية

لمس اللبنانيون البدء في العمل على معالجة الموضوع الفلسطيني في لبنان لجهة التأكيد على رفض التوطين "وحقّ الدولة اللبنانية ممارسة كامل سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية، بظل الحفاظ على كرامة الفلسطينيين المقيمين في لبنان وحقوقهم الإنسانية". وممّا تحقّق، إزالة المعسكرات الفلسطينية خارج المخيمات، على أن يستتبع ذلك إزالة المظاهر المسلحة في المخيمات داخل بيروت والضواحي القريبة منها، العلامة 5/10.

حكومة بحجم الآمال!

هل حقّقت الحكومة جزءًا ممّا وعدت به، أو هل شرعت فعليًا بتنفيذ ما صرّحت به في بيانها الوزاري؟

من علامة المئة، نالت الحكومة 25 نقطة.

وفي المقابل، كانت الحكومة قد تشكّلت بعد تكليف رئيسها في أجواء تعتبر مرحّبة بها وبرئيسها بعد عقد الآمال برئاسة الجمهورية على السواء، ففي 16 و17 كانون الثاني، أجرت الدولية للمعلومات استطلاعًا لرأي اللبنانيين حول العهد والحكومة الجديدتين، مع عيّنة مؤلفة من 500 شخص موزّعين على مختلف الطوائف والمناطق. ولقد عبر نحو 71% من المواطنات والمواطنين عن شعور بتفاؤل وأمل كبيرين بالعهد والحكومة.

وثمة بوادر وإشارات إيجابية شكلًا وقد تؤدي إلى تراكمات جيدة مستقبلًا، منها الانفتاح على العالم العربي، تعبيد بعض الطرقات، والتشديد، ولو بالكلام، على أهمية بناء الدولة، وإستقلالية القضاء، ومعاقبة الفاسدين، وكلّها مبادىء أساسية تحرّك مشاعر اللبنانيين.

درجنا على تقييم الحكومات اللبنانية كل 100 يوم أو عند مضي نحو ثلاثة أشهر أو عام على تشكيلها ونيلها الثقة. ومع أن هذه الـ100 يوم لا تُعتبر كافية لتحقيق الكثير، غير أنّها تشكّل دلالة على مدى قيام الحكومات بمهامها أو عدم قيامها بها، أو القيام جزئيًا بهذه المهام.

ولا بد من الإشارة إلى أنه سبق لحكومة نجيب ميقاتي أن نالت علامة 5/100 عند تقييمها بعد عامٍ كامل على تشكيلها ونيلها الثقة (20 أيلول 2022)، وبالتالي تبدو علامة حكومة نواف سلام مقبولة بالمقارنة، وستتابع الدولية للمعلومات مسارها، وتقيّم عملها كما ستجري استطلاع رأي ثانٍ حولها فيما يخص الملفات التي تهمّ المواطنين وتؤثر في حياتهم اليومية.

تأتي حكومة وتذهب حكومة، وتتلى البيانات الوزارية ذاتها، ويغادر بعض رؤساء الحكومات المشهد السياسي بينما يبقى بعضهم كما لو أنّهم من "الثوابت"، ويجري كل ذلك من دون التبحّر بالأسباب الجوهرية لفشل نظامنا الذي نصرّ على تجميله لا تغييره.

 

اترك تعليقا