1 الخيمة

لو قارنا بين إعلام المعارضة أيام «خيمات الحرّية والسيادة والاستقلال» في ساحة البرج، وإعلام الموالاة اليوم مع «خيم حزب الله والمعارضة» في ساحة رياض الصلح، لوجدنا أن الفريقين «متفاهمان» على أن الاستحواذ على الأملاك العامّة لهدف سياسي هو أمر مشروع؛ فالمعارضة تُشرِّعُ عملها اليوم والموالاة شَرَّعتْ عملها بالأمس. وهذا «التفاهم» لا يتوقّف هنا بل يمتدّ إلى كلّ الأمور بما في ذلك التعدّي على الملك العام والمصالح العامّة. وإذا كان الاعتصام، سواء في الأمس أو اليوم، هو أمر مؤقّت ومبرّر وحتى مرحّب به لأنه ظاهرة احتجاج مدنية سياسية،  فما الذي يبرّر التعدّي على العام لصالح الخاص؟ كسب المال والطمع بالمزيد؟ ثم لمَ التمادي بشرعنة هذا التعدّي ليصبح دائماً بل رمزاً لا يجوز المسّ به؟

 

وبما أننا بالخيم، فلنبدأ بتعريف الخيمة وفقاً للسان العرب:

«البيت أو المنزل... إنما تكون من شجر فإن كانت من غير شجر فهي بيت...»

 

إذاً يمكننا أن نعتبر أن ما نراه حولنا من استحواذات (مهما كانت الأسباب) هو عملياً منازل وبيوت، وبالتالي أصبحت ملكاً خاصاً، فلبنان «مخصّص» منذ زمن، ولكلّ خيمته.

 

لبنان هو كناية عن خيمة لها ما لها وعليها ما عليها. أعوادها وعوارضها بالكاد مربوطة، ومشايخها ليسوا أهل الربط والحلّ فيها، بل حتى إنهم ليسوا أهلها. ولعلّ هذه الخيمة هي عنوان عريض للخيم الواقعية التي يقيمها هؤلاء الزعماء، فإذا بوطنهم يصبح خيمتهم، وعلى ظهرنا وبطننا وأحلامنا علت.

 

خيمهم أنشئت بالعادات والتقاليد والحروب والمواثيق، ثم بقوانين وقرارات ومراسيم يفترض أنها مؤقّتة، ولكن الواقع أنها هي الدائمة وما سمّي بالدولة هو المؤقّت الذي كان الإخراج الضروري لقيام هذه الخيم وديمومتها. وحتى لا يظنّ أحد من العرب أنه أحسن حال فهذا الكلام ينطبق عليهم أيضاً. ولنا في خيمة معمر القذافي رمز أُعجب به الغرب خاصّة، وبالأخص ساركوزي وبوش. نعم، بلادنا خيمة وفي هذه الخيمة بدوي وهذا البدوي هو نحن.

 

تبلغ مساحة خيمة سوليدير كأرض مسطّحة مليونين ومائتي ألف م2 تشتمل على خيم رئيسية عدّة، منها: السراي الحكومي التي أنشأها العثمانيون وهي اليوم ملك خاص «لأهل السنّة»، تليها الكنائس والجوامع ويتجاوز عددها 11 وهي ملك خاص لطوائفها، باستثناء الطائفة الشيعية التي لها حسينية في زقاق البلاط على تخوم سوليدير، ولها حديثاً خيمة مجلس النواب الواقع في ساحة النجمة سابقاً أو ساحة رفيق الحريري اليوم (هكذا يتعايش «الشيعة» و«السنة»)، وعلى النجمة السلام.

تأتي بعد ذلك خيمة «بيال» التي أنشئت مؤقّتاً كمقرّ لعقد مؤتمر الفرنكوفونية، ولكن «بيال» كبر وتوسّع والمؤقّت أصبح دائماً. ولا ننسى الخيم الأربع الضرورية (وإن غير كافية حتى لا ننسى الغطاء الأمني القمعي في الحرب الأهلية ومنذ الطائف) لما صار ويصير ولصيرورة لبنان الخيمة، و«الموالاة» و«المعارضة» على حدٍّ سواء: خيمة المصارف، الشارع الوحيد الذي لم تدمّره ميليشيات لبنان وفلسطين والعروبة والبروليتاريا والإمبريالية (هل عرفتم اليوم قدسيّة القطاع المصرفي؟)، وخيمة مجلس الإنماء والإعمار، رمز ما سمّي «مسيرة الإنماء والإعمار»، وخيمتا وزارتي المالية والاتصالات.

 

 وهناك خيمة لا يجوز نسيانها تدلّنا عليها سوليدير كما يلي: «يقع مبنى بلديّة بيروت بين شارعي ويغان وفوش ويشكّل معلماً مدنياً ومعمارياً يعود إلى العام 1934. وهو بناء يعود تصميمه إلى العهد المملوكي الجديد، والذي يسمّى أيضاً بالأسلوب «الشرقي» أو «العربي»، وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى الزخرفات المختلفة في الإحياء الإسلامي التي تستعمل في المباني العامّة للتعبير عن هويّة المنطقة».

 

هوية المنطقة؟ لنرى:

«Foch»، فوش هو «جنرال فرنسا» الذي أشرف على ولادة خيمة لبنان الكبير وعلى استسلام الألمان في فرساي إثر الحرب العالمية الأولى. أما «Weygand» ويغان فهو الجنرال الذي سارع بالاستسلام لألمانيا في الحرب العالمية الثانية. أما بيبرس المملوكي فقد هزم آخر ولايات الفرنج في أرضنا. وشارع ويغان هو امتداد لشارع عمر الداعوق والذي قيل إن ايفانا ترمب «صمّمت» عليه برجاً، كل ذلك على مرمى حجر من شارعي عبد الحميد كرامي وسعد زغلول.

وبعد، لماذا يضيق البعض بـ «خيمات الحرّية» و«خيم المعارضة»، خاصّة أن أرباح سوليدير بلغت نحو 132 مليون دولار معفيّة من الضرائب (2006)؟

ولذا، أهلاً بخيم إضافية تحمل شعارات سياسية لا مالية، مثل خيمة المفقودين أو المقتولين في لبنان أو المسجونين في سورية ومكانها حديقة جبران خليل جبران أمام خيمة بيت الأمم المتّحدة الذي تبلغ كلفته علينا أكثر من 8 مليون دولار سنوياً.

 

«في بيت أبي منازل كثيرة»، ولكن ترى لماذا لم يتّسع هذا البيت لآثار فينيقيا وروما وبيزنطية والإسلام؟ فلا عصر برونزي ولا حديدي ولا حتى «ترامواي» أو «طنبرجي» أو «عَرّاب» ولا خيمة واحدة للذين فُقدوا على حواجز زعماء المليشيات اللبنانية، لنشعر أننا في عاصمة لها ذاكرة.

 

وقد ينعشنا نحن الـ 12,000 مستثمر وتاجر، وخاصّة القلقين منا على أعمالهم ومصيرهم (وهذا حقّهم)، عندما «نأتي إلى سوليدير»، أن نتذكّر ساحة البرج وباب إدريس كما كانا وأن نذكر أكثر من 100,000 إنسان كانوا هنا.

 

 

  • ستنشر «الشهرية»  ابتداءً من هذا العدد، سلسلة من المقالات تحت عنوان «الخيمة» بأرقام تسلسلية.

اترك تعليقا