حروب لبنان لماذا؟

لبنان اليوم على شفير الهاوية، ولكن هذا ليس بجديد عليه. فهو يمرّ منذ العام 1943 بأزمات وحروب (حتى لا نعود إلى القرن التاسع عشر). وتكمن المشكلة الأساسية في النظام الذي ارتضيناه رغبة، أو قهراً، أو عجزاً، أو كل هذه الحالات معاً، هذا النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يولّد الأزمات.

 

مواطن يعتبر نفسه غير معني لأسباب تتعلّق بغياب الدولة، فيفوّض السياسي الذي يعتبر نفسه هو أيضاً غير معني إلا بضمان مكانته (للأسباب ذاتها)، فيفوّض «الخارج» في إدارة شؤون البلاد الكبرى. فالمسألة لم تكن في العام 1975 مسألة «توطين الفلسطينيين» ولا «الخوف من سلاحهم»، ولم تكن «خيانة» لمصالح إسرائيل، وهي اليوم ليست بين «14 آذار» و«8 آذار»، أي ليست بين «حرّية وسيادة واستقلال» و«سلاح المقاومة». تعود المسألة إلى عمق النظام الذي نُستخدم نحن وقوداً له. إن النظام اللبناني العام يقتضي هدراً كبيراً في المقدّرات البشرية، تهجيراً، أو هجرةً، أو قتلاً، وكذلك في المقدّرات المادّية، هدراً، أو فساداً، أو تدميراً. يعيش نظامنا على نزف الدماء والموارد ليجدّد ذاته. ولا يمكن للنظام أن يعمل دون «ناظم» غالباً ما يكون قوّة أو تجمّع قوى خارجية. إن من يسمّون «زعماء الطوائف» أو «أمراؤها» هم ضحايا هذه الحلقة المفرغة من العنف كما هم من صانعيها، كأتباعهم ومواطنيهم. ولا خروج لنا من هذه الحلقة الجهنمية ما لم نتوافق على التشخيص ونتشارك في وضع الحلول.

 

وإذا كان التشخيص وتدوين الوقائع التاريخية، كما هي دون تحريف أو تمنّيات أو أوهام، أساسياً لبناء لبنان جديد، يقتضي الأمر أيضاً التعمّق النفسي والتصالح مع الذات أولاً. فليس من المعقول رمي الحرب الأهلية الطويلة، وربما المستمرّة، وراء ظهرنا كأنها لم تكن. إن عمليات القتل والخطف والتهجير والهدم والاحتلال وكذلك النهب المنظّم، بعد هدوء الجبهات تحت ستار «إعادة الإعمار»، وكذلك «دولة القانون والمؤسّسات»، كمكافأة لمن قتل وهجّر، ستخلق أزمات متواصلة. إن عملية الاعتراف والغفران لا تنتهي بقانون عفو صاغه من ساهم في الحرب، دون اعتبار لأمور أساسية في بناء مجتمع سليم، أهمّها العدالة.

 

آن الأوان لنتعلّم أن الجميع خاسرٌ في النهاية، زعماء يحلمون بالحفاظ على سلطة لا تحكُم ويُقتلون، وشعب يَقتتل كل حين. نأمل أن تساهم «الدولية للمعلومات» عبر مجلّتها هذه، وعبر منشوراتها الأخرى في إنعاش ذاكرة اللبنانيين علّهم لا يكرّرون الماضي.

جواد نديم عدره

 

  • يصدر قريباً عن جمعية الإنماء الاجتماعي والثقافي «إنماء» بالتعاون مع «الدولية للمعلومات» كتاب جديد بعنوان «حروب لبنان لماذا؟»، وذلك ضمن سلسلة «النحلة» للتربية المدنية.

اترك تعليقا