كيف تفكر القاعد (9) - أهمية الصبر في الإنتصار


يولي تنظيم القاعدة الصبر أهمية كبرى في عمله فهو مفتاح النصر والانتصار على العدو وفقاً لما هو مبين في المقالة التالية:
"إنما النصر صبر ساعة" هذا الأثر يلخص الطريق إلى النصر في أي معركة نخوضها مع الأعداء.

في اليوم واللحظة التي قرر فيها الروس الانسحاب من أفغانستان لم تكن عدتهم من السلاح أقل من عدة الأفغان وقتها، بل كانـت أضعاف ما لدى الأفغان كماً ونوعاً ، كذلك لم يكن عـدد جنودهم المدربين أقل عـدداً أو كفاءة من جنـود الأفغان، وكذلك عندما انسحب الروم من أراضي إمبراطورياتهم في الشام ومصر في بدايـة الفتوحات كان عددهم وعدتهم أكثر كماً -بأضعاف - وأفضل نوعاً من عدد وعدة المسلمين، فما الذي حدث؟ وما السبب في هزيمتهم؟ أحيانا يصدر مثل ذلك القرار بحيث لا يمكن لمحلّل عسكري أن يتوقعه قبلها بيوم !! 

الذي حدث يطلق عليه في كتب الحرب [انهيار الإرادة القتالية] وانهيار الإرادة القتالية يحدث في أحد حالتين: عندما يرى الطرف المُنسحب - إذا كان عاقلاً - أن الخسارة المادية أو المعنوية- ولها صور - من جراء استمراره في القتال أكثر من مكاسبه إذا استمر في القتال، والحالة الثانية هي نفاد صبر الطرف المنسحب، ويمكن أن ندخل الحالة الأولى في الثانية بحيث يمكننا القول : إن انهيار الإرادة القتالية ينتج عن نفاد صبر الطرف المُنهار.

وبالتالي يريد العدو تحقيق الأمرين:
1-    تقصير أمد المعركة بقدر الإمكان. 
2-    تجنيب جنوده الدم بقدر الإمكان.

فالعدو يعلم أن ذلك سيرعب جنده وسيكون عاملاً من عوامل إطالة المعركة. لذلك يضع العدو لتحقيق هذين الهدفين خطة خبيثة، وهي أنه يتجنب في البداية الدم قدر الإمكان بل يعمل على جمع أكبر عدد من الشباب في السجون، ويرسم صورة أن من لا يقاوم لا يطلق عليه النار، وهو في الأصل لا يتمنى أن يصل الأمر لذلك، وفي الفترة الأولى من مرحلة السجن طالما أنه ما زال هناك أعداد كبيرة بالخارج يجعل الضغط داخل معظم السجون بسيطاً إلا على قلة من الأخوة الذي لديه غرض من الضغط عليهم، ثم عندما يجمع أكبر قدر من الإخوة في السجون يبدأ بالضغط على جميع الإخوة داخل السجون وعلى ذويهم خارج السجون فيبدأ في جعل السجون جحيماً، ويعمد إلى منع الزيارات تقريباً، ويعمل على متابعة الدعم والمساعدات التي تصل لذويهم وتصبح الصورة سوداء، فيبدأ الناس يمنعون ذويهم من الانضمام للمجاهدين أو مساعداتهم لما يرونه من أمثلة كثيرة، وتبدأ حالة المجاهدين في التدهور، فضلاً عن أن الطاغوت يبدأ في هذه المرحلة في تغيير إستراتيجيته من تقليل الدم وإكثار الاعتقالات إلى إستراتيجية الحسم والاستئصال بعد أن يكون هيأ الجميع لها إعلامياً، فيقوم بعمليات قتل في المداهمات، وهنا يقترب الأمر من نهايته ويبدأ صبر المجاهدين في النفاد - لا قدر الله، بعد أن يكون بدأ الأمر بنفاد صبر من في السجن من الشباب. 

“إن انهيار الإرادة القتالية ينتج عن نفاد صبر الطرف المُنهار“

كذلك من الاستراتيجيات التي يتبعها العدو هي [إستراتيجية الحشد] حيث يعمد إلى تهدئة بعض المدن والمناطق ويستعين بجندها في حشد قواته في منطقة أو منطقتين يكثر من الاعتقالات والمواجهات فيهما، وذلك حتى يشعر جنده بالاطمئنان لأنهم أكثر عدداًً أضعاف أضعاف المجاهدين، ثم بعد أن ينتهي ويحكم قبضته على تلك المنطقة ينقل قواتـه للمناطق الأخرى الهادئة. وتقريباً كل ما سبق حدث من النظام المصري الخبيث وقت مواجهة الحركة المجاهدة حيث كان يخطط بداية التسعينات حملة لضرب الكيانات الإسلامية.

نحن لو كان عندنا القوة التي عند العدو لكان عندنا القدرة على حسم المعركة من البداية لأن جنودنا لا تخشى الدم والموت بل تطلبه، ولكننا ليس عندنا هذه القوة - وذلك من سنن الله في الدعوات، لذلك ستكون خطتنا بالنظر لكل المعطيات السابقة هي العمل على إطالة فترة المعركة عن طريق مقاومة أهداف العدو والمبادرة بتوجيه ضربات قوية وموجعة له، على أن يكون تركيزنا في البداية - بحكم إمكانياتنا على رد الفعل المتمثل في مقاومة أهدافه أكثر من المبادرة بتوجيه ضربات له، ثم بعد فترة إذا نجحنا لن تكون أعمالنا إلا المبادرة بضربه لأنه بحكم التجارب المرصودة ستكون أيامه في المرحلة الثانية هي عبارة مقاومة غاراتنا إلى أن نصل إلى مرحلة إسقاطه بإذن الله. فعلينا إبطال إستراتيجية الحشد عن طريق جعل عملياتنا منتشرة على أكبر رقعة من الأرض - على الرغم من محدوديتها في البداية إلا أنه يجب أن تكون منتشرة على أكبر رقعة ممكنة. وعلينا منعه من تحقيق هدفه بجمع أكبر عدد من الإخوة في السجون ليضع في يده أكبر أوراق للضغط عن طريق: 
 
1-    تلافي التسيب الأمني قدر الإمكان ، وتنفيذ التعليمات الأمنية بدقة، وبمناسبة هذه النقطة تنتشر بين الأخوة قصص من نوعية أن أخاً تعرض لكمين وكان معه اسطوانات [سي دي] أو أوراق وكانت التعليمات أن يقوم بكسرها حتى يمر على الكمين بدون مشاكل، إلا أنه احتفظ بها لغرضٍ ما وعمل على قول الدعاء والأذكار حتى مر الأمر بسلام، وجميعنا بالطبع يصدق بحقيقة مثل تلك القصص والحمد الله، إلا أنه ينبغي أن نعلم أن ما فعله الأخ يأثم بفعله فقد خالف التعليمات وعرض نفسه  ومجموعة من إخوانه - الذين يعرفهم - للخطر، وذنبه هذا مع ذنوب أخرى قد تجعل الأذكار لا أثر لها في المرة القادمة كذلك من التسيب الأمني محاولة معرفة ما لا يخصك، وتوجد مظاهر عدة للتسيب الأمني فلتراجع في مظانها. 
 
2-    الطريق الثاني الذي يبطل تلك الإستراتيجية هو جعل مداهماته لاعتقال الإخوة تتحول إلى جحيم ويسقط فيها أكبر عدد من قواته، وذات تكلفة عالية في الدم والإنفاق واتخاذ وقت طويل في الإعداد لها، بل إذا تم اعتقال أو قتل أفراد في مداهمة يتم المبادرة بتوجيه ضربة ردع ودفع ثمن يتم الإعلان إعلامياً انها بسبب اعتقال أو قتل الأخ فلان، والمبادرات القليلة في البداية بمهاجمة قواته أو قوات العدو الصليبي يعلن إعلامياً أنها ردود فعل على ممارساته في السجون أو اعتقالاته، وأننا نقوم باستهداف أسياده الصليبيين نكاية فيهم وفيه - نكاية مسببة - على أن نبين أننا لن نوقف استهدافنا أهل الطغيان إلا أن ممارساتهم تدفعنا أكثر وتجعل عملياتنا أكثر شراسة. 

وكل ما سبق - تقريباً - يمثل السياسة التي يتبعها إخواننا أسود جزيرة العرب نسأل الله لهم الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد. فان إطالة أمد الصراع وإيجاد قوة تستطيع توجيه ضربات قوية تجنح بالعدو إلى الموادعة من طرفه فقط بالطبع، وتوجيه ضربات لمصالحه الاقتصادية، وتهديد مصالح واقتصاد ومادة رفاهية من يدعمه - بتبرير إعلامي جيد كما بينا في دراستنا المفصلة - تجعل العدو يتقوقع على ما في يده من مصالح، وهذه القوة الرادعة كذلك تدفع جنده للتفكير في أن القتال تحت راية قادم لا يضمن لهم البقاء فهاهم يموتون من أجل لا شيء، فتبدأ مرحلة التفكير في الانتقال أو على أقل تقدير الفرار وانتظار انقلاب الموازين، لذلك وجدنا أن أشد الناس عداوة لهذه الدعوة أصبحوا فيما بعد جنداً مخلصين لها يقدمون أرواحهم في سبيلها.

“نحن لو كان عندنا القوة التي عند العدو لكان عندنا القدرة على حسم المعركة من البداية لأن جنودنا لا تخشى الدم والموت بل تطلبه“

نختم هذا المقال بهذه الواقعة من غزوة بدر: عندما أرسل المشركون عمير بن وهب الجمحي عيناً لهم (جاسوساً) على المسلمين فقال بعد أن تأكد أنه ليس للقلة من المسلمين كمين أو مدد: (لقد رأيتهم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً.. ولكني قد رأيت يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا (البلايا وهي النوق التي تربط عند القبور حتى تموت وهذا دليل على ان المسلمين مستعدين للموت، نواضح (النوق) يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتـل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك؟ 

نخرج من هذه الواقعة أنه إذا استطعنا أن نسرب للعدو هذا الشعور بحقٍ بل ونؤكده بزيادة - كما فعل سلفنا وقتها - سيكون ذلك بإذن الله بداية هزيمته، وليرجع القراء إلى كتب السيرة لقراءة أثر تلك الكلمات على صف قريش. 

وسيكون ذلك الشعور بإذن الله هو أول الطريق للتعجيل بنفاد صبره، فان معركتنا معه هي معركة الصبر.  

اترك تعليقا