شهر شباط - 6 شباط 1984 : ثورة أم إعتداء على الدولة؟
مقدمات الحدث
في 4 حزيران من العام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان من جنوبه وصولاً إلى عاصمته بيروت، وانتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، وبعد اغتياله انتخب شقيقه أمين الجميل وانسحبت إسرائيل من بيروت وحلت مكانها قوات دولية (أميركية- فرنسية- ايطالية) وبدأ الحكم الجديد باستعادة سيطرته على كافة المناطق لاسيما العاصمة بيروت من خلال وحدات الجيش اللبناني التي تم إعادة تأهيلها وتزويدها بالأسلحة، في هذا الوقت بدأ لبنان مفاوضات مع إسرائيل لتوقيع معاهدة سلام معها وتأمين انسحابها من لبنان فكان اتفاق 17 أيار 1983 الذي رفضته شرائح لبنانية عديدة كانت بمعظمها من الطوائف الإسلامية حيث بدأت الاحتجاجات والاعتصامات لا سيما في المساجد رفضاً لهذه الاتفاقية، وقد تصدى الجيش اللبناني لبعضها ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى وبالتالي ارتفاع حدة التصعيد بين الجيش الداعم للرئيس أمين الجميل والفئات المعارضة لهذه الاتفاقية. وبلغ التصعيد ذروته من خلال العديد من الصدامات بين اللبناني ومحتجين سواء بسبب اتفاقية 17 أيار أو نتيجة إقدام الجيش على جرف عدد من المنازل في الاوزاعي، تلا ذلك قصف الجيش أحياء الضاحية الجنوبية ما سبب سقوط المزيد من الضحايا، لينفجر الوضع يوم 6 شباط.
وقائع ذلك اليوم تشكل حدثاً تاريخياً بالرغم من انقضاء نحو 30 عاماً على الحدث.
وقائع الأحداث الامنية
صباح يوم الاثنين في 6 شباط 1984 بدأ القصف من مرابض الجيش اللبناني ينهال على أحياء في بيروت الغربية ترافق مع اشتباكات بين عناصر الجيش اللبناني ومسلحين ينتمون إلى حركة أمل والى أحزاب أخرى.
ففي الأحياء الغربية من بيروت ساد التوتر في فترتي الصباح وقبل الظهر وسط تردد معلومات عن استعدادات معينة في منطقتي المتحف والسوديكو لادخال قوى مسلحة الى بيروت الغربية ومنطقة الاسواق التجارية في بيروت وساحة رياض الصلح.
أحدثت هذه المعلومات جواً من القلق والتوتر لا سيما في مناطق كورنيش المزرعة، ابو شاكر، البربير، برج أبي حيدر، المصيطبة، وطى المصيطبة، حي اللجا، مار الياس، زقاق البلاط، البطريركية، والخندق الغميق.
وفي التاسعة والنصف صباحاً وقع اشتباك بين عناصر مسلحة وجنود من الجيش اللبناني كانوا يستقلون شاحنة عسكرية في تقاطع كورنيش المزرعة- برج ابي حيدر. ولم يبلغ عن إصابات وجرت اتصالات بين الجهات المعنية لتطويق الحادث ونجحت في سحب المسلحين.
وقد زاد هذا الاشتباك من جو التوتر في المنطقة وفي الحادية عشرة قبل الظهر سجل ظهور مسلح كثيف في منطقة زقاق البلاط وحوض الولاية وعمل المسلحون على اتخاذ مواقع مراقبة على جوانب الطريق.
ودارت اشتباكات بين مسلحي حركة أمل والجيش أدت إلى انسحاب اللواء السادس في الجيش من الشوارع وعودته إلى الثكنات رافضاً أوامر القيادة بالاستمرار بالمعارك.
وتجددت الاتصالات بين المفتي قبلان من جهة وبين قائد الجيش العماد إبراهيم طنوس وبري وممثل حركة أمل في اللجنة الأمنية أيوب حميد. بالإضافة إلى اتصالات مماثلة جرت مع قيادة أمل من قبل مدير عام قوى الأمن الداخلي بالوكالة العميد عثمان عثمان وقائد منطقة بيروت العميد زهير القفير ومدير المخابرات في الجيش اللبناني العقيد الركن سيمون قسيس.
في الثالثة والنصف بعد الظهر أعلن الجيش عن قرار وقف إطلاق النار في بيان جاء فيه: بناء لطلب الفعاليات السياسية والدينية من مختلف الطوائف وممثل حركة “أمل” قررت قيادة الجيش وقف إطلاق النار اعتباراً من الرابعة بعد الظهر للإفساح في المجال أمام سحب المسلحين من الشوارع وإعادة الوضع إلى طبيعته وستكلف لجنة من الضباط المراقبين السهر على وقف إطلاق النار.
وتم الاتفاق على وقف ثان لإطلاق النار على أن يبدأ تنفيذه ابتداء من الساعة الثامنة مساء. وبالفعل بدأت حدة المعارك تخف ابتداء من الثامنة دون أن يمنع ذلك من تصاعد حدة القصف الذي طال مناطق بيروت بأكملها.
لكن بيروت أصبحت مع انسحاب القوى الأمنية في قبضة حركة أمل برئاسة نبيه بري.
وقائع الأحداث السياسية
واصل الرئيس الجميل استشاراته النيابية بعد قبول استقالة حكومة الرئيس شفيق الوزان.
وشملت الاستشارات عدداً من الكتل النيابية وأكد معظم الذين استشيروا “أن القضية أكبر من موضوع تشكيل حكومة، فيما دعا الرئيس أمين الحافظ الحكم إلى إعادة النظر بـ “كل شيء”.
وأوفد الرئيس الجميل الوزير إيلي سالم إلى زغرتا، يرافقه المستشار الرئاسي محمد شقير حيث أبلغا الرئيس سليمان فرنجية الدعوة إلى استئناف مؤتمر الحوار في جنيف في السابع والعشرين من شباط الحالي، كما تشاوروا معه في المستجدات.
وقالت مصادر سياسية أن رئيس الجمهورية ركز في أحاديثه مع زواره على ضرورة بذل الوساطات مع دمشق من باب الحرص على التفاهم معها والتوصل إلى الحلول المطلوبة للوضع المتدهور.
أضافت هذه المصادر أن الرئيس الجميل أبلغ زواره أن موقفه من اتفاق 17 أيار في الخطاب الذي ألقاه أمس الأول هو نوع من الاستجابة لمطلب المعارضة لأنه يرى أن يتم الاستغناء عن اتفاق 17 أيار بعد أن يلتقي جميع الأطراف المعارضين والحكم يقومون بالاستغناء عنه معاً.
وفيما غاب رئيس الحكومة المستقيل شفيق الوزان عن أي نشاط، أكد الرئيس رشيد كرامي أنه لن يحضر مؤتمر الحوار إلا إذا وثقت بالتوجه الرسمي. وتأكدت من أن هناك التزاما بما سيتفق عليه حتى لا تتكرر سابقة المؤتمر الأول”.
وأدلى رئيس حركة “أمل” نبيه بري بتصريح طالب فيه باستقالة الرئيس أمين الجميل ورأى أن المبادرة التي طرحها هي تغطية لما جرى في الضاحية.
كما جدد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دعوته إلى استقالة الرئيس الجميل، ولا يمكن أن نقبل تسوية سياسية معه”.
وقال جنبلاط انه يؤيد قيام لبنان ديموقراطي عربي وليس لبنان الكتائب.
أضاف: أن دولة لبنان لا يمكن أن تصبح شرعية إلا إذا وضع دستور جديد ونظام تمثيلي جديد للشعب اللبناني. وتابع: أن إلغاء اتفاق 17 أيار أصبح مسألة ثانوية. إذ أن الوضع الدولي الراهن سيلغي هذا الاتفاق بصورة أو بأخرى.
عما إذا كان يؤيد ترشيح العميد ريمون اده لرئاسة الجمهورية قال: ليست مسألة شخص، وإنما مسألة برنامج سياسي، وتغيير الدستور وإيجاد صيغة سياسية جديدة ومناسبة وفقاً للظروف اللبنانية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الجديدة.
وأضاف جنبلاط في حديثه إلى راديو فرنسا الدولي (رويتر)، “إننا نعرف جيداً أن الرؤساء الأميركيين يؤيدون شخصاً ثم يتركونه”.
يذكر أن سفراء دول القوات المتعددة بقوا أمس على اتصال دائم مع القيادات المحلية لا سيما مع رئيس حركة “أمل” نبيه بري للتداول في ما هو حاصل على الأرض.
وفهم من مصادر “أمل” بأن هؤلاء السفراء أكدوا على أنهم يقفون على الحياد حيال ما يجري لكن هذا لا يمنعهم من الدفاع عن امن عناصرهم في حال تعرضهم لأي خطر.
ونفت المصادر أن تكون القوات المتعددة شاركت في العمليات العسكرية وأوضحت بأنه وقع حادث بالقرب من مبنى السفارة الأميركية تمت معالجته بسرعة.
وأسباب الحادث تعود إلى تعرض عدد من الجنود الأميركيين المكلفين بحراسة مبنى السفارة إلى إطلاق نار اضطروا للرد على مصادره لكن سرعان ما تم تطويقه.
6 شباط مفصل أساسي في تاريخ لبنان إذ مكن حركة أمل من السيطرة على بيروت وجعلها في موقع القرار، كما مهد لعودة السوريين إلى بيروت بعدما غادرها في العام 1982 وهذه العودة مكنتهم من الاستمرار حتى العام 2005.
اترك تعليقا