الأسرى والقانون الدولي الإنساني  فلسطين ومعتقلوها مثالًا

في إطار تفسير القوانين الدولية، أخذ موضوع أسرى الحرب والرهائن جدلًا طويلًا بين مؤيّد ومعارض، فبعد أن حظّرت المادة 3 المشتركة في اتّفاقيات جنيف أخذ الرهائن، كما حظرته أيضاً اتّفاقية جنيف الرابعة معتبرة أنّه انتهاك جسيم، غير أنّها، في المقابل، أجازت ما يُعرف بالاعتقال المؤقّت أو الإقامة الجبريّة، وعالجت هذه الاتّفاقيات مسألة الحرمان التعسّفي من الحريّة.

أسرى الحرب والرهائن 

لا يزال القانون الدّولي، وإن عرف ما يسمّى بالحروب غير المتكافئة بين الأطراف من حيث القوة، قاصرًا عن حماية قوى التحرير الشعبيّة.

تنصّ اتّفاقية جنيف الرابعة على عدم جواز حجز شخص مدني أو فرض الإقامة الجبريّة عليه إلاّ إذا "اقتضى ذلك، وبصورة مطلقة، أمن الدولة الحاجزة" (المادة 42)، أو "لأسباب أمنيّة قهريّة" في أرض محتلّة (المادة 78).

فالمــادة (78) من اتّفاقية جنيف الرابعة تنصّ على أنّه إذا رأت دولة الاحتلال لأسباب أمنيّة قهريّة أن تتّخذ تدابير أمنيّة إزاء أشخاص محميّين، فلها على الأكثر أن تفرض عليهم إقامة إجبارية أو تعتقلهم، ويمكن، وفق هذا التفسير وبالمقابل للقوى التي تكافح لتحرير وطنها، أن تعتقل العسكريّين، كما يمكن حجز أسرى الحرب طوال مدّة العمليّات العدائيّة الفعليّة وفق اتّفاقية جنيف الثّالثة، في المادتين 21 و 118 منها.

الحماية الدوليّة لحركات المقاومة والتحرّر

خصّ القانون الدّولي "حركات المقاومة الشعبية والتحرير" بأحكامٍ خاصّة مختلفة عن تلك التي ترعى تصرّفات الدّول، ومثالًا على ذلك، حين ألزم القوى العسكرية بأن ترتدي ملابس عسكرية لتمييزها عن المدنيّين، لم يشترط  بذلك مع أعضاء حركات المقاومة والتحرير الّذين لا يمكنهم تمييز أنفسهم، لأنّهم وفي الوقت عينه، سكان مدنيون في الأراضي المحتلّة أو في حروب التحرير الوطنيّة و مقاومون، وقد شملهم القانون الدّولي الإنساني بحمايته على الرغم من أنّهم لا يرتدون الزيّ العسكريّ.

ووفقاً للبروتوكول الإضافي الأول، في المادة 44 (3)، هناك مواقف في النّزاع المسلّح، ونظراً لطبيعة العمليّات العدائيّة، "لا يملك فيها المقاتل المسلّح أن يُميّز نفسه" عن السكّان المدنيّين بينما يكون مشاركاً في هجوم أو في عملية عسكرية تحضيريّة للهجوم، فيبقى محتفظاً بوضعه كمقاتل، شرط أن يحمل سلاحه علناً في المواقف التالية:

  • أثناء أيّ اشتباك عسكري،
  • طوال ذلك الوقت الذي يبقى خلاله مرئياً للخصم على مدى البصر،
  • أثناء انشغاله بتوزيع القوّات في مواقعها استعداداً للقتال،
  • قبيل شنّ هجوم عليه أن يشارك فيه.

المعتقلون الفلسطينيون والقانون الدّولي

هنا يطرح السؤال التالي، إزاء الأحداث التي تمرّ فيها المنطقة، ماذا عن الفلسطينيين المعتقلين لدى الاحتلال الاسرائيلي وخاصة النساء والأطفال وباقي المدنيين؟

تنصّ القاعدة 99 من القانون الدولي الإنساني على أنه يُحظر الحرمان التعسّفي من الحريّة.

وتنصّ اتفاقية جنيف الرابعة على عدم جواز حجز شخص مدني أو فرض الإقامة الجبرية عليه إلاّ إذا "اقتضى ذلك، وبصورة مطلقة، أمن الدولة الحاجزة" (المادة 42)، أو "لأسباب أمنيّة قهريّة" في أرض محتلة (المادة 78) وهو يعني الضرورات الشرعيّة أي القانونيّة.

 يتعيّن اتّخاذ إجراءات معيّنة كي يكون الحرمان من الحريّة مشروعاً. فمن جهة أولى، تنصّ الفقرة الأولى من المادة 43 من اتّفاقية جنيف الرابعة على: "أنّ أيّ شخص يُعتقل أو تُفرض عليه الإقامة الجبرية، له الحق في إعادة النظر في القرار المتّخذ بشأنه في أقرب وقت بواسطة محكمة أو لجنة إداريّة مختصّة، وإذا استمر القرار وجبت مراجعته بصفة دوريّة، وبواقع مرّتين على الأقلّ في السنة".

ومن جهة ثانية، تشترط المادة 78 من اتفاقية جنيف المذكروة أن تُتّخذ قرارات الإقامة الجبريّة أو الاعتقال في أرض محتلّة طبقاً لإجراءات قانونية تحدّدها دولة الاحتلال وفقاً لأحكام هذه الاتّفاقية. 

كما تنصّ على أنّ مثل هذا القرار قابل للاستئناف، ويجب البتّ بشأن الاستئناف في أقرب وقت ممكن. 

وفي حالة تأييد القرارات، يُعاد النظر فيها بصفة دوريّة، وإذا أمكن كل ستّة شهور، بواسطة جهاز مختصّ تشكّله الدولة الحاجزة وفق اتّفاقية جنيف الرابعة، في المادة 78 منها.

المرضى والجرحى والمحتجزون تعسّفًا

كما  تطلب اتفاقية جنيف الثالثة فحص المرضى أو الجرحى من أسرى الحرب من قبل لجنة طبيّة مختلطة كي تقرّر ما إذا كان يجب إعادتهم إلى أوطانهم أو إيواؤهم في بلاد محايدة.

تنصّ اتفاقيات جنيف على تعيين الدول الحامية لتحاول وتمنع الاحتجاز التعسفي والمعاملة السيئة التي عادة ما تصاحب مثل هذا الاحتجاز. ويتعيّن أن تكون الدول الحامية غير منحازة، تراقب وتدقّق في تنفيذ الاتّفاقيات من أجل رعاية مصالح أطراف النزاع.

وينصّ كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة (المادة 9 (1))، واتّفاقية حقوق الطفل (المادة 37 (ب))، والاتّفاقيتان الأوروبية والأميركية لحقوق الإنسان، على عدم جواز خضوع أيّ شخص لإلقاء القبض أو الاحتجاز التعسّفي.

ويتوجّب أن تُرفع الإجراءات المتخذة للتقرير بشأن شرعيّة الاحتجاز إلى محكمة مستقلّة عن السلطة التنفيذيّة التي أمرت بالاحتجاز، وخاصة في حالات الطوارئ التي يُمارس فيها الاحتجاز الإداري.

وفي الختام، وفيما يتعلّق بالحروب غير المتكافئة، فإن قواعد القانون الانساني الدولي يقتضي تفسيرها لصالح الطّرف الأضعف ومن الحروب غير المتكافئة تلك التي تجري بين قوى التحرير والمقاومة من جهة أولى، ودولة محتلّة تملك ترسانة عسكرية من جهة ثانية.

ماذا لو مات الأسير؟

تطلب اتّفاقية جنيف الثالثة إعادة أسرى الحرب الذين يعانون من جراح خطرة أو مرض عضال إلى أوطانهم، لأنه من غير المحتمل أن يعاودوا المشاركة في العمليّات العدائيّة ضدّ الجهة الحاجزة.

أما في حالة موت الأسير، فإنّه يقتضي أن تُعامل جثث الموتى بطريقة تتّسم بالاحترام، وأن تُحترم قبورهم وتُصان بشكل ملائم.

ويرد هذا الواجب بشكل مفصّل في اتّفاقيات جنيف للعام 1949 في اتّفاقية جنيف الأولى في المادة 17، اتّفاقية جنيف الثانية في المادة 20، اتّفاقية جنيف الثالثة في المادة 120، واتّفاقية جنيف الرابعة في المادة 130.


ففي الحروب غير المتكافئة، لا سيّما بين قوى الاحتلال والمقاومات الشعبيّة، يقف القانون الدولي متفرّجًا.

اترك تعليقا