قيل أنّ قلب روما ليس في رخام مجلس الشيوخ بل في غبار حلبات الصراع. وما يعنينا اليوم حلبات صراع الإنتخابات النيابية والموفدون الدوليون لمراقبتها. ولو جمعنا أعداد الضحايا الذين شارك هؤلاء الأباطرة أو أشباه الأباطرة، من زعماء محليين ومن أجانب، بقتلهم مباشرةً أو بالواسطة، لكانت الأعداد مذهلة.

ولكننا قمنا بانتخاب "أمراء الحرب"، والأصح "مجرمي الحرب" نواباً فكسوناهم شرعية لأنهم قتلوا "الآخر" نيابة عنّا. وإذا قتلوا البعض منّا خلال العملية فهو ثمن يُدفع. وها نحن ندفعه في أوقات "السلم" في الإنتخابات وفي الإقتصاد وفي الهجرة وفي البطالة وفي الصحة والتربية، وفي نوعية حياتنا بشكلٍ عام.

ولعل الأشدّ إثارةً للإهتمام هي جحافل المراقبين الدوليين والذين سبق ووصفوا انتخابات 2005 بأنها "عادلةً ونزيهة"، كما سبق وباركوا انتخابات 1996، رغم مقاطعة فئةٍ واسعة لها. والأكثر إثارةً للإهتمام بين هؤلاء المراقبين السيدة مادلين أولبرايت (حتى لا نذكر وفد الجامعة العربية) والتي على الجميع أن يذكِّرها بهذا الحوار الذي جرى في 12 أيار 1996 على قناة CBS:

ليزلي ستال: Lesley Stahl  من برنامج ستون دقيقة (60 دقيقة): لقد سمعنا أنّ نصف مليون طفلٍ عراقي ماتوا. هذا أكثر مما توفي في هيروشيما... هل يستحق الأمر هذا الثمن؟...

مادلين أولبرايت: إنه خيار صعب.... ولكننا نعتقد أنّ الأمر يستحق هذا الثمن.

إنّ انتخاباتٍ تجري وفق قانونٍ سيء كهذا وبين زعماء ارتكبوا ما ارتكبوه تستحق أن تُراقَبْ من قبل شخصيةٍ كهذه.

لقد كانت روما أشدّ رحمةً وأكثر مروءة، فالقتل كان مباشراً وبين الأباطرة وفي حلبات الصراع.

أما اليوم فالقتل يجري بالواسطة، وعبر صناديق الإقتراع وبرعايةٍ إقليميةٍ ودولية، ولعلنا نحن مَن يستحق هذا. ولكن هل هم بهذا السوء؟ طبعاً لا. فهم بشرٌ مثلنا، ولهم عائلات ولديهم قصص يروونها ودموع وأفراح. أنظروا إلى بيل كلينتون وجورج بوش وطوني بلير وكونداليسا رايس تعزف الموسيقى وتعلِّق على الرياضة. وأخيراً إلى بطرس بطرس غالي يستيقظ ضميره مثل كوفي أنان قبله وربما بعده أيضاً.

إنهم بشرٌ وجدوا أنفسهم في ماكينة Thomas Hobbes الهائلة تفعل ما تفعله دون قلبٍ كوحشها الـ  Leviathan، ففرحوا بمواقعهم وفاخروا. واليوم يروون أمجاداً لم تكن ويذرفون دموعاً لا تنفع. وإذا كانوا مجرمين أم لا، فهذا مرتبطٌ بسلَّم القيم الذي نعتمده، لكنهم حُكماً بشر مثيرون للشفقة. أنهم أكبر دليل على ما كتبته هانا أريندت Hannah Arendt حول تفاهة الشر.

جواد نديم عدره