هويّة «العتيد»

كتب أحد أحفاد محمد بن شعيب(1) رسالة يردّ فيها على حفيد آل سيفا، «موضحاً» فيها أن قلعة عرقا تعود لجدّه محمد وليس لبني سيفا كما ذُكر سابقاً، «متّهماً» بني سيفا «بالتآمر» وخيانة فخر الدين الأول الذي سبق وأعانهم وقتل ولده قرقماز والد فخر الدين الثاني،  وأن منصور عساف قتل كبير أجداده محمد شعيب حاكم عرقا. لم يعرّج طبعاً على ذكر تاريخ عرقا منذ العصر البرونزي وقبل بروز أي من هذه العائلات. ولم يذكر أي من «هنات» بني شعيب.

ويتابع ابن شعيب الغاضب القول إن عهد طرابلس الذهبي، «إنصافاً للتاريخ»، لم يكن على أيام أجداده ولا على أيام بني سيفا، بل على أيام القاضي الشيعي أبي طالب من بني عمّار الذي شيّد مدرسة دار العلم ومكتبة وذلك في العام 1069م، وقد أشاد به ابن خلدون. وخسر بنو عمار ملكهم حين قدم الصليبيون. يأمل ابن شعيب أن يتمكّن «قاضٍ» ما من «أهل السنّة» (طبعاً) من استرداد مجد طرابلس الغابر.

ويشير إلى ملاحقة جانبولاد ليوسف سيفا حتّى دمشق: «خرج عندئذٍ عقلاء دمشق وأرضوا الجانبولادي بماية وخمسة وعشرين ألف قرش... وأرسل يوسف سيفا طالباً الصلح والمصاهرة». وقال ابن جانبولاد: «العسكر الشامي ما قاتلنا إنما قابلنا بسلام»(2).

إذاً ما هي الدروس:

1-    التحالفات ليست مقدّسة؛ فآل جنبلاط تحالفوا مع التنوخيين ذوي العلاقات الفارسية ومع الشهابيين قبل أن ينقسم الشوف بين بشير جنبلاط وبشير الشهابي، ويناصر آل حمادة بشير الشهابي ويشاركوه في هدم قصر المختارة (1824) وفي تسليم جنبلاط إلى المقصلة.

2-      الحدود والهويّات ليست ثابتة؛ فولاية طرابلس (أو نفوذها) تصل إلى اللاذقية طبعاً، وإلى عكار العتيقة أحياناً وإلى كسروان حيناً آخر، وذلك تبعاً للحقبات الزمنية والظروف. وولاية دمشق (أو نفوذها) تصل أيضاً إلى لبنان ومدنه وتتّصل بها. ولا يضير القول إن طرطوس كانت جزءاً من ولاية طرابلس، كما لا حاجة إلى شطب الكلام من كُتب التاريخ الأميركية عن «جبران خليل جبران السوري من بشري».

3-     الطوائف ليست طوائف دينية بل سياسية وليست مستدامة في انتماءاتها ونفوذها، فلدى دخول العثمانيين لبنان، كان آل الحنش السنّة يحكمون البقاع، والشهابيون المسيحيون يحكمون وادي حرمون ووادي التيم، والمعنيون الدروز يحكمون الشوف، وآل عساف التركمان يحكمون كسروان حتى عكار(3) . ويقال إن الشهابيين (1697-1841) هم  قريشيون أو أكراد وإنهم دروز، لكن الثابت أنهم ورثوا التنوخيين المرتبطين بالمعنيين وأصبحوا مسيحيين.

4-     التاريخ، وخاصّة تاريخ لبنان والمنطقة، مليء بالكثير من الترهات والقليل من الوقائع.

وبعد العودة إلى حمد خالد الصفدي وإلى كمال الصليبي، يقول الدكتور عبد الله الملاح:

«لم يعد في الإمكان القول بوجود فخر الدين الأول في العام 1516 على رأس الإمارة المعنية...»(4) إذاً ماذا عن قرقماز وحكاية بني شعيب وسيفا؟

ولمن يستغرب هذه الروايات ولا يرى أهمّيتها اليوم، فليقرأ: «الشيعة» يحاصرون رياض الصلح، و«السنّة» يحاصرون قريطم والكوليج بروتستانت، و«الدروز» يحاصرون كليمنصو ومستشفى طراد، وكوشنير يدبك في عرس «شيعي» على أنغام «المجتمع المدني»، وبوش يطمئن «حكومة السنيورة» المحاصرة في «سراي الأتراك» حيث احتجز وتوفي سعيد جنبلاط بعد اتهامه بارتكاب مجازر ضدّ المسيحيين في العام 1860، وبضغط من الإنكليز طلب من جنبلاط «الاعتراف» بأن خورشيد باشا العثماني هو من حرّضه على إجراء «محاكمة دولية» للأتراك، وآل وهاب (5)، المتّهمون بقتل فؤاد جنبلاط (1921)، يزورون آل فرنجية قادة المردة (الآراميين السريان الفرس الموارنة العروبيين) تأييداً «للخطّ العربي الفارسي في وجه الإمبريالية والصهيونية». باختصار، مشهد اليوم يظهر أن «أهل البيت» رحّبوا باحتلال العراق و«أهل السنّة» «تحالفوا» مع بوش. والإثنان معًا يريدان «تحرير القدس».

أما بالنسبة إلى نتائج استطلاع الدولية للمعلومات، فهل نستغرب بعد ما يجري رغبة اللبنانيين في إجراء استفتاء حول هويّة لبنان ومخالفة نسبة عالية منهم إجراء استفتاء حول الزواج المدني؟ وهل نستغرب رغبة اللبنانيين في الأمان والأمن وقرفهم من السياسيين ومطالبتهم بتسليم أو تسلّم الجيش زمام الرئاسة؟

وبعد هذا كلّه، لماذا هذه الترهات عن هويّة «الرئيس العتيد»؟ علماً أن كلمة «عتيد» وفق «لسان العرب» تعني «وعاء الطيب ونحوه»، و«طبل العرائس»، و«مُعدّ حاضر» و«الحاضر المُعَد للركوب».

أما للمهتمّين بهويّة «العتيد»، فهي واضحة منذ زمن، إنه الشعب المُعَدّ للركوب إلى الهاوية دائماً، والمتطلّع إلى الاستطلاع عن هويّته.

جواد نديم عدره

(1)    ولاة طرابلس (1523-1528)

(2-3)  نقلاً عن كتاب جوزف اليان «بنو سيفا»

(4)    «فخر الدين المعني الأول حقيقة أم أسطورة - 1516»

(5)       آل وهاب هم غير الذين ينتمي إليهم وئام وهاب ولا تعرف العلاقة بين آل فرنجية والمردة التاريخيين لكن المسألة رمزية.

جواد عدره

 

اترك تعليقا