ان نظامنا قابل حكماً للحياة بل وللتجدد كطائر الفينيق ولكن بشروط. ومن شروطه او مفاعيله: السرية في اخذ القرار والفضائحية في التداول حوله، بعد ان يؤخذ (أي القرار). فالسرية تؤكد سلامة النظام والفضائحية هي صمام الامان بحيث تبقى رموزه او شيفرته سرية في ذات الوقت الذي تبدو فيه عملية النقد حرة.

وهكذا نرى ومنذ تأسيس لبنان الكبير وحتى الان اننا لم نتفق على معنى المواطنية وعلى التربية المدنية ولا حتى على مناقشة الحرب الاهلية واسبابها، في وقت امتلأت عشرات الآف الصفحات بالكتابة عنها.

ولنكون أكثر تحديداً، فنحن لا نعرف، بالرغم من مئات آلاف الكلمات، عن بنك المدينة والدين العام، والكهرباء، الكسارات وشركات الاسمنت والنفط والوكالات الحصرية وغيرها، الحقيقة. خذوا ما تريدون من الفضائح واكثر مما تريدون من القرارات المصيرية ولكنكم لن تعرفوا الحقيقة.

والفرضية تزعم ان هذا النظام، لكي يبقى قوياً لا بد له من اسرار وفضائح ومن ازمات متكررة في كل شيء تهزه ليستعيد نشاطه بل ليعاود توازنه. وتستمر الفرضية لتقول ان الفساد والازمات هي تصاعدية وباهظة الثمن وتفترض تمويلاً متواصلاً بل وتتزايد هندسياً بحيث نصل كل فترة الى حرب مدمرة او ازمات متكررة تعيد الى النظام حياته من جديد تماماً كما حصل مؤخراً.

وهكذا نرى زعماء العشائر والمذاهب أقوى اليوم مما كانوا خلال الحرب وقبلها.

ان النظام الحالي له عقله وأدواته وهو يسير دائماً الى الخراب بشكل منظم ومحكم ليتجدد دائماً، وثروات المجتمع وكلنا، رسميين ومواطنين طعام له.

ويعي هذا النظام او اداته (الطبقة السياسية) جيداً بغريزة البقاء (وليس بالذكاء المتطور) ان الاصلاح يؤدي لإلغائهما او اضعافهما.

وهكذا تختلق الازمات الفارغة مثل الغاء الحماية على الوكالات الحصرية، ومثل القول ان فئة معينة من اللبنانيين تشكو (دون غيرها) من الوضع الاقتصادي، ومثل »السوابش. وبين الدين العام والبطالة وتناقص الدخل وارتفاع الأسعار وامثلة كثير أخرى توزع الضبابية وتنظم لخلافات بين اللبنانيين. ولا يمانع اللبنانيون، بل ينتقلون الى الحالة الاعتراضية إلى القبول بسرعة (أنظر استطلاع »الدولية للمعلومات« في هذا العدد)، ليعاودوا الاعتراض مجدداً.

ان الطبقة السياسية (عبر رموزها آنذاك) جرّت لبنان في أوائل السبعينات الى حرب أهلية بهدف استبقاء ذاتها. وهي على استعداد لارتكاب اية معصية في سبيل هذا الهدف.

ان النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة في لبنان مهددة اليوم، ليس لاننا نراجع الذات فنسأل عن أسباب الحرب وتوقفها مثلاً، ولا لاننا في جو استنهاض شعبي، بل لان تمويل هذه النظم أصبح فوق طاقتنا بل فوق اية طاقة.

جواد نديم عدره
هذه مقتطفات من محاضرة ألقيت في تشرين الثاني 2004 بدعوة من »مؤسسة سعاده للثقافة« في نادي خريجي الجامعة الأميركية