“مستلزمات الإستقلال”
إختصر رياض الصلح، وببلاغةٍ، توصيف “الحالة اللبنانية”، والتي درج الباحثون ودرجنا جميعاً على تسميتها بأسماء عدة كالفساد والهدر وسوء الإدارة وانعدام النزاهة وصرف النفوذ والطائفية وغيرها، بكلمتين: “مستلزمات الإستقلال”. نعم، ليستقل لبنان في العام 1943 كان لا بدّ من ممارسات مع الخارج وفي الداخل لا يمكن الدفاع عنها إلا بالقول: “إنّ الضرورات تبيح المحظورات”. ويبدو أنّ استمرارية هذا النظام- الكيان تقتضي الإستباحة سعياً وراء استقلال موهوم. فمن “استقلال أول” برعاية فرنسية بريطانية، إلى “استقلال ثانٍ” برعاية أميركية، سعودية، إيرانية، سورية.
ومن “مساعي”ف/ب (فرنسا وبريطانيا) إلى “مساعي” م/أ (مصر وأميركا) إلى “مساعي” س/س (سوريا- السعودية)، ومن سرقات شركات قاديشا والريجي إبان الإنتداب الفرنسي إلى استباحة الأملاك البحرية والنهرية والبرية إبان الطائف، وطبعاً خلال وبعد “ثورة الإستقلال الثاني” عام 2005. ومن الكلام الإنشائي عن “بناء الدولة” إلى خصخصتها اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً كمنافع للمتزعمين وأزلامهم، وبالتحديد من قبل الذين يزعمون أنهم يسعون لبنائها.
ونستمر مُصرِّين أننا أصحاب حرية وسيادة واستقلال. ولكن لا ننسى أنه، ومن “مستلزمات الإستقلال”، أن نطلق اسم محتل على شوارعنا، من شارع فوش إلى كليمنصو. ومن “مستلزمات الإستقلال والتحضر” أيضاً أن نطلق اسم جمال عبد الناصر وكينيدي وغاندي وسوريا ولبنان والأرجنتين في كوكتيل غريب عجيب لا ينظِّم شوارعَ ولا يعكس رؤيةً للتنظيم المدني ذات مغزى، بل يُظهرنا كما نحن عرساً ومأتماً وبازاراً، في واقعٍ مسرحي هزلي حيناً وتراجيدي في معظم الأحيان.
ومن “مستلزمات الإستقلال” وصيرورة هذا الكيان أن يُغتال 225 إنساناً منذ الإستقلال ليومنا هذا دون أن يدان المرتكب، والذي كان معروفاً في أغلب الأحيان. وأن ندخل حرباً أهلية يُقتل ويُجرح فيها مئات الآلاف ويُخطف الآلاف وبتحريض ومشاركة زعماء “نتشرف” بتحيتهم ورفع صورهم على بلكونات منازل مهترئة مع ثياب رثّة غسَلَها أصحابها ونشروها لتلتقط أوساخ الشارع. فإذا بالصورة أغلى من البلكون لكن صاحب البيت “مبسوط” لأنه يقبض مبلغاً مقطوعاً وينكي جاره.
ومن “مستلزمات الإستقلال” أن تغمرنا القمامة والمجارير وتنضب المياه، وأن يتجاوز الدين العام أي منطق وأن يتراجع الإقتصاد وتزداد أرباح البنوك وأن يكون طموحنا السير وراء الزعيم والهجرة.
ومن “مستلزمات الإستقلال” أن نقول “شكراً سوريا”، و “سوريا طلعي برا” ونلعن أموال النفط، وكأن الدول تعمل لدينا، ثم نترقب لاهثين، راكعين مسعى سين/ سين. وهذه هي قصّة الاستقلال على الطريقة اللبنانيّة.
اترك تعليقا