معرض الآثار الفلسطينية المستردّة

»لا أعرف ما إذا كان موطني مرعىً للوحوش البريّة أم أنّه ما زال موطني»
شاعر مجهول من المعرّة


منذ بدايات القرن السابع عشر ومع المبشّرين والمنقّبين الأرخيولوجيين وحملات نابوليون في أواخر القرن الثامن عشر وآثار هذه المنطقة تتعرّض للنهب والدمار. استمّرت الحال على ما هي حتى وصلت إلى عمليات السطو والسلب المنهجي على المتحف الوطني في العراق عام 2003 وبلغت ذروتها مؤخرًا إثر تدمير متحف الموصل، ومواقع نينوى وتدمر معرّة النعمان وحلب وغيرها الكثير. ولا زلنا اليوم نشهد إساءاتٍ مخزيةً بحق تراثنا تتفاقم تدريجياً وسط الإهمال التام للحكومات بهذه المسألة. وعلى الرغم من المعاهدات التي هدفت إلى ضبط عمليات النهب واسترجاع القطع الأثرية التي سُرقت من مصر والمشرق، لا نزال نرى هذه القطع في المتاحف ودور المزادات العالمية. والواقع أن العديد من التحف الأثرية كالتماثيل وغيرها من القطع تملأ صالات العرض في متاحف كالمتحف الوطني البريطاني واللوفر ومتحف بيرغامون ومتاحف اسطنبول. نحن نتحمّل بدورنا مسؤولية عدم الحفاظ على كنوز حضارتنا الأمّ التي تجد في المتاحف الدولية ملجأً أكثر أماناً يحميها من الزوال، فالأطماع السياسية والمالية والعقارية في المنطقة تطغى على أهمية التراث الثقافي.
انطلاقاً من هنا، بادرت كل من مؤسسة سعاده للثقافة وجمعية الإنماء الثقافي والاجتماعي (إنماء) إلى تسليط الضوء على أهمية تراثنا الثقافي، علّهما تفلحان في الحدّ من تهجير وتدمير الآثار وكذلك الحفاظ على هويتنا الثقافية، خصوصاً في ظلّ التهديدات الخطيرة في كلٍّ من فلسطين وسوريا والعراق. في هذا السياق، قمنا في الثالث والسادس والعشرين من تشرين الثاني 2012 باسترداد ما أُطلق علية تسمية «مجموعة موشي دايان» إثر مزايدتين عامّتين في الولايات المتّحدة الأميركية.
جمع الجنرال الاسرائيلي موشي دايان (Moshe Dayan)، مجموعة واسعة من الآثار، كانت ولا تزال موضع جدلٍ حتى داخل الدولة الصهيونية. وعلى الرغم من الإشكالات والغموض الذي يكتنز كيفية حصوله عليها قام المتحف الإسرائيلي بشرائها في مرحلةٍ لاحقة. وكان دايان قد أهدى، أو باع، بعض هذه الآثار إلى أصدقاء له نذكر منهم  هيلين وبول زوكرمان (Paul and Helen Zuckerman)، وإرفين برنشتاين (Irving Bernstein)، وقد قام ورثة هؤلاء لاحقًا بعرض هذه الآثار للبيع في مزادات علنية. يشاعُ أنّ دايان وظّف حينها عدداً من الفلسطينيين البدو للقيام بعمليات التنقيب كما أنّه فرض على الجنود الاسرائيليين المشاركة فيها. وتشير الوثائق إلى أن الجيش الاسرائيلي لم يحصر عمليات التنقيب في فلسطين بل تخطّاها ليجول في شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان ولبنان مسهّلاً عمليات النهب والتهريب. والمعيب أنّ دايان لم يكتفِ بإهداء، أو بيع، ما ليس ملكه بل سوّلت له نفسه التوقيع على هذه الآثار، من دون أي اعتبار لما تحمله من قيمةٍ ورمزيةٍ مرتبطتين بتاريخنا أو حتى بتاريخه المزعوم.
منذ قدوم الفرنج (الحروب الصليبية) وحتى بروز حديث صراع الحضارات، عمدت السياسات الغربية على تبرير سياساتها التوسعية بذريعة أن الشعوب الأخرى عاجزة عن حكم نفسها بنفسها. وفي هذا الإطار، لا بدّ من أن نقرّ ونعترف بأننا كنا، وما زلنا، عاجزين فعلاً عن حماية تراثنا الثقافي، لكن الأوان لم يفت بعد. إن الآثار والقطع المصنوعة من الفخّار (Terracotta) في مشرقنا وفي الصين وجنوب أميركا هي خير دليلٍ على أنّ هذا العالم هو واحد وعلى الرغم من الصراعات الدامية «والوحوش البريّة» (المحليّة والخارجية) التي مزّقت أرضنا، إلا أنها لا تزال لنا، ونحن لها.

اترك تعليقا