جيانغ جيانغ - السفير الصيني في لبنان
خلال عام 2014، احتفظت العلاقات الصينية اللبنانية بتطور مستقرّ وسريع، حيث حقق التعاون الصيني اللبناني في كافة المجالات إنجازات مثمرة.

على الصعيد السياسي، يتبادل الطرفان الاحترام، ويتبادلان الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح المحورية وذات الهموم الكبرى. فحضر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقد في الصين، وعقد لقاءً مع نظيره الصيني وانغ يي، حيث توصلا إلى توافق مهمّ لتطوير العلاقات الصينية اللبنانية. وقام المبعوث الصيني الخاص الجديد بزيارة للبنان والتقى بالقادة اللبنانيين، حيث تمّ تبادل وجهات النظر بشكل عميق حول العلاقات الصينية اللبنانية والشؤون الإقليمية الساخنة.

على الصعيد الاقتصادي والتجاري، يرتفع حجم التبادل التجاري الصيني اللبناني باستمرار وبلغ مليارين و496 مليون دولار أمريكي، فاحتفظت الصين بمكانة الشريك التجاري الأول للبنان. قدمت الصين ما في وسعها من المساعدات المتنوعة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعاية اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت الصين المساعدة المادية البالغة قيمتها 30 مليون يوان صيني لدعم الحكومة اللبنانية في مواجهة تداعيات قضية النازحين السوريين. احفتظت الصين ولبنان بتعاون مكثف بشأن تطوير الموارد البشرية، إذ سافر أكثر من 80 كادر لبناني في قطاعات متعددة إلى الصين للمشاركة في برامج التبادل والتدريب  خلال العام الماضي.

أما على الصعيد الثقافي والإنساني، فسافر وزير الثقافة اللبناني السيد روني عريجي إلى الصين لحضور منتدى وزراء الثقافة الصيني والعرب. وشاركت فرقة كركلا الفنية اللبنانية في العرض أثناء الحفلة الافتتاحية لسنة الصداقة الصينية العربية والدورة الثالثة للمعرض الفني العربي، وقدم عازف البيانو الصيني الشهير لانغ لانغ عرضا في مهرجان جبيل، وقد لقي استقبالاٍ حاراٍ بين جماهير البلدين. وتواصل الحكومتان تبادل الطلاب الوافدين. يشتغل معهد الكونفوشيوس في جامعة قديس يوسف بشكل جيد وأرسلت الصين أستاذا إلى الجامعة اللبنانية لتعليم اللغة الصينية.

في المرحلة الحالية، حفظت العلاقات الصينية اللبنانية على اتجاه تطور إيجابي، وهي أمام فرص مهمة للتطوير. إننا على استعداد لبذل الجهود المشتركة مع الجانب اللبناني في السنة الجديدة لمواصلة تعميق تعاون الصداقة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والإنسانية وغيرها، للارتقاء بالصداقة الصينية اللبنانية إلى مستويات جديدة.

تطور التبادل التجاري بين لبنان والصين خلال السنوات الماضية. ولكن هناك خلل لمصلحة الصين ما هي الجهود التي تقومون بها لمعالجة هذا الخلل وتحقيق شيء من التوازن؟
 إن الحكومة الصينية تولي اهتماما بالغا بتطوير التجارة الصينية اللبنانية. فبفضل الجهود المشتركة من الطرفين، تحتفظ التجارة الثنائية بنمو مستقرّ وسريع نسبيا. تتمسك الصين بمبدأ المنفعة المتبادلة والفوز المشترك في الأعمال التجارية الخارجية. نأمل بتحقيق التوازن التجارى تدريجيا من خلال توسيع التجارة الثنائية باستمرار. نرحب بدخول المزيد من السلع اللبنانية المميزة إلى السوق الصينية، ونشجع المؤسسات الصينية على البحث مع الجانب اللبناني عن سبل توسيع التعاون. في الوقت نفسه، نتطلع إلى مزيد من المشاركة للمؤسسات والشركات اللبنانية في الفعاليات التجارية التي تقام في الصين، مثل معرض قوانغ تشو التجاري ومعرض الصين والدول العربية وغيرهما. نرحب بالمؤسسات اللبنانية لإجراء نشاطات الترويج والتسويق في الصين للمضي قدما في فتح الأسواق الصينية.

تشكل اللغة عائقاً امام تسهيل التواصل اللبناني والعربي مع الصين ما هي الجهود الصينية في سبيل تسهيل التواصل؟
إن اللغة هي جسر للتعامل الودي بين شعوب دول العالم. إن الصين تشجع المواطنين الصينيين على تعلم اللغات الأجنبية، وتشجع الأصدقاء الأجانب على تعلم اللغة الصينية. حتى الآن، توجد في الصين أكثر من 20 جامعة ومعهداً تأسس فيها تخصص اللغة اللعربية، ويتخرّج منها كل سنة المئات من الخريجين المتخصصين في اللغة العربية. تعاونت الصين مع لبنان وغيره من سبع دول عربية لتأسيس معاهد كونفوشيوس، مما درّب العدد الكبير من الكوادر المتخصصين للدول العربية.

في عام 2006، تأسس معهد كونفوشيوس بالتعاون بين جامعة شن يانغ للعلوم التربوية وجامعة القديس يوسف، وهو أول معهد كونفوشيوس من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. حتى الآن، ولقد تعلم أكثر من 700 لبناني اللغة الصينية فيه. إضافة إلى ذلك، تم تأسيس مادة اللغة الصينية في الجامعة اللبنانية والجامعة الأمريكية في بيروت (AUB) والجامعة الأمريكية اللبنانية (LAU) والجامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا (AUST) وغيرها من الجامعات اللبنانية الشهيرة. إنني عملتُ في لبنان لمدة تناهز سنتين، فتحسستُ شخصيا الرغبة الشديدة للأصدقاء اللبنانيين في تعلم اللغة الصينية، خاصة أن الطلاب اللبنانيين يتعلمون بجدّ واجتهاد ويتقدمون سريعا في مستوى اللغة. كنت ألتقي بطالبة لبنانية وهي كانت تسافر إلى الصين للمشاركة في المسابقة العالمية للّغة الصينية بين الطلاب الجامعيين. وأُدهشت بلغتها الصينية الفصيحة وهي كانت تتعلم اللغة الصينية في معهد كونفوشيوس.

تتمتّع الدولتان الصينيّة واللبنانية بتاريخ عريق وثقافة باهرة، ويتبادل الشعبان الاحترام والرغبة في معرفة الطرف الآخر. نتمنى أن يتعلم شباب البلدين لغة البلد الآخر وتطبيقها بشكل جيد، بما يعمّق التعارف والصداقة بين الصين والدول العربية عموما وبين الصين ولبنان خصوصا.

“تعاونت الصين مع لبنان وغيره من سبع دول عربية لتأسيس معاهد كونفوشيوس، مما درّب العدد الكبير من الكوادر المتخصصين للدول العربية“

طرحت الصين مبادرة بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري في القرن الـ 21 ما هي اسس وقواعد هذه المبادرة؟

في عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة بناء «الحزام الاقتصادي بطريق الحرير» و«طريق الحرير على البحر في القرن الـ21»، أي مبادرة «الحزام مع الطريق». المضمون الرئيسي للمبادرة يتجسد في النقاط الخمس التالية: تناسق السياسات وترابط الطرقات وتواصل الأعمال وتداول العملات وتفاهم العقليات.

إن مبادرة الصين لبناء «الحزام مع الطريق» يهدف إلى تكريس روح طريق الحرير القديم المتمثل في السلام والصداقة والانفتاح والشمولية والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، بما يعزز التعاون الإقليمي والتكامل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا في العصر الجديد. سيتم الربط فيما بين الدول والمناطق من خلال «الحزام مع الطريق»، الأمر الذي يعزز التواصل فيما بين هذه المناطق ويمكّنها من تكملة بعضها بعضاً في الاحتياجات واستفادة كل منها من مزايا غيرها، حتى تتحقق المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة. إن مبادرة «الحزام مع الطريق» تجسد مفهوم تشكيل الوحدة ذات المصير المشترك، تأكيدا على أسلوب المساواة والمنفعة المتبادلة المتمثل في اشتراك الجميع في البحث عن سبل بنائها وبذل الجهود المشتركة ليتمتع الجميع بإنجازاتها. منذ طرح المبادرة قبل أكثر من سنة، تلقت التجاوب الإيجابي من أكثر من 50 بلداً للمشاركة في تطبيقها.

الجدير بالذكر إليه أن «الحزام» و«الطريق» يتلاقيان في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا. لذا، تُعتبر الدول العربية شريكة مهمة وطبيعية في بناء «الحزام» و«الطريق». ستفضي مبادرة «الحزام مع الطريق» إلى مزيد من تعاون الصداقة بين الصين والدول العربية، مما يخلق فرصا سانحة وآفاقا مشرقة للتنمية والازدهار المشترك بين الطرفين.

هناك اهتمام صيني بالعالم العربي من خلال السعي لزيادة التبادل التجاري وحجم الاستثمار الصيني وهناك من يعتبر ان موقف الصين من الازمة السورية قد يعيق هذا التطور لاسيما مع دول الخليج ما هو رأيك ؟
إن الصين تتخذ دائما الموقف العادل والموضوعي من المسألة السورية، ولا يوجد لديها أي مصالح خاصة، بل تظلّ تلعب دورا إيجابيا وبناءً لحل المسألة السورية سياسياً.

إن الصين والدول العربية من الإخوان الأشقاء والأصدقاء الأحماء والشركاء الأعزاء، تتبادل الاحترام والتفهم والدعم دائما. والحقيقة أن الصداقة الصينية العربية ترجع إلى التاريخ العريق، فكان طريق الحرير قبل ألفي سنة هو الرابط التارخي للتواصل والتبادل الودي بين الطرفين. في الوقت الحالي، أصبح الترابط بين الصين والدول العربية أكثر متانة من أي وقت مضى. إن الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، وهي الشريك التجاري الأول لتسع دول عربية، بما فيها لبنان. أما الدول العربية، فهي أكبر مصدر للطاقة وسابع أكبر شريك تجاري ومن أهم سوق المقاولة الهندسية والاستثمارات الخارجية للصين. 

“تسعى الصين إلى زيادة حجم التبادل التجاري الصيني العربي إلى 600 مليار دولار، وزيادة رصيد الاستثمار الصيني غير المالي في الدول العربية إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة، وتدريب 6000 كادر اختصاصي في كافة القطاعات للدول العربية. هذا خير دليل على ثقة الصين وعزيمتها على تطوير تعاون الصداقة الصيني العربي“

في العام الماضي، عقد الجانبان الصيني والعربي في بكين الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي في وقت يصادف الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس المنتدى، والذي تم فيه وضع التخطيطات المهمة لتطوير العلاقات الصينية العربية في المستقبل. ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ كلمة مهمة في الحفلة الافتتاحية للاجتماع، حيث طرح المبادرة لتشكيل إطار التعاون الصيني العربي الجديد المتمثل في «3+2+1»، أي اتخاذ التعاون في مجال الطاقة كقاعدة أساسية، واتخاذ مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين، واتخاذ 3 مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة كنقاط اختراق وهي الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة. وفي هذا الصدد، تسعى الصين إلى زيادة حجم التبادل التجاري الصيني العربي إلى 600 مليار دولار، وزيادة رصيد الاستثمار الصيني غير المالي في الدول العربية إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة، وتدريب 6000 كادر اختصاصي في كافة القطاعات للدول العربية. هذا خير دليل على ثقة الصين وعزيمتها على تطوير تعاون الصداقة الصيني العربي. تتميز علاقات  الصداقة الصينية العربية بأساس متين وآفاق واسعة، حيث يبذل كلا الجانبين الجهود المستمرّة لتحقيق التنمية والازدهار.

المبعوث الصيني لشؤون الشرق الأوسط زار لبنان قبل أشهر، ما دوره وما خطته أومبادرته للمنطقة؟
تدعم الصين بحزم دائما القضايا المحقّة للشعب الفلسطيني والشعوب العربية، فتلعب دائما الدور الإيجابي والبنّاء في قضيّة الشرق الأوسط. في عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة سلمية ذات أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية. وخلال الصراع في غزة في العام الماضي، طرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي مبادرة سلمية ذات خمس نقاط لحل الصراع بين فلسطين واسرائيل، وقدمت الصين المساعدات الإنسانية العاجلة لأهل غزة.

عيّنت الصين المبعوث الخاص لشؤون الشرق الأوسط في عام 2002، والذي يلعب دورا إيجابيا في تعزيز التواصل والتنسيق بين الصين والأطراف المعنية حول القضايا الإقليمية. إن جهود المبعوثين الخاصين المتتالين حصدت تقديراً من قبل الدول الإقليمية. خلال السنة الماضية فقط، قام المبعوث الصيني الخاص بأربع زيارات مكوكية إلى المنطقة، وقدم مساهمات إيجابية لتخفيف توتر الوضع بين فلسطين وإسرائيل والحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. 

في شهر أيلول العام الماضي، بعد تولي السفير قونغ شياوشنغ منصب المبعوث الخاص لشؤون الشرق الأوسط بفترة وجيزة، قام بزيارة للمنطقة وشملت لبنان. فأصغى إلى آخر الآراء من الأطراف المعنية بالأوضاع الإقليمية. خلال زيارته للبنان، التقى السفير قونغ كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل، فتبادل معهم وجهات النظر حول الأوضاع الإقليمية والقضايا الساخنة، ما عزز التواصل والتفاهم بين الطرفين. 

إن الصين باعتبارها العضو الدائم لدى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، ستدعم دائما كما في الماضي المطالب المحقّة للشعوب العربية. وإننا على استعداد للعمل مع لبنان وغيره من الدول الإقليمية لتقديم المساهامات الإبجابية لحفز السلام والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط. 

اترك تعليقا