أنطوان بطرس - الإمبراطورية المرنة 3/4 -روحية الغزو

إستحوزت روحية الغزو على اهتمام واسع منذ ان نشرها عام 1938 المستشرق الألماني بول ويتك (Paul Wittek) في محاضرة له والتي، بمفهومه، لا تجيز اعتبار العثمانيين قبيلة او شعبا مترابطاً بسلسلة النسب، وانما مجرد مجموعات من مسلمي الاناضول تربطهم النية المشتركة لمحاربة المسيحيين الكفار في الجوار (راجع الحلقة الأولى).. وفي الحلقة الثانية تناولنا كيف ان الغزو وفر المبرر للتوسع العثماني. وفي هذه الحلقة الثالثة نتابع النقاش المستمر حتى اليوم حول  نظرية الغزو. 

من ابرز المشاركين في النقاش الباحث المجري في الشؤون التركية  (Gyula Kaldy-Nagy) الذي رأى في كتابه الذي نشر عام 1979  ان آل عثمان كانوا في القرون الأولى مسلمين بالإسم، وبالتالي فإنه لا يمكن اعتبار فتوحاتهم الاولية من ثمار روحية الغزو. ما يعني انه لم يكن هناك اي صراع بين المسيحية والاسلام في المراحل الاولى للعصر العثماني. 

عام 1984 فتح مجري آخر وخبير بالتركية هو، بال فودور (Pal Fodor)، النقاش من جديد بمقال قوي الحجة قال فيه ان استخدام تعبير كالغازي والغزو في أعمال الشاعر أحمدي ما هي سوى ادوات تستغل لأغراض سياسية. وتعتبر مقالة فودور الدراسة الأكثر حداثة في النقاش المتجدد بخصوص أصول العثمانيين. لأنه استطاع فيها تحدي ادلة “وتك” في مسعاه لدعم نظريته. 

عام 1986 وفي مقالة للخبير الاميركي في العثمانيات، رونالد جينينغز (Ronald Jennings)، انتقد بدوره اختيار “ويتك” لمقاطع مختارة من شعر أحمدي تعود الى اوائل القرن الخامس عشر في نقش على جامع بورصة يعود الى العام 1337. ورأى تبعا لذلك انه ما دام احتلال البلقان تم نتيجة جهد مشترك بين القادة العسكريين العثمانيين والمسيحيين، فان وجهة نظر “ويتك” تصبح ساقطة. كما نشر كولن هايوود، الخبير البريطاني في المسائل التركية، و تلميذ سابق لويتك، مقالين عام 1988 و1989 على التوالي نظر فيهما إلى “ويتك” كما لو انه شيطان بحاجة الى الطرد. واضاف ان فكرة البطل الغازي تكشف النقاب عن طفولة “ويتك” وتربيته في فيينا عاصمة الهابسبرغ السابقة اكثر مما تفيدنا عن اوليات التاريخ العثماني. تلا ذلك سلسلة من ثلاث مقالات لبريطاني و الخبيربدوره في المسائل التركية، هو كولن إمبر (Colin Imber) نشرها في الاعوام 1986 و1987 و1993، على التوالي رأى فيها ان القرن الرابع عشرهو “ثقب أسود” واننا لا نملك كمية كافية من المصادر المعاصرة لإعادة تكوين صورة عن تاريخ العثمانيين. وان الدارسين الذين حاولوا اعادة بناء تاريخ هذه الفترة انما يكررون ما سبق أن فعله أسلافهم في القرنين السادس عشر والسابع عشر. 

عام 1993 نشر العالم التركي بفقه اللغة سيناسي تكين (Sinasi Tekin) دراستين اراد فيهما ان يبين ان نقش بورصة (وهي ثاني دليل من ادلة “وتك” في اطروحته) ليس في الواقع سوى تزوير يعود الى القرن التاسع عشر وراى، وقد اصاب، ان الموقع الحالي للنقش الموجود في جامع شحادة (Sehadet Mosque) لا يمكن ان يكون موقعه الأصلي. 

على ان من اهم الكتب الحديثة حول الموضوع هو البحث الذي كتبه كمال كفدار، التركي المولد الذي لقي تدريبيه العلمي في الولايات المتحدة، وحاول فيه اعادة النظر في نشوء ونمو آل عثمان. نشرالبحث عام 1995 بعنوان ( The Construction of the Ottoman state) ونظر فيه الى “الغزو” كعامل أحادي بين العوامل السائدة بين جماعات الأناضول آنذاك، وانه ليس من الصعب فرزها والتعرف اليها في الأناضول آنذاك. وراى في الاسلام والمسيحية معا نوعا من التداخل الثقافي. وقد رأى البعض في ذلك الكثير من الدفاع عن تعديلات اينالتشيك في التوافق مع النظرة التقليدية للأصول القبلية للعثمانيين.أما الباحث اليوناني ديمتري كتسيكيس فلا يرى في الامبراطورية العثمانية سوى “امبراطورية تركية - يونانية” مشتركة غلفها التاريخ عبر العصور. 

الحلقة الرابعة والأخيرة (تركيا وأوروبا)

اترك تعليقا