حنّا سعادة - تضخّم الشريان الأبهر
وفقًا لقانون لابلس، كلّما اتّسع قطر الانتفاخ، كلّما ضعفت وهزلت جدرانه، فتطوّر وبالتالي تمزّق بشكلٍ أسرع. فكّر في كيفية نفخ البالون. ينبغي للمرء في البداية أن ينفخ بكلّ ما أوتي من قوة، لكنّ البالون يقاوم الانتفاخ ولا يذعن بسهولة. ولكن بعد أن يبلغ حجمًا معيّنًا، تتراجع قدرته على المقاومة وتصبح تعبئته بالهواء أكثر سهولة. إذا استمرينا في النفخ ليزداد حجمه أكثر فأكثر، تصبح جدرانه أكثر رفعًا وضعفًا وينفجر فجأةً، وهذا تمامًا ما يحصل في حال تضخّم الأوعية الدموية واتساع قطرها، فتتمزّق من دون سابق إنذار. لهذا، تعدّ هذه الحالة حالة مميتة ويرتفع معدّل الوفاة الناتج عنها إلى 90%.
المشكلة مع تضخّم الشريان الأبهر هي أنّه لا ينذِر مسبقًا بوجود إشكال ولا يظهر أية عوارض، شأنه شأن البالون الذي ينتفخ بهدوء وما يلبث أن ينفجر بغتةً. لكن، في الحالات النادرة التي يُظهر فيها تضخّم الشريان الأبهر بعض العوارض، ينبغي التعامل معه على أنّه حالة تستلزم جراحة مستعجلة. والجدير بالذكر أنّ أبرز مسبّبٍ لظهور هذه العوارض هو وجود ثقب في جدار التضخّم، أما العارض الأكثر شيوعًا فهو الشعور بألمٍ مفاجىء ومتزايد يتعذّر تفسيره و يشعّ نحو الرقبة والظهر والصدر والبطن.
يعدّ حجم قطر الانتفاخ مؤشّراً أساسيًا ينبىء بتمزّق الجدار الشرياني وهو يبلغ 5.5 سنتيمترًا لدى الرجال و5 سنتيمترات فقط لدى النساء، أمّا عوامل الخطر الرئيسية فهي كبر السن (50 عامًا وما فوق لدى الرجال و60 عامًا وما فوق لدى النساء)، الذكورة، تاريخ العائلة والتدخين، في حينٍ تتمثّل العوامل الثانوية بالبدانة وارتفاع الضغط ومعدّلات الكوليسترول. يرتفع الخطر إلى أربعة أضعاف لدى الرجال ولدى من لديهم في العائلة حالات مماثلة. من خلال آليات غير معروفة، تتسبّب هذه العوامل بالتهاب تصاعدي يؤدي إلى إتلاف جدار الشريان الأبهر ما يفضي في نهاية المطاف إلى ثقب الجدارالشرياني وتمزّقه. بالمقابل، لا يعتبر السكري من بين عوامل الخطر وقد يلعب دورًا واقيًا في بعض الأحيان.
تراجعت معدّلات الإصابة بتضخّم الشريان الأبهر من 8% إلى 2% بفعل إقلاع الراشدين عن التدخين واعتمادهم أساليب عيش ومأكل أكثر صحة وممارستهم الرياضة بصورة دورية. وعلى الرغم من ذلك، لاتزال الولايات المتحدة وحدها تسجّل سنويًا 13000 حالة وفاة ناتجة عن تضخّم وتمزّق الجدار الشرياني. وعليه، أوصت فرقة العمل الأميركية الوقائية بفحص بالأشعة فوق الصوتية يجريه الرجال بين الـ 65 والـ 75 من العمر والذي سبق لهم أن دخّنوا أو شهدوا حالات مماثلة في أسرهم، لمرّة واحدة للكشف عن تضخّم الشريان الأبهر لديهم.
يحدّد معدّل هذه الفحوص وفقًا لقطر التضخّم الشرياني، فالتضخّم البالغ قطره 3 إلى 3.4 سم يجب فحصه كلّ ثلاث سنوات، وذلك البالغ قطره 3.5 إلى 4.4 سم، ينبغي فحصه سنويًا، أما التضخّم بين 4.5 و5.4 سم فلا بدّ من فحصه كل ستة أشهر. لا تتجاوز إمكانية تمزّق الجدار الشرياني الـ 1% حين يكون التضخّم قطره دون الـ 5 سم لدى النساء والـ 5.5 سم لدى الرجال. أما في حال اتّساع القطر إلى أكثر من 5.5 سم لدى الرجال و5 سم لدى النساء، فينبغي إخضاع هذه الحالات إلى الترميم الجراحي لأنّ احتمال التمزّق يزداد مع اتسّاع قطر التضخّم الشرياني. وعليه، يرتفع معدّل الإصابة بالتمزّق الشرياني إلى 9.4% حين يتراوح قطر التضخّم الشرياني بين 5.5 سم و5.9 سم، وإلى 10.2% حين يكون بين 6سم و6.9 سم، و32.5% حين يكون أكثر من 7 سم. بالإضافة إلى ذلك، يشكّل معدّل نمو/اتساع التضخّم الشرياني مؤشرًا أساسيًا إلى التمزّق، فالانتفاخات التي تتّسع أكثر من 0.5 سم في ستّة أشهر تستلزم ترميمًا فوريًا أيًا كان حجمها.
قد يحصل تضخّم الشريان الأبهر في الصدر أو في البطن، لكن كلّما اقترب من القلب كلّما تعقّدت الجراحة الترميمية. يبلغ معدّل الوفاة الناجمة عن مثل هذه الجراحة نحو 5% أما الشفاء التام منها فيستلزم عدّة أشهر. تحدّد الجراحة إما بشقّ الصدر أو بشقّ البطن، حسب موقع التضخّم الشرياني والبنية المحيطة به، كما يجوز أن تتمّ عبر استخدام قساطر خاصة توضع داخل الشريان. في كلّ الأحوال، ينبغي متابعة حال المرضى بصورة دورية لأنّ المضاعفات تزداد مع التقدّم في العمر وقد يحتاج 17% إلى 28% من المرضى إلى جراحة ترميمية ثانية.
ما من علاجات طبية قادرة على تأخير نمو أو تمزّق التضخّم الشرياني. قد تساعد معالجة البدانة ومشاكل ضغط الدم ومعدّلات الكوليسترول على تأخير تصلّب الشرايين لكنها تعجز عن منع التضخّم الشرياني لأن هذا الأخير لا ينتج عن التصلّب. ولهذا، يكاد الإقلاع عن التدخين أن يكون الوسيلة الوحيدة غير الجراحية التي تساعد على منع تضخّم الشرايين ولهذا السبب يجب أن ينصح المرضى بالتوقف عن التدخين حين يكونون تحت المراقبة.
اترك تعليقا