حنّا سعادة - قصور الانتباه مع فرط الحركة

قصور الانتباه مع فرط الحركة هو اضطراب يعطّل تركيزنا منذ الطفولة المبكرة وحتى مرحلة البلوغ، فيعيقنا من بلوغ كامل إمكانياتنا  على الرغم من الصراع الذي نواجهه، ويحبط قدراتنا على المنافسة ويذهلنا بصرف النظر عن الذكاء.
إن الملامح الثلاثة الأبرز لهذا الاضطراب والتي تتمّ ملاحظتها في مرحلة مبكرة من الطفولة وتستمر في بعض الأحيان حتى سن البلوغ هي قلّة الانتباه، فرط الحركة والاندفاع.
نتيجة قصور الانتباه، يخفق مرضى هذا الاضطراب في ملاحظة التفاصيل ويرتكبون أخطاء طائشة ويفقدون التركيز على العمل، كما أنّهم يبدون دوماً شاردي الذهن وعاجزين عن اتباع التعليمات وإنجاز المهام وفي حالةٍ من الفوضى والسهو والنسيان فيفقدون أغراضهم ويواجهون العناء في الدرس والتعلّم.
يدفع فرط الحركة والاندفاع بمرضى هذا الاضطراب إلى التململ والارتباك، فيصبحون عاجزين عن الجلوس في مكانٍ واحد ويبدأون بالتحرك عبثاً والتصرّف بقلق والتحدّث بشكل مفرط وقطع المحادثات والتطفّل على بعض النشاطات، كما أنّهم يواجهون صعوبة في اللّعب مع الآخرين. 
مع دخول الأطفال سنّ البلوغ، يستمرّ نحو نصفهم في التصارع مع قصور الانتباه مع فرط الحركة. إنّ نسبة الإصابة بهذا الاضطراب هي أكثر شيوعاً لدى الفتيان منها لدى الفتيات وذلك بمعدّل 4/1 في حين أنّ النسبة لدى البالغين هي 1. والواقع أنّ 5.4% من الرجال بين 18 و44 سنة في الولايات المتحّدة الأميركية يعانون من قصور الانتباه مع فرط الحركة مقابل 3.2%  من النساء في الفئة العمرية نفسها. على الرغم من ميل أعراض فرط الحركة إلى التراجع مع التقدّم في العمر، تبقى أعراض قصور الانتباه قائمة  فتسبّب ضرراً مروعاً لتطوّر البالغين ونموّهم. قد يفوّت البالغ الذي يعاني من نقص الانتباه مواعيده ويخفق في القيام بالمهام المطلوبة منه فيخسر وظيفته ويختبر الصعوبات المالية والزوجية، كما أنّه قد يعاني من القلق والاكتئاب فيلجأ إلى معاقرة الخمر أو التدخين أو إدمان المخدّرات. 
على الرغم من  أنّ قصور الانتباه مع فرط الحركة اضطراب وراثي في المقام الأوّل، إلا أنّ العوامل غير الوراثية تلعب دوراً هاماّ في تعزيزه.  
فإمكانية الإصابة باضطراب قصور الانتباه مع فرط الحركة تتضاعف بمرتين أو ثلاث لدى الأطفال الذين يتعرّضون لمادة الرصاص أو للمواد الكحولية وهم داخل الرحم خلال مرحلة الحمل. داء السكري والبدانة لدى الأمهات والأطفال هما أيضاً من العوامل التي يشاع أنّها تزيد خطر الإصابة بقصور الانتباه مع فرط الحركة شأنهما شأن الإصابات الدماغية والنوبات المرضية ونقص تركيز الأوكسجين لدى الولادة.
بيّنت دراسات التصوير الدماغي للمصابين بقصور الانتباه مع فرط الحركة بأنّ دماغ المريض يكون أصغر حجماً كما كشفت عن اختلالٍ وظيفي في مساري الدوبامين والنورادرينالين الفاعلين في عمليّة الانتباه والوظيفة التنفيذية والتحفيز والمكافأة. وعليه، فإنّ الأدوية المحفّزة التي تعزّز وظائف الدوبامين والنورادرينالين تزيل أعراض قصور الانتباه مع فرط الحركة وتساعد المصابين على إعادة بناء حياتهم. 
إن تشخيص قصور الانتباه مع فرط الحركة لدى البالغين يبدو أصعب بأشواط من علاجه. ينبغي على الطبيب إجراء مقابلةٍ مع أهل المصاب للتأكّد من أنّ الاضطراب بدأ منذ الطفولة وبأن الأعراض التي تطبع مرحلة البلوغ متوافقة مع اضطراب الطفولة ومع المعايير المعتمدة، كما ينبغي عليه التأكّد من أنّ المصاب لا يتعاطى المخدّرات لأنّ بعض المخدّرات قد تؤدي إلى تشخيصٍ مغالطٍ. 
تساعد العلاجات التي تعتمد على أدويةٍ تعزّز انتقال الدوبامين والنورادرينالين على تصحيح الخلل مباشرةً، فتوفّر راحةً  واضحةً ومستدامة خلال ساعة واحدة. وعلى الرغم من بعض الآثار الضارة التي تشمل الأرق، الجفاف في الفم، تراجع الشهيّة والقلق، فإن آثار هذه الأدوية ايجابية في العموم ويفضّل المصابون تناولها على أن يعانوا ويلات هذا الاضطراب.
قد تزيد هذه المنشطّات من معدّل نبضات القلب وضغط الدم، إلا أنّها غير مرتبطة بارتفاع أخطار الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية  لدى البالغين في منتصف العمر. 
يطوّر نحو 5% من المصابين بقصور الانتباه مع فرط الحركة الذين يستخدمون المنشّطات إدماناً عليها، لذلك يتمّ وصف أدويةٍ غير منشّطة لهؤلاء لعدم تعزيز هذا الإدمان. بالإضافة إلى ذلك، يساعد التدريب في العلاج السلوكي المعرفي على التحكّم بشكل أفضل بالأعراض المتبقية من الاضطراب ويعدّ علاجاً مساعداً هاماً مع العلاج بالأدوية.
لدى من لا يملك سجلاً إدمانياً، لا تحفّز هذه المنشطّات الإدمان أو الاستخدام الخاطىء، بل تعدّ فعّالةً وآمنةً نسبياً. لكنّ طلاّب الجامعات غالباً ما  يلجأون إلى هذه المنشّطات لآثارها المفترضة في تعزيز السلوك المعرفي فيسيئون استخدامها، مع العلم أنّ استخدام هذه المنشّطات من قبل الطلاّب هو شائعٌ بقدر استخدامه العلاجي.  

اترك تعليقا