أنيتا نايار - سفيرة الهند في لبنان

كيف كانت نظرة إسرائيل إلى لبنان واللبنانيين خلال فترة تعيينك في تل أبيب؟
تمّ تعييني في تل أبيب عند إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الهند وإسرائيل في العام 1992 إن لم أكن مخطئة، لكنّ عملي هناك لم يكن مرتبطًا بالسياسة بل كنت أتولّى مهامًا اقتصادية وتجارية إذ كان لدى الهند اهتمامًا شديدًا بالتكنولوجيات الاسرائيلية خصوصًا تلك المرتبطة بالريّ بالتنقيط وعلم البساتين لذلك لم يكن الجانب السياسي للنزاع ولعملية السلام في الشرق الأوسط محور اهتمامي، بل كنت متفرّغة للعلاقات الثنائية بين البلدين على المستوى الاقتصادي.

كم يبلغ حجم الكتيبة الهندية قي قوات اليونيفيل وكيف تقيّمين دور اليونيفيل وأداءها في جنوب لبنان؟
في بلدة إبل السقي، هناك نحو 863 جنديًا، من بينهم عاملين في المجال الطبي وأطباء بيطريين، وهذا باعتقادي ما يميّز الكتيبة الهندية عن سواها خصوصًا أن الأطباء العامين والبيطريين يقدّمون العديد من الخدمات للمزارعين والرعاة المحليين في المنطقة. يقوم جنودنا بتسيير دوريات في الجزء الشرقي الأقصى  من الحدود في هضبة الجولان ومزارع شبعا، أي في منطقة شديدة الحذر والصعوبة ليس فقط من حيث وتيرة الحوادث التي تحصل فيهل بل أيضًا من حيث وعورة الأرض وطبيعتها الجغرافية. في الناقورة، لدينا أيضًا ما يقارب 25 موظّفًا هنديًا يعملون في مقرّ القوات الدولية. كما تجدر الإشارة إلى أنّ نائب قائد قوّات اليونيفيل حاليًا هو ضابط هندي الجنسية. 

على الرغم من أنّها غير مخوّلة بإطلاق النار أو حمل السلاح، خلافًا لقوات «الأندوف» في سورية، إلا أنّ اليونيفيل هي باعتقادي أحد أنجح بعثات الأمم المتحدة. لقد أحسنت قوات اليونيفيل استخدام الدبلوماسية للحفاظ على الاستقرار لفترة طويلة كمّا أنّها أجادت مهمتها كوسيط بين لبنان وإسرائيل للحدّ من مفاقمة العداء واحتواء الإشكالات بين  الطرفين.

هل لديكم إحصاءات رسمية حول حجم الجالية الهندية في لبنان؟
كلاّ، لسنا نملك أرقامًا دقيقة في هذا الشأن لأن الرعايا الهنود يقصدون السفارة عادةً عندما يحتاجون الى خدمات تتعلق بجواز سفرهم و لا يطلب منهم التسجيل في السفارة بصفتهم رعايا. أنا أفترض أنّ عدد الهنود العاملين في لبنان يتراوح بين 6000 و 8000، وهو عدد صغير نسبيًا بالمقارنة مع باقي الشرق الأوسط، وهم يعملون بغالبيتهم في قطاع البناء أو في المصانع.

ما سبب وجود الرعايا الهنود بشكل أكبر وأقوى في الإمارات العربية المتحدة وبقية الشرق الأوسط؟
في دبي على سبيل المثال أو في مناطق أخرى من الشرق الأوسط،  يتولى الرعايا الهنود الوظائف على شتّى المستويات المهنية في الحكومة و في القطاع الخاص على حد السواء، فترى الممرضين والأطباء والمدراء والمهندسين وخبراء تكنولوجيا المعلومات والمحررين... أمّا في لبنان، فان فرصهم قليلة خصوصًا أن سوق العمل بالكاد تتسّع لمن فيها. أما عاملات الخدمة المنزلية، فقد منعت الهند استقدامهن إلى الشرق الأوسط بعد ما ورد عن الممارسات والإساءة التي تتعرّض لها هذه الفئة من العمال. تصدّر الهند مجموعة لا يستهان بها من الممرضين أيضًا، لكن، كما ذكرت، السوق اللبنانية لا تسمح لهم بالقدوم. أعتقد أن عدد الهنود المهنيين في لبنان لا يتعدّى الخمسين أو الستين عائلة معظمهم يعملون ضمن اليونيفيل ووكالات الأمم المتحدة في لبنان.

كم عدد التأشيرات التي تصدرونها سنويًا؟
كلّ يوم، أطلّع على تقرير صغير يتضمّن عادةً 4 أو 5 تأشيرات، لكنّ الرقم يتبدّل وقد يرتفع أحيانًا إلى 11 أو 12 تأشيرة. بتقديري، تصدر السفارة ما يقارب 3000 تأشيرة سنويًا.

متى أقيمت العلاقات الدبلوماسية بيت لبنان والهند وكيف ساهمتِ في تطوير هذه العلاقات منذ تعيينك سفيرة للبنان في شهر كانون الثاني 2014؟
أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1954، ولطالما كانت للهند علاقة ودّية مع لبنان  فنحن من السفارات القليلة إن لم نكن السفارة الوحيدة التي لم تقفل أبوابها أو تتوقّف عن العمل طيلة فترة الحرب الأهلية. في العام 2006، اضطررنا إلى إخلاء رعايانا لفترة قصيرة لكنّنا لم نقفل سفارتنا يومّا في بيروت.

إحدى الأمور التي نحاول إنجازها هي تطوير اتفاقات إطارية بين لبنان والهند. في الوقت الحالي، يوجد اتفاقان بين البلدين، أحدهما مرتبط بالنشاطات الثقافية والآخر بتبادل الطلاب، وقد تمّ توقيع هذا الأخير العام الفائت ونأمل في أن تثمر نتائجه العام المقبل. أمّا برنامج التبادل الثقافي، فقد وقّع عليه منذ عدة سنوات لكن لم يبدأ العمل به إلا هذا العام إذ قمنا بتنظيم أولى نشاطاتنا المشتركة، والتي كانت حفلاً موسيقيًا في قصر الأونيسكو لفرقة Sufi Gospel Project. اتسّم الحفل بروعة الأداء الموسيقي للفرقة التي أبقت جمهورًا من 800 شخص مسمرًا في مكانه حتى اللحظة الأخيرة. كما أننا نظمنا نشاطين في أوتيل Le Royal، أحدهما مهرجان للطعام لقي أصداءً رائعة هو الآخر. انطلاقًا من أن اللبنانيين لا يعون جميعًا غنى وتنوع المطبخ الهندي، قمنا بانتقاء قائمة الطعام بعناية فائقة وحرصنا على تقديم عشرين نوعًا من السلطات الهندية المختلفة والمشاوي المتعددة الأصناف، كما أنّنا ركّزنا على الأطباق الباردة التي تتماشى مع العادات اللبنانية. تسود في لبنان بعض المفاهيم الخاطئة عن أنّ كافة الأطعمة الهندية تحتوي على التوابل الحارة، لكنّ ما لا يدركه البعض هو أنّ كل جزء من الهند يتمتّع بفرادة أطباقة ومأكولاته وما نراه في المطاعم الهندية هنا هو نموذج بسيط عن غنى المطبخ الهندي وتنوّع وروعة مذاقاته.

كما تجدر الاشارة الى أن معرض سوراج كوند ميلا الذي يظهر غنى الحرف اليدوية و العادات الثقافية سيقام في الهند في شباط 2015 قرب نيو دلهي و سيكون لبنان شريكا” لنا في المعرض. 

هل راودكم القلق حول سلامة سفارتكم بعد الاعتداء الذي تعرّضت له السفارة الإيرانية في لبنان منذ بضعة أشهر؟ 
على الاطلاق. في السياق الإقليمي، لا يُنظر إلى الهند على أنّها عدو، فنحن غير منخرطين في الصراع القائم في المنطقة ونحرص على علاقات وديّة وصديقة مع الجميع. القلق الوحيد هو أنك قد تكونين في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ، ولكن أن تتعرّض السفارة لاعتداء يستهدفها مباشرة، أنا أستبعد هذا الاحتمال. على كلّ حال، ما من شيء مستحيل وقد يحصل الاعتداء. ليس كنتيجة لمشاكل الشرق الأوسط بالضرورة، وإنّما بسبب مشاكل أخرى قد تتجلّى على المسرح اللبناني. 

ما هو أكثر ما أعجبكِ في لبنان وهل لحظت أي نقاط شبه بينه وبين الهند؟
يتميّز هذا البلد بروح رائعة، والدفء الذي ألتمسه هنا يجعلني أشعر كما لو أنني في داري. الهند ولبنان متشابهان إلى حدّ كبير وهذا أمر لا أتوقّف عن الإشارة إليه. لدى اللبنانيين قبولٌ جميل للحياة كيفما أتت، ويمكن للمرء بناء صداقات بسرعة وسهولة هنا. حسّ الضيافة منقطع النظير وسرعان ما تصبح دار ربّ المنزل دارًا للضيف وعائلةً له. لحسن الحظّ، لا يزال لبنان مكانًا يقدّس بنية الأسرة ويحترمها، كما هي الحال في الهند. هناك أيضّا احتفاء وابتهاج دائمان بالحياة عمومًا، فترى الجميح متحمّس للغناء والاحتفال وتناول الطعام. أنا أهوى تجربة المأكوات ولطالما أثار إعجابي مفهوم «المازة» في لبنان إذ تتيح للمرء تناول القليل من كلّ شيء، من الفتّة إلى السجق إلى السمبوسك إلى الشنكليش وغيرها من المازات الشهية. 

على غرار الهند، يعاني لبنان من مشاكل مختلفة كانقطاع التيار الكهربائي وزحمة السير ونقص المياه ورداءة البنى التحتية. أنا أقيم حاليًا في منطقة المنارة وهذه المشاكل لا تؤثّر عليّ شخصيًا لكنّن أعي تمامًا أنني أتمتّع بامتيازات يفتقر إليها الكثيرون. من لم يقصد الهند لن يفهم يومًا ما معنى زحمة سير! في نيو دلهي، ساهم المترو منذ انطلاقته في تغيير وجه حركة المرور وأساليب النقل في المدينة. هناك وجه شبه بين البلدين على مستوى النظام أيضًا من حيث البيروقراطية وابتداع الوسائل والسبل لفعل أيّ شيء وكلّ شيء. بالرغم من أن الاقتصاد الهندي يزدهر بسرعة إلا أن ارساء بنية تحتية قوية في لبنان و الهند تتطلب الكثير من العمل. 

أنا لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لموطن كلبنان يملك ما يملك من أدمغة ومفكرين أن يسمح للآخرين بمعالجة قضاياه وحلّ مشاكله. لا تخلو الهند من التحالفات والتحالفات المضادة ولدينا مشاكلنا في الهند إلا أنه على الرغم من الخلاف السياسي،  هناك هوية ثقافية والادراك التام بالهوية الهندية. لذلك فبالرغم من كل الاختلافات تكمن الوحدة في هذا التنوع. أنا أرجو أن يصبح القرار في لبنان مستقلاً وألا يكون رهينة للتدخلات الخارجية واتمنى أن يعمّ السلام والرفاه المنطقة بأسرها. 

اترك تعليقا