حنّا سعادة - اللياقة البدنية وأضرار الجلوس
اللياقة البدنية وأضرار الجلوس
تطيل الصحة البدنية أمد الحياة وتحسّن نوعيتها، وعادةً ما يكون الأشخاص الذين يتمتّعون بالصحة البدنية ذوي بنية عضلية قوية وحياة صحيّة أفضل كما أنهم يبدون أكثر إشراقًا وحيوية وأقلّ عرضةً للإصابة بالسرطن والجلطات الدماغية والنوبات القلبية والاكتئاب والبدانة وأوجاع الظهر وترقق العظام وداء السكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول. هم يشيخون على نحوٍ أبطأ، يتعرّضون لحوادث وسقطات أقل، يشربون الكحول بوتيرة أخفّ، يتفادون التدخين، يعيشون حياة أكثر انتاجية ولا يتكبدّون تكاليف طبية عالية. 'المواطنون الأصحاء هم أعظم ثروة قد يقتنيها أيّ بلدٍ" وفق ما قاله ونستون تشرشل. ما الذي يتوجّب فعله للحصول على الصحة البدنية؟ هذه هي المسألة الأكثر إلحاحًا التي تتمّ مناقشتها على الساحة العالمية اليوم.
ممارسة الرياضة إجبارية. المشي بخطىً سريعة لمدّة 30 إلى 45 دقيقة يوميًا يحقّق من الصحة البدنية ما يحقّقه الركض، السباحة، ركوب الدراجة أو ممارسة النشاطات الأكثر حيويةً في النادي. تؤدي التمارين الرياضية اليومية، من خلال زيادتها حجم الكتلة العضلية، إلى زيادة معدّلات الأيض، ليس فقط خلال فترة التمرين وإنما طيلة بقية النهار. ويساعد مصروف الطاقة المتزايد هذا على حرق دهون البطن ما يؤدي بدوره إلى تخفيض السكتات القلبية والجلطات الدماغية. يتعرّض الأشخاص الخمولون لضعف السكتات والجلطات التي يتعرض لها الآخرون وتزيد معدلاّت وفاتهم إلى أربعة أضعاف معدّلات وفاة من يمارس الرياضة باعتدال.
أما الإفراط في ممارسة الرياضة، فقد بيّن أنّه يلحق الضرر بالمفاصل والقلب والشرايين. في الواقع، تستقرّ جدوى التمرين في إطالة الحياة بعد 45 دقيقة من التمارين الخفيفة يوميًا، وقد بيّنت بعض الدراسات مؤخرًا أن التمارين المضنية تؤذي عضلات القلب وأعصابه وشرايينه وقد تعرّضه بالتالي للشيخوخة المبكرة كما يمكنها أن تسبّب رجفانًا أو توقفًا فجائيًا فيه. بالإضافة إلى ذلك، وباستثناء النخبة الشابة من الرياضيين، يتعرض ممارسو الرياضة المضنية وعدّاؤو الماراثون بصورة اعتيادية لضعف السكتات والجلطات التي تصيب من يمارس الرياضة باعتدال. إن 50% من الأشخاص في الولايات المتحّدة الأميركية هم كسالى و5% هم ممن يفرطون في ممارسة التمارين المجهدة، ومعدّلات الإصابة بالأمراض لدى كليهما تفوق تلك التي يسجّلها ممارسو الرياضة باعتدال.
الجلوس مضرّ. كلّما طال جلوسنا كلّما تراجعت لياقتنا البدنية، فالجلوس لفترات طويلة يقوّض الآثار الايجابية للتمارين الرياضية. قبل اندلاع الثورتين الصناعية والالكترونية، كانت البشرية مرغمة على ممارسة النشاط البدني، لكنّ المكننة واكتساح الحاسوب حوّلاها من الحركة والنشاط إلى الخمول والتكاسل، وقد رافق هذا التحوّل ظهور ملحوظ لآفة البدانة حول العالم.
يرتبط الإفراط في الجلوس بالعديد من الأمراض كداء السكري وارتفاع ضغط الدم وتراكم الدهون في الدم وأوجاع الظهر وانتفاخ الساق والنوبات القلبية والجلطات والسرطان. وبينما تميل المجموعات الريفية إلى الجلوس لنحو ثلاث ساعات يوميًا، يمضي سكان المدن أحيانًا 13 ساعةً وهم جالسون إلى مكاتبهم أو في سياراتهم أو أمام شاشاتهم. والواقع أن التمرين اليومي، وإن ساهم في تلطيف الآثار الفتاكة للجلوس، إلا أنّه يبقى عاجزًا عن إبطالها نهائيًا.
إن الضرر الذي يسبّبه الجلوس لا يقل قدراً عن الضرر المترتّب عن النوم خصوصًا أن السعرات الحرارية الي نحرقها باستخدام العضلات عند الجلوس هي أكثر ب 5% فقط من تلك المستخدمة عند النوم، في حين أنّنا نحرق أكثر ب 100% خلال النشاطات التي تنطوي على الحركة لأنّها تمرّن عضلاتنا الحركية الأكبر حجمًا.
يتفوّق الجلوس على التدخين في تسبّبه بالوفيات لأنّ ملايين الناس يتمادون في جلوسهم ثمّ يعانون عواقبه الوخيمة من البدانة إلى داء السكري إلى الأمراض القلبية. بغية تغيير هذا المسار، ينبغي تعمّد مقاطعة الجلوس عبر اللجوء إلى مكتب يمكن للمرء استخدامه وهو في وضعية الوقوف أو عبر التحرّك والمشي قدر المستطاع بعيدًا عن مقعده. بيّنت الدراسات مؤخرًا أنّ الوقوف ثمّ المشي لمدّة تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق بعد كلّ ساعة من الجلوس من شأنهما تحسين الأضرار الجسيمة لهذه الوضعية الخاملة، كما ينبغي أن تصبح مقاطعة الجلوس مطلبًا وهدفًا عالميًا، سيتطلّب تحقيقه كمًا هائلًا من التوعية والتثقيف والعديد من الحيل والمناورات البيئية والمحيطية الخلّاقة التي تعزّز التحرّك المستمر وتحدّ من الجلوس مطوّلاً.
السمنة، والتي تشكّل عاقبة رئيسية لا تترتّب عن الشراهة بقدر ما تترتّب عن الجلوس المفرط، هي مضرّة ومفيدة في آن. فعلى الرغم من أضرارها الكثيرة، تساعد السمنة في بناء الكتلة العضلية. خلافًا للسمنة المرضية، تستدعي السمنة المعتدلة المساندة من كتلة عضلية أكبر حجمًا، وعليه فإن الأشخاص السّمان النشطين للغاية، يزيدون من حجم كتلتهم العضلية الأمر الذي يحميهم على المدى القريب من عواقب السمنة الأيضية. والواقع أنّ وضع الأشخاص السّمان النشيطين يكون أفضل وأصحّ من وضع الأشخاص الهزيلين الذين يفضلون التكاسل والخمول، وهي ظاهرة باتت تعرف بمفارقة السمنة.
السرطان هو إحدى عواقب السمنة المعروفة بدرجةٍ أقل لدى الناس، مع العلم أنّ السّمان يعانون بصورة أكبر من سواهم من سرطانات الرحم والمبيض والكلى والمعدة والكبد والمرارة والقولون والبنكرياس والمريء وسرطان الثدي لدى السيدات ما بعد سنّ اليأس. حتى 2% من سرطانات الغدّة الدرقية و41% من سرطانات الرحم هي سرطانات مرتبطة بالسمنة، وقد تسبّبت السمنة بوفاة 3.4 مليون شخص حول العالم في العام 2010 ناهيك عن أنّ هذه الحالات هي إلى ارتفاع لدى الراشدين والأطفال على حدّ سواء.
النظام الغذائي أمرٌ في غاية الأهمية، فقد تبيّن أنّ تناول كميّات أقل من النشويات هو أكثر فائدة من تناول كميات أقل من الدهون. لم تشهد عاداتنا الغذائية الكثير من التغيير عبر الزمن لكنّ تخفيض التكنولوجيا لحركتنا البدنية أدّى إلى ميل دفّة الميزان باتجاه السمنة.
بغية مواجهة آفة السمنة المتفشّية عالميًا، يجب على المجتمعات أن تخفّف من الجلوس ومن تناول الطعام وأن تزيد من الحركة والمشي. لم تنجح أي استراتيجية هادفة إلى تعديل عوامل الخطر هذه حتى الساعة في وقف آفة السمنة. والجدير بالذكر أن مشاهدة التلفاز مطوّلاً قد زادت من السمنة بنسبة 42% والسكري بنسبة 20%، أما الجلوس نحو 11 ساعة أو أكثر يوميًا فقد رفع معدّل الوفيات بنسبة 40% مقارنةً بالجلوس لمدّة 4 ساعات فقط.
تحقيق الصحة البدنية لا يكون إلا من خلال محاربة آفات السمنة والجلوس وتناول النشويات وأخيراً إضافة المزيد من التمارين الرياضية إلى عاداتنا اليومية.
اترك تعليقا