من القرامطة والحشاشين إلى داعش والنصرة : هل الإسلام دين المحبة والسلام أم دين القتل والحرب؟
هل العنف الذي تمارسه المجموعات المسلحة المنضوية تحت شعارات مختلفة أبرزها اليوم داعش وجبهة النصرة مستمد من الإسلام والقرآن أم هو فهم و تفسير منحرف لمعاني الإسلام؟
ويكتسب السؤال أهمية عندما نعرف أن هذا العنف ليس جديداً بل سبق ومارسته مجموعات مختلفة على مرّ التاريخ الإسلامي من أبرزها القرامطة والحشاشين. ما هو موقف الإسلام من العنف، ومن هم القرامطة والحشاشون؟
الإسلام والعنف
لفهم و معرفة الدين الإسلامي هناك مصدران أساسيان هما:
- القرآن الكريم الذي أوحى به الله إلى النبي محمد ويضم 114 سورة، فيها 6236 آية.
- الأحاديث التي نقلت عن النبي، وهنا يتسع النقاش حول صحة بعض الأحاديث، كما تعتمد بعض المذاهب الإسلامية على أقوال وسيرة الخلفاء من بعده (السنة) أو سيرة وأقوال الأئمة من أبناء علي بن أبي طالب (الشيعة).
وإذا ما استندنا إلى نصوص القرآن فلا خلاف حولها لكن الخلافات تظهر بحدة عند تفسير بعض الآيات، وهذا ما يؤدي إلى الفرقة والانقسام بين المسلمين فالقرآن والنص واحد لكن التفسيرات متعددة بتعدد الانتماءات الطائفية.
لكن أكثرية العلماء المسلمين، على تنوع مشاربهم، يجمعون أن الإسلام دين الرحمة والتسامح والانفتاح على الناس، وقد جاء في القرآن الكريم “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير”. كما ورد في مئات الآيات ذكر عبارة “إن الله غفور رحيم”. وكذلك قوله “إن الله عليم خبير”. وهذه الآيات وغيرها تثبت انفتاح الإسلام وعدم جواز تكفير الآخر وهدر دمه وانتهاك حرمته والاستيلاء على ماله بل إن الله هو العالم بكل شيء ولا يحق لبشر أن يحكم على إيمان بشر آخر مثله.
فتكفير الناس الذين تختلف معهم أو يختلفون مع هذه المجموعات التي تدّعي الإسلام، سواء كانوا مسلمين (سنة أو شيعة أو دروز أو علويين وغيرهم)، أو مسيحيين، لا ينبع من فكر وجوهر العقيدة الإسلامية السمحاء بل هو نتيجة قراءة منحرفة وتفسير منحرف لمعاني الآيات القرآنية والسيرة، فالصلب والقتل وقطع الرؤوس والأيدي وغيرها من الأفعال التي تمارسها تلك المجموعات أمور حصلت في بداية الدعوة الإسلامية ضد من كانوا يحاربون النبي وليس ضد أناس عُزَّل وان اختلفوا في العقيدة والمعتقد، وما حصل في بداية الإسلام لا يمكن اعتماده اليوم لاختلاف الظروف والأوضاع. ففي تلك المرحلة التأسيسية، ربما كان التشدد أمراً مطلوباً لتثبيت دعائم الإسلام وانتشاره أما اليوم فالإسلام أصبح ديناً كونياً يعتنقه أكثر من مليار من البشر، ولا يمكن مهما تكاثر الأعداء إنهاؤه واستئصاله من الوجود، فالإسلام لا يتعرض اليوم لحرب كيانية كما في أيام الرسول. والجدير بالذكر أنّ العنف الممارس آنذاك في الجزيرة العربية لم يكنّ أقل منه في أي بقعة أخرى من العالم، وروما خير مثل على العنف الذي مارسه الأباطرة ضدّ بعضهم البعض وضدّ الآخرين.
الخلاف بعد وفاة الرسول
بعد وفاة النبي محمد حصل الاختلاف السياسي- الديني بين المسلمين فقسم اعتبر أن خلافة النبي تكون بالشورى التي أفضت إلى تولي أبي بكر، وهو أحد صحابة الرسول، أمور الخلافة الإسلامية ومن بعده عمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان وأخيراً علي بن أبي طالب وعرفوا بالخلفاء الراشدين، بينما القسم الآخر (الشيعية) اعتبر أن النبي أوصى قبل وفاته علي بن أبي طالب، وهو صهره، زوج ابنته فاطمة وابن عمه، بتولي الخلافة من بعده ومن بعده أبناء علي الحسن والحسين وعلي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وهو الإمام السادس لدى الشيعة ومن بعده 6 أئمة وصولاً إلى محمد بن الحسن وهو المهدي المنتظر لدى الشيعة.
الإسماعيلية
بعد وفاة الإمام جعفر الصادق حصل الانشقاق بين أتباعه فقسم اعتبر أن الخلافة هي في ولده إسماعيل (وهم الاسماعيليون) وقسم آخر اعتبر أن الخلافة هي في ولده موسى (وهم الشيعة الاثني عشرية) وقد بايع الاسماعيليون محمد بن اسماعيل بن جعفر كإمام ومرجع ديني وسياسي لهم، ونتيجة محاربة الدولة العباسية للدعوة الإسماعيلية، اعتمد الإمام محمد التخفي والابتعاد عن الناس، وأوكل مهمة نشر الدعوة الإسماعيلية إلى دعاة. كان أبرز الدعاة الاسماعيليين في العراق حمدان قرمط (لقّب بهذا اللقب لأنه كان يقرمط في مشيته اي يقارب بين قدميه) الذي تمكن من تحقيق نجاحات كبيرة في نشر الدعوة في العراق ومناطق أخرى في الخليج لاسيما في البحرين حيث أعلنوا الدولة القرمطية هناك في العام 899 م.
قيام الدولة القرمطية وانتشارها في الخليج العربي جعلها في مواجهة مع جموع كبيرة من المسلمين خاصة الذين يتبعون المذهب الاسماعيلي ذاته وهم الفاطميون الذين أشادوا دولتهم (909-1171م) وفتحوا مصر في العام 969م. وقد أقدم القرامطة على محاربة كل من يخالفهم الرأي ومارسوا القتل والذبح والإعدام باسم الدين (كما يحصل اليوم) ويقال إنهم شتموا النبي محمد. ولعّل أخطر عدوان قاموا به ضد الإسلام في العام 929 م هو سرقة الحجر الأسود من الكعبة (الذي يعتبر لدى المسلمين من حجارة الجنة) ونقله الى الاحساء والهجوم على مكة، وهي المكان المقدس لدى المسلمين، وقتل نحو 30 ألفاً من الحجاج ما أدى إلى تعطيل موسم الحج لمدة 22 سنة . وهذا الخلاف أدى الى حروب، بين الفاطميين و القرامطة انتهت بإنهاك الدولة القرمطية وانحلالها في العام 1002 م. فزالت بزوالها صفحة من صفحات العنف والإرهاب الدموي التي صبغت التاريخ الاسلامي مع العلم أن البعض ينظر إلى القرامطة كثوار مجددين ضد السلطة والرأسمال والتخلف.
الحشاشون
الحشاشون (أطلقت عليهم هذه التسمية إما لأنهم كانوا قتلة assassin أو لأنهم كانوا يتعاطون الحشيشة التي تفقدهم الوعي فيقومون بارتكاب الفظاعات والمجازر بحق من يخالفهم) وهم أيضاً طائفة إسماعيلية انشقت عن الدعوة الفاطمية وأسسها الحسن بن الصباح (ولد في قم في إيران في العام 1037 وتوفي في العام 1124) وتقوم على الدعوة للخليفة الفاطمي الثامن المستنصر بالله (1029م- 1094م) وابنه نزار المصطفى لدين الله. فبعد وفاة الخليفة الفاطمي حصل نزاع بين الاتباع من يؤيد ابنه أحمد المستعلي بالله، ومن يؤيد نزار كونه الابن الأكبر الذي عهد إليه والده بالخلافة، لكن الخلافة آلت إلى احمد الذي تولى عرش الخلافة الفاطمية فسجن شقيقه نزار الذي أعلن الثورة عليه حتى قضى في السجن، بينما فر ابنه الهادي إلى قلعة الموت على شاطئ بحر قزوين حيث مقر الداعية حسن الصباح الذي أطلق حركة مسلحة لاستعادة الخلافة الفاطمية إلى الهادي بن نزار كونه كان جزءاً من الحركة الفاطمية. وتمكن الحشاشون من إنشاء دولتهم في إيران وبلاد الشام متبعين أساليب العنف والقتل والاغتيال لاسيما لرجال الدين والعلماء المسلمين الذين عارضوا فكرهم المنحرف.
وتمتع الصباح بسلطة مطلقة على أتباعه فكانوا يقومون بما يأمرهم به من قتل واغتيال وحرق القرى بأهلها وترويع الأخصام في سبيل تحقيق أهدافه. وكل هذا باسم الدين الإسلام.
قضى المغول بقيادة هولاكو على الحشاشين في العام 1256 حيث تعرضوا للقتل والذبح وأحرِقت قلاعهم بما فيها، أما في بلاد الشام فقد قضى عليهم القائد المملوكي الظاهر بيبرس في العام 1273.
القرامطة والحشاشون في الماضي، والنصرة وداعش اليوم ما هي إلا حركات منحرفة تحت شعار الدين والإسلام. لكنّ الجدير بالذكر أنّ الإعلام يتناسى أمرًا ثابتًا في التاريخ وهو أنّ محمد أخذ الزعامة بل نزعها من آل سفيان ولعلّ البعض تبعه على مضض بعد انتصاره. ألم يستعد معاوية مجد أبيه الذي فقده في مكة؟ أليس الخلاف سياسيًا وسلطويًا في الأساس ولا علاقة له "بااشيعة" و"السنة"؟ أليس الخلاف اليوم سياسيًا؟ فهل أميركا سنية؟ وهل روسيا شيعية؟ لذلك لا يمكن الكلام عن العنف في الإسلام من دون الكلام عن المسببات والوسائل التي تتوفر للمتحاربين سواء تاريخياً أو اليوم. ما هي الظروف التي حوّلت الخليفة في الإسلام إلى حاكم مطلق يورث السلطة وينهب بيت المال؟ كيف استخدم الدين كأداة لقمع الفكر والناس؟ لماذا اضطهد وقتل عشرات المفكرين والمبدعين في الإسلام بما فيهم ابن عربي وأبي العلاء وابن رشد وكلّ ذلك باسم الإسلام ؟ ألم توفّر ظروف القمع والقهر بيئة منتجة لحركات كداعش والنصرة؟ ألم توفّر الدول والمنظمات والمخابرات الدعم لهما؟ هناك أمر ثابت وهو أن الفكر الديني الشمولي، شأنه شأن كافة العقائد الشمولية، يوفّر بيئة حاضنة ومنتجة للعنف، إسلاميًا كان أم مسيحيًا أم يهوديًا.
اترك تعليقا