الإسلاميون في سجن رومية : إرهابيون أم أبرياء؟
حرب نهر البارد وما قبلها
مخيم نهر البارد هو أحد المخيمات الفلسطينية اواقعة في شمال لبنان (يبعد نحو 15 كلم عن طرابلس). شهد هذا المخيم في 20-5-2007 اشتباكات مسلحة بين الجيش اللبناني ومسلحين إسلاميين متطرفين ينتمون إلى منظمة أطلقت على نفسها فتح الإسلام بزعامة الفلسطيني-الأردني شاكر العبسي (الذي سجن في سورية من العام 2000 إلى العام 2005)، وقد عرف القرار الاتهامي في قضية أحداث نهر البارد التنظيم بأنه يتألف من سوريين وفلسطينيين قاتلو إلى جانب أحد قادة القاعدة في العراق الأردني أبو مصعب الزرقاوي وعندما عادوا إلى مخيم اليرموك قرب دمشق مارست السلطات السورية الضغوط عليهم لإبعادهم عن سورية لاكتسابهم أفكاراً متشددة نتيجة مشاركتهم في حروب العراق وأفغانستان، فأخذوا يدخلون إلى لبنان ابتداءً من العام 2006 ويتوزعون في مخيمات مختلفة ولكن مع تعاظم أعداد القادمين، انتقلوا إلى شمال لبنان وأقاموا في مراكز فتح الانتفاضة (المعارضة لفتح والتي تحظى بدعم سورية) وبعد تعاظم أمرهم سيطروا على مخيم نهر البارد. قامت العناصر التابعة للعبسي بسرقة عدد من المصارف في صيدا والدامور وبيروت وطرابلس. وفي 20 أيار 2007 قامت مجموعة من قوى الأمن الداخلي بمداهمة إحدى الشقق في شارع الـ 200 في طرابلس بغية إلقاء القبض على المتهمين بحوادث السطو ومنها السطو على بنك البحر المتوسط، فكانت اشتباكات مع عناصر قوى الأمن والعناصر المسلحة اتسعت رقعتها بعد أن قامت مجموعة تابعة للعبسي بالهجوم على موقع للجيش في المحمرة وقتل العسكريين فيه وهذا ما فتح معركة نهر البارد. استمرت المعركة لغاية 2-9-2007 وأدت إلى سيطرة الجيش على المخيم وهروب شاكر العبسي، وأدت أيضاً إلى دمار المخيم وسقوط 169 شهيداً من الجيش اللبناني ومئات الجرحى وسقوط مدنيين لبنانين وفلسطينيين.
الإحالة إلى المجلس العدلي
إزاء خطورة الجريمة والنتائج المدمرة التي أسفرت عنها قررت الحكومة إحالة أحداث نهر البارد “التي أسفر عنها مقتل وجرح عدد من العسكريين والمدنيين وما يتفرع عنها وجميع الأشخاص الذين أشركوا أو حرّضوا أو تدخلوا بأي صفة كانت”، على المجلس العدلي بموجب المرسوم النافذ حكماً رقم 514 تاريخ 4-7-2007. وصدر قرار وزير العدل بتعيين القاضي غسان منيف عويدات محققاً عدلياً.
القرار الاتهامي
أصدر القاضي عويدات قراره الاتهامي في 19 تموز 2012 أي بعد نحو 5 سنوات من التحقيقات نظراً لصعوبة الملف وتعقيداته، وأحال المتهمين على المجلس العدلي وقد بلغ عددهم 562 شخصاً منهم فقط 108 متهمين في السجون والآخرون إما فارون أو أخلي سبيلهم أو قتلوا. (جدول رقم 1)
السجناء الإسلاميون
السجناء الإسلاميون في سجن رومية هم بأكثريتهم من السجناء نتيجة أحداث نهر البارد بالإضافة إلى موقوفين نتيجة أحداث أخرى شهدتها طرابلس والشمال لاسيّما تفجير البحصاص، كما أضيف إليهم سجناء عبرا بعد أحداث عبرا بين الجيش اللبناني وأنصار الشيخ أحمد الأسير في العام 2013 وأيضاً الموقوفون نتيجة أحداث التفجيرات الأخيرة التي شهدها لبنان منذ صيف العام 2013 وحتى اليوم.ومجموع هؤلاء الموجودين في السجن لا يزيد عن 180 سجيناً.
الملف الأكثر ضخامة وأهمية كما سبق وبيّنا هو ملف الموقوفين الإسلاميين نتيجة أحداث نهر البارد، وقد تأخر البتّ بهذا الملف لأسباب شتى منها:
- عدد الموقوفين الكبير وعدم وجود قاعة لاستيعابهم.
- صعوبة وتعقيدات الإجراءات القانونية والقضائية.
تردد بعض القضاة في مقاربة الملف وتركهم له لحين الإحالة إلى التقاعد نظراً للمخاطر التي قد تحدق بهم.
لكن الأمور نتيجة الضغوطات والتدخلات بدأت تعطي ثمارها في العام 2013 وتم تجزئة الملف إلى 30 ملفاً متفرّعاً عن القضية الأساسية. وتم تجهيز قاعة للمحاكمة في سجن رومية بكلفة بلغت 6 ملايين دولار للإسراع في إنجاز المحاكمة وعدم نقل العسكريين إلى المحكمة في بيروت .وبدأ المجلس العدلي بإصدار أحكامه في هذه الملفات.
وقد أنجز المجلس العدلي عمله مع بداية شهر تشرين الأول 2014 وأصدر أحكامه في 20 ملفاً وبقيت 10 ملفات قيد المحاكمة. والأحكام التي صدرت عن المجلس العدلي:
- براءة 28 شخصاً من التهم المنسوبة إليهم
- الإعدام لـ 3 متهمين
- السجن المؤبد لـ 7 متهمين
- السجن لمتهمين لمدة 15 سنة
- السجن لمتهم واحد لمدة 12 سنة
إن مراجعة القرار الاتهامي والقرارات التي أصدرها المجلس العدلي حتى اليوم تثبت أن أكثرية الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية ليسوا أبرياء بل هم مجرمون ارتكبوا جرائم بحق لبنان الشعب والوطن والأرض واستمرار أعمال المحاكمة ستؤدي الى إنزال الإعدام بالمزيد من المتهمين فالبراءة بعيدة عن هؤلاء والدعوات إلى إطلاقهم تعتبر تجاوزاً للقانون وللقضاء وتعتبر تشجيعاً على الإرهاب ومقاومة القوى الأمنية. وبالتالي فإننا أمام أمر من اثنين:
- استمرار المحاكمة وصدور الأحكام وتنفيذها.
- إصدار قانون للعفو على غرار أحداث الضنية ومجدل عنجر.
ولكن صدور القانون اليوم يبدو أمراً صعباً في ظل شغور موقع الرئاسة الأولى وصعوبة الاتفاق على مثل هذا القانون.
إن الدعوة إلى تسريع المحاكمات لا تعني البراءة للسجناء الإسلاميين وإصدار الأحكام المبرمة و غير القابلة للنقد عن المجلس العدلي تجعل من قانون العفو عن المحكومين انتهاكاً للعدالة.
اترك تعليقا