حنّا سعادة - الرجفان الأذيني


بالإضافة إلى ذلك، يدفع هذا النبض غير المنتظم بالأذين الأيسر إلى الرجفان عوضاً عن الضخ ما يؤدي إلى تجمع الدم في التجويف الأذيني الأيسر. حين يتجمع الدم، يصبح نزّاع إلى التخثّر وتنتقل هذه الخثرات إلى البطين الأيسر. من البطين الأيسر، تُضخّ هذه الخثرات مع الدم إلى الشرايين القلبية الأساسية وحين تصل إلى الدماغ، تتسبّب بجلطات فجائية. 

إن الجلطات التي تسبّبها الخثرات الصغيرة تُعالج سريعًا من قبل مضادات التخثّر في الجسم، فلا تسبّب أي تلف في الدماغ، ويطلق على  مثل هذه الجلطات اسم «النوبات الإقفارية العابرة». وعادةً ما يعاني من يصاب بها من وهنٍ في جهة واحدة من جسمه أو من صعوبة في الكلام، لكنّه لا يلبث أن يتعافى سريعًا، مع العلم أن هذه النوبات تكون عادةً إنذارات تليها جلطات أكبر.

إن الجلطات الناتجة عن تخثرات أكبر يمكن أن تسبّب تلفًا شديدًا في الدماغ، قد لا يتحسّن مع مرور الوقت وقد تؤدي إلى شلل نصفي وإلى فقدان القدرة على الكلام أو الابتلاع أو اهتمام المصاب بحاجاته الشخصية.

إن الرجفان الأذيني هو واحد من عدّة أسباب تؤدي إلى الجلطات لكنّه من الأسباب المهمّة إذ يمكن معالجته، ويشمل العلاج استراتيجيتين اثنتين: أ) يمكن إعادة نبض القلب إلى إيقاعه الطبيعي من خلال الأدوية، الصدمات الكهربائية أو إزالة الأعصاب غير السويّة من خلال عملية التمييل.  ب) يمكن التخفيف من سرعة نبضات القلب من خلال أدوية تخفّف جهد العضلة القلبية الناتج عن السرعة الفائقة للنبضات.  يطلق على معالجة دقات القلب غير المنتظمة اسم «ضبط ايقاع نبضات القلب» أما تخفيف سرعة الدقات فيسمّى «ضبط سرعة نبضات القلب» وللطبيب حرية اختيار علاجٍ على الآخر. 

يعتمد أحد العلاجات الأساسية الأخرى على ترقيق الدم لمنع نشوء الخثرات/التكتلات. لتحقيق هذه الغاية، يتمّ استخدام أدوية خاصّة مضادة للتخثّر ويطلق على العملية اسم «مقاومة التخثّر»، وهي علاج يضطرّ معظم مرضى الرجفان الأذيني إلى متابعته إلى مدى الحياة. أمّا الأسبيرين، والذي يعدّ أيضًا مرقّقًا للدم، فهو لا يمتلك القدر نفسه من الفعالية في منع التخثّر. 

قد تحصل الجلطات إثر أسباب أخرى كالخلل في صمامات القلب أو الخلل في الشرايين الدماغية أو ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع معدّلات الكوليسترول أو تضيق الشريان السباتي. لذلك، حين يتقدّم المرضى المصابون بالجلطات، يتمّ التحقيق مليًا في الأسباب الكامنة وراء الجلطة بغية معالجتها كما ينبغي، لكنّ المشاكل قد تظهر حين يعجز الأطباء عن اكتشاف السبب. تدعى الجلطات التي لا يمكن تبيان سببها بالجلطات الدماغية المجهولة السبب وهي تشكّل نسبة 20% إلى 40% من مجمل الجلطات. يشكّل هذا النوع من الجلطات معضلةً سريرية إذ ما من طريقة لتفاديها ، ما لا يتم اكتشاف السبب الكامن وارءها في نهاية المطاف.
بغية التحقيق في هذه المعضلة، قام فريقان من الباحثين (مجلة نيو إنغلاند الطبية، 26 حزيران 2014) بدراسة تناولت مصابين بجلطات دماغية مجهولة السبب مستخدمين تقنيات متطوّرة لمراقبة حالة القلب وكان الهدف من الدراسات رؤية ما إذا كان لدى هؤلاء نوبات عابرة من الرجفان الأذيني، قد تكون هي السبب في انتقال خثرات الدم إلى دماغهم.

في إحدى الدراسات التي راقبت إيقاع نبض القلب لمدّة 30 يومًا لدى 280 مصاب بجلطات مجهولة السبب، تبيّن أن 45 من هؤلاء لديهم نوبات عابرة من الرجفان الأذيني. في دراسة أخرى راقبت إيقاع نبض القلب لمدّة 3 سنوات، تبيّن أن 8.9% سجّلوا نوبات عابرة من الرجفان الأذيني في الستة أشهر الأولى، 12.4% في السنة الأولى و30% مع نهاية السنوات الثلاث. كما تبيّن أن عدد الجلطات انخفض مع الوقت لدى المرضى الذين شخّصوا بالرجفان الأذيني وتمّ ترقيق دمهم بواسطة مضادات التخثّر. 
إن العوامل القلبية والوعائية التي يشاع أنّها تهيء الأشخاص لتطوير الرجفان الأذيني هي شبيهة بالعوامل التي تعرّضهم للجلطات. إلى جانب ضغط الدم المرتفع ومعدّلات الكوليسرول المرتفعة وداء السكري والبدانة والتدخين وقصور القلب والتقدّم في العمر، هناك عاملٌ إضافي هو فرط نشاط الغدّة الدراقية، ويضاف إلى هذه العوامل التوقّف عن التنفّس أثناء النوم وهو عاملٌ مستتر ومعروف بدرجة أقل ولكنّه الأكثر شيوعًا.

ينقطع التنفّس أثناء النوم نتيجة ضيق أو انسداد في مجاري التنفس العلوية ما يؤدي إلى خنق تنفّسنا في الليل ويجعلنا نشعر بالتعب والنعاس في اليوم التالي. والواقع أن هنالك قصور كبير في تشخيص هذه الحالة التي تحصل لدى 17% من الراشدين، تزداد بتزايد العمر والبدانة وتتفاقم مع الوقت، كما أنّها تصيب 50% من مرضى السكري وضغط الدم المرتفع  و30% إلى 40% من المصابين بداء الشريان الإكليلي (مجلة مستشفى كليفلاند كلينيك الطبية، آب 2014).  

إن المرضى الذين يعانون من انقطاع النفس أثناء النوم هم أكثر عرضةً للإصابة باضطرابات في نبض القلب، بما فيها الرجفان الأذيني، أمّا مرضى الرجفان الأذيني الذين خضعوا لصدمات كهربائية لضبط تسارع قلبهم، فهؤلاء يصبحون أكثر عرضة للانتكاس ما لم تعالج مشكلة تنفسّهم أثناء النوم ويكون معدّل الانتكاس متناسبًا مع مستويات الأوكسيجين المنخفضة التي يستنشقونها أثناء النوم. بالإضافة إلى ذلك، أظهر المرضى الذين عولجوا من انقطاع النفس أثناء النوم تراجعًا ملحوظًا في اضطرابات وتيرة النبض القلبي ومشاكل القلب أمّا الذين لم يعالجوا فقد كانت مشاكلهم القلبية أكثر بثلاثة أضعاف وكانوا أكثر عرضةً للموت بصورة فجائية خلال النوم.  وعليه، ينبغي فحص من يتعرّض لسكتات دماغية مجهولة السبب أو من يعاني من الرجفان الأذيني للكشف عمّا إذا كان يتوقّف عن التنفس أثناء النوم لأن معالجة هذه الحالة المحيرة أثبتت فعاليتها في تحسين النتائج السريرية. 

اترك تعليقا