زياد الصايغ - المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني

 

متى تأسّس ملتقى التأثير المدني وما هي الأهداف التي وضعها نصب عينيه؟

ملتقى التأثير المدني مجموعة ضغط تأسست في نيسان 2012، تعمل على توحيد اللبنانيين حول خطط نموذجية اجتماعية اقتصادية من ضمن فلسفة الاقتصاد الجامع. يتألف الملتقى من 35 شخصية مؤسسة و400 ناشط وناشطة من كل القطاعات. لا يتلقى الملتقى الهبات من أحد وإنمّا يموّل ذاتيًا من خلال مساهمات أعضاء مجلس الأمناء. بنية الملتقى بعيدة عن الإطار التقليدي لهيئات المجتمع المدني، إذ ما من رئيس لمجلس الأمناء ولا لمجلس الإدارة ولاحتى لفريق العمل. وأعضاء مجلس الأمناء حريصون على ترؤس لجان العمل ومتابعة سيره بصورة دورية وليسوا مجرّد مجموعة توفّر المال. نحن نعمل مع صنّاع القرار للمشاركة في توفير خطط وسياسات مستدامة وكاملة ومتكاملة بدءًا بالتقني والعلمي إلى الإداري والمؤسساتي، مرورًا بالقانوني التشريعي، خلوصًا إلى التمويلي وصولًا إلى خدمة المواطن. من الجهة الثانية، نحن نهدف إلى تحفيز الرأي العام للمساهمة في رسم السياسات. 
 

ما المقصود بالاقتصاد الجامع؟

الاقتصاد الجامع فلسفة أطلقناها ويتمّ تطبيقها من خلال خطط عملية نموذجية بعيدًا عن التنظير. انطلق الاقتصاد الجامع  من خمسة مبادىء أساسية هي: أولاً، ضرورة توحيد اللبنانيين حول القضايا التي تمسّ حياتهم اليومية على الرغم من انقساماتهم العمودية والأفقية والارتقاء بهم من هموم وشجون السياسة إلى مفهوم السياسات الوطنية الشاملة. ثانيًا، تحقيق هذا التوحيد من خلال  خطط اقتصادية اجتماعية تبدأ بالبنى التحتية وتنتهي بسياسة العمل والحماية الاجتماعية. ثالثاً، بناء الشراكة بين القطاعين العام والخاص بغية إنجاح هذه الخطط. إن القدرة الاستثمارية للدولة اللبنانية هي 3%، في حين تخصّص النسبة المتبقية من الميزانية  العامة، 97%، للرواتب والأجور وخدمة الدين العام. لذلك هناك حاجة ملحّة إلى دخول القطاع الخاص من أجل الشراكة وليس الخصخصة. المسألة الرابعة التي يتبناها الاقتصاد الجامع هي توسيع أفق هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتشمل المواطنين على حدّ سواء، إيمانًا منه بضرورة  مساهمة كل اللبنانيين بالتخطيط والتفكير والتنفيذ من خلال مساهمتهم في المؤسسات التي سوف تنشأ لهذه القطاعات. أخيراً، من المعلوم أنّ الرقابة هي الجهة المنوطة تحديد نجاح إدارة قطاع معيّن، لكن الرقابة غائبة في لبنان. لذلك، ينبغي على المجتمع المدني الانتقال من عملية التذمر والتأفف واليأس إلى أخذ المبادرة بالتخطيط وممارسة الرقابة على التنفيذ. 
 

لماذا كان التوجّه نحو القطاع المائي تحديدًا؟

إنها الخطة الأولى لملتقى التأثير المدني واليوم نحن في صدد إعداد خطّة للنقل والمواصلات. ازدحمت الأوساط الإعلامية والسياسية في السنوات الثلاث الماضية بالأحاديث والنقاشات حول النفط والغاز. لذلك، فارتأى ملتقى التأثير المدني توجيه أنظاره باتجاه آخر لم ينل الحيّز الذي يستحقّه من الاهتمام فانطلقنا من القناعة بأن المياه هي الثروة الأساسية والشريان الحيوي الرئيس في لبنان ومن هنا كانت الخطة الخماسية لإدارة قطاع المياه Blue Gold. قمنا بجمع كافة الدراسات التي تناولت قطاع المياه منذ العام 1877 وحتى اليوم وكوّنا فريق عمل يتألف من 40 خبيراً من كلّ القطاعات بما فيها القطاعان العام والخاص والمجتمع المدني.بعد عمل متواصل لمدّة سنة ونصف، خلص الخبراء إلى إنجاز خطة كاملة متكاملة قائمة على ثلاث خمسات. خطة خماسية بين 2015-2020،  كلفتها خمس مليارات دولار، وتؤمن للبنان 500 مليون متر مكعب إضافي.
 

ما مدى صحّة ما يتمّ تناقله عن أزمة مائية جديّة في لبنان؟

الأزمة في لبنان ليست أزمة في الموارد وإنّما أزمة إدارة، أو بالأحرى سوء إدارة. التراجع في المتساقطات خلال شتاء عام 2014 لا يعني أنّ هناك أزمة مياه أساسية فمعدّل المتساقطات كان طبيعيًا منذ 1943 وحتى 2014 لكنّ المشكلة أنّنا لم نستثمرها كخطوة احترازية تقينا انعكاسات الشحّ في الأمطار إن حصل. هناك نقص إن جاز التعبير لأن دراسة خبراء خطة الذهب الأزرق  تفيد بأن لدينا بين المياه الجوفية والمياه السطحية والينابيع الحلوة تحت البحر ثروة هائلة. لا شكّ أننا لا نملك الكمية عينها التي كانت بمتناولنا منذ عشرين سنة لأنّ هذه الموارد تتأثر بالنمو السكاني والتقلبات المناخية وغيرها من العوامل، لكنّ هذه العوامل لا تبرّر المطالب المنادية باستيراد المياه ولا تبرّر الهدر المستمر ولا سوء إدارة القطاع. مقولة أنّ ليس لدينا مياه مقولة غير دقيقة والدليل أن صهاريج المياه تصل إلى المنازل أو مكان العمل في غضون 10 دقائق. اليوم، من المفترض أن يشكّل الضغط السكاني الجديد المتمثل بالنازحين السوريين ومعه التقلبات المناخية، فرصة جدية وحقيقية للتفكير في سياسة مائية للبلد.
لا أريد التحدث عن الفائض المتوقّع من الدراسة، فالأولوية هي لتحقيق اكتفاء ذاتي. هل يدرك أحدهم أنّ نسبة التسرّب في الشبكات لدينا تبلغ 45% ونسبة الهدر في القطاع الزراعي 65%؟ ما من ثقافة مائية في القطاعين السياحي والصناعي وما من ترشيد للاستهلاك. لبنان يستفيد من 17% من متساقطاته أي أننا تستخدم 1.8 مليار متر مكعب من أصل نحو 9 مليارات. لدى الناس سوء تصور مفاده أن السبب هو النقص في المتساقطات لكنّ الحقيقة أنّ السبب الأساسي هو الإدارة المريضة وعدم وجود سياسة أو ثقافة مائية، وللأسف يتكبّد المواطنون أعباء هائلة على مستوى الفاتورة المائية والغذائية، لأن الأمن المائي مرتبط بالأمنين الغذائي والاستشفائي في البلد.  
 

ما هو مضمون خطّة الذهب الأزرق؟

انطلقنا من شعارٍ مفاده أنّ المياه ليست مجرّد حاجة أو سلعة بل ثروة قومية ينبغي صونها وحسن إدارتها. تناولت الخطة كافة القطاعات من أساليب الري التقليدية المسؤولة عن الهدر المائي في القطاع الزراعي إلى صيانة الشبكات والحد من التسرب، إلى ترشيد الاستهلاك وقد اقترح ملتقى التأثير المدني خطوات سريعة لمعالجة المشكلة منها الاستفادة من مياه نهري العاصي والدامور، ترشيد الاستهلاك، البدء بنماذج عمل على مستوى الري بالتنقيط، معالجة التبخر من خلال التشجير، تنظيم الآبار الأرتوازية عوضًا عن مصادرتها خصوصًا أنّ 60 إلى 70% من هذه الآبار مرخص بغطاء سياسي أو غير مرخّص، لذلك ينبغي إنجاز مخطّط توجيهي لهذه الآبار ينظّم الأماكن الصالحة لحفر الآبار  وعملية الاستفادة منها. شكّلت الإمكانية اللوجيستية للاستفادة من ينابيع المياه الحلوة محور اهتمام آخر والتعاون جارٍ مع قيادة الجيش وما تملكه من قوات برية وبحرية للبحث فيها وقد تبيّن أنّه يمكن حاليًا ضخ نحو 138 ألف متر مكعّب من شكا يوميًا. على اتحادات البلديات تنظيم اجتماعات وإعطاء إرشادات للقطاعات التي تعمل ضمنها. وبدأ التفكير مع بلدية العاقورة واتحاد بلديات جبيل واتحاد بلديات الريحان للقيام بمبادرة نموذجية. ترشيد الاستهلاك حاجة ملحّة وهو أمر لا يتم من خلال التوعية على شاشات التلفزة والقنوات الإذاعية بل من خلال خطوات عملية تتخّذها السلطات المحليّة أي البلديات واتحادات البلديات ومن ثمّ القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية والصحية. المطلوب إذن سياسة مناطقية تراقب ترشيد الاستهلاك في الأحياء والمنازل وأخرى قطاعية.
 

هلّا اختصرت لنا إطار العمل المرتقب؟

نحن نعمل على ثلاث مستويات. أولًا، نحن نعتقد أن تنفيذ سياسة مائية فاعلة لا يمكن أن يتم إلا من خلال وقف تشتيت المرجعيات الإدارية والمؤسساتية في قطاع المياه، لذلك نحن نطرح إنشاء مجلس وطني للمياه، والعمل جارٍ على قدمٍ وساق  لإنجاز مشروع قانون لإنشاء مجلس لا يكون بالمعايير التقليدية السائدة في المجالس القائمة، بل يشكّل نموذجاً جديداً مرتكزاً على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. وهناك عمل جدي تقوم به مجموعة من الخبراء بالتعاون مع نقابة المحامين لإنجاز هذا العمل. نحن نعمل باتجاه إنجاز مجلس مصغّر على أن يكون مديره التنفيذي وأعضاء مجلس إدارته من أصحاب الاختصاص. نحن على تواصل مع صنّاع القرار والعمل هادىء ويهدف إلى تغيير الذهنية ، يمكن افتراض الفشل ويحقّ لنا افتراض إمكانية النجاح. سنقوم بإنجاز المشروع ونمارس الضغط اللازم لدى صنّاع القرار والرأي العام وفي الإعلام لإقراره، والتصويت قائم وهو مجرّد وسيلة لالتماس كيفية تعاطي الناس مع هذه القضايا. قمنا بجولات على الجامعات في لبنان وهناك تفكير في كيفية التعاون مع رابطة جامعات لبنان لزيادة منسوب النقاش والوعي حول السياسات المائية وإشراك القطاع الأكاديمي في رسم السياسات المائية. إذًا نحن بصدد ثلاثة محاور: محور تشريعي، محور عملاني وآخر مرتبط بزيادة منسوب الوعي. 
 

ما هو ردّكم على الانتقادات التي صدرت واتّهمتكم بالسعي إلى خصخصة القطاع ووضعه في قبضة كبار الرأسماليين؟

كلّ الانتقادات التي صدرت، نحن نعتبرها انتقادات صديقة وحليفة، لأنها فتحت النقاش الجدي حول قضايا أساسية في البلد ومنها موضوع الخصخصة. نحن نتكلم بشكل واضح عن شراكة بين قطاع عام وقطاع خاص والمواطنين وأن تبقى هذه القطاعات الحيوية ملكاً للدولة على أن يدخل عليها القطاع الخاص لتحسين الخدمة وقدرتها الانتاجية وايجاد مناخ تنافسي لتخفيض الكلفة. إن الفصل المخصّص في الخطة حول الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية يتوقع 4000 فرصة عمل دائمة، 400 ألف فرصة عمل موسمية، 12% ربح للقطاع الخاص، 12% للمواطنين الذين سيساهمون في العمل في هذا القطاع و23.5% ربح للدولة من دون أن تتكبّد أي ديون. لا خصخصة إطلاقًا في ذهننا والمحتكر الوحيد للقطاع هو سوء الإدارة. نحن لسنا مجموعة مياه أصلاً ولا علاقة لنا باستثمار أو تنفيذ خطة الذهب الأزرق. نحن مجموعة ضغط طرحنا خطة للتقاش على كافة القطاعات المعنية ونسكتمل عملنا التشريعي لإنجازها. نحن لسنا بصدد التنفيذ لكن سيتم إنشاء هيئة راصدة لمراقبة حسن سير العمل والتنفيذ.  نحن نتمنى أن تستمر الانتقادات البناءة. المشكلة حين يكون أصحاب الانتقادات إما ديماغوجيين أو يجهلون المعطيات العلمية. خطة الدولة تمتد على ثماني سنوات وكلفتها 7.5 مليار دولار ممولّة من قروض تزيد من مديونية الدولة وتؤمن المياه 24/24 من دون التطرّق إلى نوعية المياه. 
 

هل من كلمة أخيرة تودّ توجيهها؟

مبادرتنا لم تكن ردّة فعل على أزمة الشحّ  الحالية في المياه. لقد كنا واعين للثروة واستشعرنا إمكانية وقوع أزمة منذ أكثر من سنة عندما بدأ العمل على الخطة فقدّمنا بذلك عمليّة استباقية وقائية احترازية وأعدنا الاعتبار لإحدى الثروات الأساسية في البلد. هذا جزء من التخطيط الاستراتيجي الذي ينبغي أن يعمّ كل القطاعات في البلد من المياه إلى الكهرباء إلى المواصلات إلى سياسة الأجور. عندما تتوفّر الرؤيا مع الإرادة مع القدرة والكفاءات، تصنع المعجزات.  

اترك تعليقا