كيف تفكر القاعدة (5) - الموقف من الإعتداء
كيف تتعامل القاعدة مع أعدائها وخصومها، وما هي الخطة التي تعتمدها لمواجهتهم سياسياً وعسكرياً وإعلامياً؟
المنطلق الذي يحرك الأعداء منطلق مادي، فعقيدة الصراع عند أهل الكفر عقيدة مادية دنيوية في أغلب بنائها، فإن كان لهم دوافع دنيوية يسترونها بدوافع دينية أو حضارية كاذبة ومزعومة، وإن العامل العقيدي التقليدي فيها ليس العامل الوحيد فهو يعتبر أحد عوامل دفعهم للمعركة، وقد يعتبر بالنسبة للأتباع الجهلة عندهم دافعاً قوياً، إلا أن وقود تحركهم هو المصالح المادية والرغبة في البقاء، فهم يصارعون من أجل ذلك، وليس أي بقاء بل البقاء الذي يضمن لهم حياة الرفاهية والترف بدون منغصات، ولحلفائهم ومن يدعمهم ليستمروا ويصبروا في تحالفهم معهم ما دامت المصلحة متحققة بذلك التحالف، فيجب أن نعي ذلك جيداً.
لذلك فأهم مبادئهم السياسية هو مبدأ المصلحة، وهذا المبدأ لديهم لا يخضع مطلقاً لأي قيمة أخلاقية. بل ان كل المبادئ الأخرى تتبعه.. الصداقة أو العداوة.. السلم أو الحرب.. تتحدد جميعاً طبقاً للمصلحة.
ولخّص ساسة الغرب ذلك في شعار يقول: “ليس في السياسة عداوة دائمة أو صداقة دائمة ولكن هناك مصالح دائمة”. ولذلك فقد كان اختلاف المصالح فيما بينهم دافعاً لأشد الحروب دموية، إلا أن ذلك لا ينسينا حقيقة أن العداء المشترك للإسلام يشكل أرضية عمل مشترك بين ملل الكفر والردة المختلفة، لكننا نستطيع أن نقول كذلك أن تحالفهم الأيديولوجي ضد الإسلام هو تحالف هش ومحدود بسقف المصالح المادية لكل طرف منهم، لذلك ينبغي أن نبني خططنا العسكرية والسياسية بعد فهم جيد وتقدير لسقف المصلحة الذي يحد حركة كل عدو من أعدائنا، وأن نعمل على توسيع فجوة المصالح بين الأطراف المعادية، فلا بد أن تكون خريطة المصالح واضحة في ذهن قادة العمل لدينا، وهي خريطة مهمة بنفس درجة أهمية الخرائط العسكرية.
هذه بعض سمات وطبيعة الموقف السياسي للأعداء والتي لها تأثير مباشر على الصراع بين الإسلام وأعدائه، أما المجاورون من الحركات الإسلامية الأخرى فسياستهم تقوم على خليط من السياسة الشرعية ونفس مبادئ سياسة الأعداء، خاصة مبدأ المصلحة مع تحريف النصوص لإيهام الناس أن خليطهم هذا من السياسة الشرعية المشروعة، ولا شك ان البعض قد يستغرب من قدرتهم على المناورة السياسية وعقد الصفقات مع عدم وجود قوة عسكرية لديهم، ولكن المتأمل يجد أنهم يناورون بما لديهم من أعداد رقمية من الشباب والتي تشكل خطراً في حالة واحدة: ما لو زالت قياداتهم من الساحة بسبب انهم لا قيمة حقيقية لهم وانفراط عقد هؤلاء الشباب فالخوف لدى الأعداء أن ينضم هذا الشباب إلى المجاهدين، ولكن ما نريد أن نبينه هنا أن أهم مبدأ يناور من أجله المجاورون وأكبر مصلحة يبيعون الدين وكل المصالح الشرعية من أجلها هي البقاء... البقاء... البقاء.
وبالطبع كل ما سبق إشارات وعلى القيادة والقواعد التوسع قدر الإمكان ليفهم بعمق سياسات الفريقين، وأن تكون دراسته بعيدة عن نمطية أن العدو يتحرك تبعاً لدوافع دينية فقط، خاصة أنه سيجد دافع الدين لدى كثير من أطراف العدو ثانوياً أو مضمحلاً، كذلك على الدارس الذي سيؤهل للعمل في اللجان السياسية بجانب عمله العسكري أن تكون له قراءات جيدة في التاريخ مع قدرة على التمحيص، وقراءات في علم النفس، وينبغي عليه دراسة علم الاجتماع ويركز فيه على دراسة ما يتعلق بدور القبائل والعشائر في عالمنا العربي والإسلامي والفارق بين العصبية المحمودة والعصبية المذمومة، وما أحدثه النظام الجاهلي المعاصر في بنية القبائل وعمله على تفتيتها وتذويبها في المؤسسات المدنية المعاصرة أو الانحراف بها إلى العصبية الجاهلية.
لا يكفي أن تكون القيادة السياسية المسلمة على مستوى عالٍ يمكنها من عمل سياسي رفيع المستوى، بل لا بد أن تكون القواعد الإسلامية على مستوى رفيع وقدر عال من الإدراك، وأيضاً المشاركة في اتخاذ القرار السياسي.
من أهم فوائد الدراسات السياسية هي تحديد ردود الفعل تجاه أي خطوة نخطط للقيام بها ومن ثم المضي قدماً في القيام بها أو تأجيلها للظرف المناسب أو تهيئة الأوضاع لها لتكون مناسبة، ومن ذلك تحديد بمن من فئات العدو نبدأ، ولذلك ينبغي لكل مجموعة أن تضع قائمة بجميع الأعداء المستهدفين في نطاقها.
نبهت إلى أهمية فهم اللعبة السياسية للأعداء والمجاورين واتقان فن السياسة للتعامل معها بسياسة شرعية، إلا أنه لا ينبغي اغفال دراسة وفهم السياسة الشرعية في التعامل مع الصف المجاهد ومع المستجيبين من الأعداء عندما يدخلون إلى الصف المسلم بل أحياناً قد يدخلون إلى الصف المجاهد مباشرة، نتعلم كيف نتصرف إذا خرج من بيننا وفي صفنا خوارج أو بغاة أو مرتدون أو من يطلب ذات أنواط (مناصب ومواقع) أو من يطلب وضع تشريع ينظم العمل يشمل مخالفة لنصوص شرعية أو يطالب بالانضمام إلى الأمم المتحدة، كذلك إذا خرج من بيننا من يشرب الخمر أو ما يستوجب حداً، فكل هذه الأصناف متوقعة خاصة ان عملنا مبني على أن يكون جهادنا جهاد أمة وليس جهاد حركة، وخروج مثل هذه الأصناف اثناء المعركة ينشئ اوضاعاً في غاية الحساسية والتعقيد، والتعامل معها لا يكون بالأدلة الشرعية التي تخص دولة مستقرة، وإنما بسياسة شرعية دقيقة مأخوذة من طريقة نبينا عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه، ومع التنبه حتى لا نخرج بفقه هذه المسائل لطرائق أصحاب تمييع الإحكام والدين، بل والتنبيه الدائم بعد إخراج إحكام منضبطة لهذه المسائل على أنها أحكام استثنائية في بعض الأحيان وتخص وقائع اعيان.
- بنية العدو البشرية ضعيفة قتالياً، وإنما يعوض ذلك باستخدام المعدات وهذه لا يمكن الاعتماد عليه على الدوام، كذلك يعمل العدو على تعويض ذلك بالهالة الإعلامية الكاذبة واستخدام المكر الإعلامي أثناء كل حركة من تحركاته وفي مواجهة أي تحرك من جهة المجاهدين، لذلك ففهم السياسة الإعلامية للخصوم والتعامل معها هام جداً في كسب المعركة العسكرية والسياسية، ومن أهم ما يساعد على نجاح سياستنا الإعلامية هو ان تصل موادنا الإعلامية إلى مستهدفيها. ومن الملاحظ على بعض اللجان الإعلامية في مراحل سابقة فشلهم في أن تصل الإعلامية إلى الفئات المستهدفة خاصة تلك المادة التي تستهدف فئة الناس والشعوب، بحيث أصبح في الغالب من تصل إليهم المواد الإعلامية هم فئة النخبة فقط، في حين أن حركات غير إسلامية عديدة نجحت في ان تصل بياناتها وموادها الإعلامية لكل بيت وفئة عمرية، لذلك لا ينبغي إغفال تلك النقطة الهامة، خاصة إننا نريد أن يصل للناس بوضوح مواقفنا الشرعية العسكرية والسياسية وتبريرها الشرعي والعقلي وأنها في مصلحة الأمة، لذلك ينبغي تكوين مجموعة مهمتها توصيل ما نريد إيصاله للناس والتأكد من ذلك، ولو تطلب هذا التوصيل تعرضهم لخطر مقارب لخطر عملية قتالية.
اترك تعليقا