مايا العمّار - منسقة الإعلام والتواصل في جمعية كفى

سعت جمعية كفى جاهدةً لوضع مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري على جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة. بعد هذا المسار الطويل، هل أنتم راضون اليوم عن الصيغة النهائية التي أقرّ بها هذا القانون؟

عند إقرار القانون في المجلس النيابي وتوقيع رئيس الجمهورية عليه أصبنا بنوعٍ من الخيبة لأن الرئيس كانت قد وصلته صرخة التعديلات وكنا تتوقّع منه ردّ القانون إلى المجلس أو أقلّه عدم التوقيع عليه لتسجيل موقف أو تحفّظ ما، وقبل ذلك، كنا قد صدمنا أيضًا بعدم وفاء النواب بالتزامهم. نحن تواصلنا مع معظم الكتل النيابية ومن بينهم 71 نائب، أيدوا التعديلات والاعتراضات التي رفعناها وأقروا بضرورة إدخالها ضمن الصيغة النهائية للقانون، لكنّ هؤلاء نكسوا بهذا الالتزام في مجلس النواب ولم يناضلوا من أجله، كما أنّ القانون لم يأخذ الحيّز الذي يستحقّه من المناقشة.

ما هي أبرز التعديلات التي اقترحتموها وتمّ ضربها عرض الحائط؟

في موضوع التعديلات، نحن ارتأينا اقتراح التفاصيل بغية الحصول على القانون الأمثل والأكثر إنصافًا بصورة نهائية. حين تتوجّه السيدة إلى النيابة العامة مباشرةً أو من خلال المخافر للتبليغ وطلب تدبير الحماية لأن حياتها في خطر، يمكن للجهة التي لجأت إليها احتجاز المعنّف لمدّة 48 ساعة قد تمتد لمدّة 4 أيام، لكن هذه الجهة غير مخوّلة إصدار قرار الحماية لمدّة أطول إذا اقتضت الحاجة بل على السيدة المطالبة بذلك لدى قاضي الأمور المستعجلة. قد لا يصدر القاضي قرار الحماية على وجه السرعة ما قد يفاقم العنف خصوصًا أن الرجل قد يكون طليقًا في هذه الفترة، ناهيك عمّا يترتّب عن ذلك من أعباء ماليّة ناتجة عن الحاجة إلى تعيين محامٍ. لذلك طالبنا بمنح النيابة العامّة صلاحيّة إصدار قرار الحماية، لتسهيل وتبسيط الآلية وعدم حصر الصلاحية بقاضي الأمور المستعجلة.

كما أنّ القانون لا يجرّم كل أشكال العنف الممارس في الأسرة. هناك اجتهادٌ ملحوظٌ يُشكر عليه القضاة في هذا السياق، لكنّ القانون لا يشير إلى بعض الجرائم كحجز الحرية والشتم والتحقير وغيرها ولا بدذ من تعدادها بشكلٍ أوضح. وهناك طبعًا موضوع الاغتصاب الزوجي. في العام 2011، اعتبر دار الفتوى ومن بعده المجلس الشيعي الأعلى بأن الاغتصاب الزوجي هي بدعة غير موجودة ورفض الإعتراف بها. نحن نطالب بتجريم الإكراه على الجماع وتعديل مصطلح»استيفاء الحقوق الزوجية» الموجود في القانون لأنّه يبرّر استخدام القوة باعتبار الجماع فريضة أو واجب زوجي. لقد أدخلوا مفهوم الحقوق الزوجية في قانون مدني مع العلم أنّه مفهوم ديني لدى بعض الطوائف ولا ينبغي تكريسه على الجميع. ثانيًا، يعاقب المغتصب بجنحة أي أنّه يعاقب على الايذاء الجسدي خلال الاغتصاب وليس على فعل الاغتصاب بحدّ ذاته.

رابعًا، أشار القانون إلى أن قرار الحماية يشمل الضحية والمقيمين معها في حال تعرّضهم للخطر والأطفال إذا كانوا في سنّ الحضانة القانوني، فكان اعتراضنا على مبدأ الحضانة لأنّه أولًا لا يسري إلا في حال الطلاق وثانيًا يختلف بين طائفة وأخرى وبين الصبي والفتاة ضمن الطائفة الواحدة وبالتلي فهو يميّز بين الضحايا الأطفال إذ يشمل البعض ويستثني آخرين، ناهيك عن أنّ المرأة المعنّفة قد تتردّد عن التبليغ انطلاقًا من قلقها من أن قرار الحماية قد لا يشمل أولادها حكمًا.

لقد قمنا بنصّ تدابير قانون الحماية وفقًا للعنف الذي تتعرّض له النساء بشكلٍ خاص لكنّهم اختاروا شمل كافّة أفراد الأسرة.

كيف تعتزمون استكمال الجهود التي بدأتموها لإقرار صيغة القانون التي تصبون إليها والتي تحقّق حماية فعلية للنساء المعنّفات وتقتصّ من المعنّفين؟

القانون موجود ونحن نقوم بتطبيقه ونحن راضون عن العديد من الفقرات التي لم يمسّ بها النوّاب والتي تتناول تدابير الحماية. على الرغم من الملاحظات، لا يمكن إنكار الإنجاز الذي حققّناه خصوصًا أنّه سيتمّ إنشاء قطعة متخصّصة لدى قوى الأمن الداخلي لتولّي الشكاوى والتحرّك. نحن طبعًا مستمرّون بالتعديلات التي رفعناها إمّا من خلال قانون معجّل مكرّر يتقدّم به أحد النواب أو من خلال إعادة تقديم مشروع حين يكون المناخ ملائمًا لأن البلد مشلول حاليًا بفعل الفراغ الرئاسي.

على من تقع مسؤولية ظاهرة التعنيف الممارس على النساء بالدرجة الأولى: القضاء لعدم إنصافه المرأة واعترافه بحقوقها؟ الإهمال في التشريع وعدم التعاطي الجدي مع القضية؟ عدم الشفافية في جمع الأدلة الجنائية؟ المجتمع الذكوري الذي يستمر في إيجاد الذرائع والحجج لتبرير الغبن اللاحق بالنساء؟

لا يمكن إلقاء المسؤولية واللوم على فئة أو جهة دون أخرى، لكنّني أعتقد أن المفهوم الذكوري المتعشّش في الأذهان يبقى السوسة التي تنخر عقول النواب والقضاة والأهل والمجتمع بأكمله وجميعهم مسؤول عن التغيير. فالجيران ينبغي عليهم التبليغ عن حالات العنف المجاورة، والأهل مساندة ابنتهم وتشجيعها على كسر الصمت، والنواب القيام بواجباتهم التشريعية والتعاطي مع هذه القضية على محمل الجد، أما العدالة فتبقى المنفذ الوحيد الذي يشفي غليل الضحايا أو أهلهم، وهناك بعض القرارات المتقدّمة التي تشكّل مدعاة للتفاؤل، كالقرار الصادر مؤخرًا عن قاضي تحقيق جبل لبنان بحق روي للتسبّب بانتحار زوجته كريستال أبو شقرا.

هل ساعدت الإصلاحات القانونية على الحدّ من ظاهرة التعنيف، وهل يكفي التشريع إذا كانت ثقافة قتل المرأة استردادًا للشرف متأصّلة في المجتمع الشرقي الذكوري؟ هل من إحصاءات أو دراسات رسمية حول هذا الموضوع؟

كان من الصعب الحصول على إحصاءات في هذا الإطار فيما مضى، لكننا تأمل اليوم، وبعد مأسسة العمل في قضية العنف، أن نتمكّن من تحديد الأرقام بشكلٍ أدق من خلال المستندات والوثائق. على مستوى الجمعية، لم نكن نتلقّى في الأعوام الماضية 5 إلى 6 اتّصالات يوميًا أو 2600 اتصّال سنويًا كما هي الحال اليوم، وهذا دليل على أنّ النساء بتن أكثر استعدادًا لطلب النجدة. لقد ساعدنا على استصدار ثلاثة قرارات حماية في شهرٍ واحد. نحن ندرك أن القانون وحده لا يكفي وأن العبرة تبقى في التغيير الجذري للعقلية الذكورية المتأصّلة، لكن بوجود جهات حريصة على التوعية والمتابعة والمحاسبة، يمكن للقوانين أن تحقّق نوعًا من العدالة.

نحن على يقينٍ أن ما نسعى لتحقيقه لن يكون سهلاً أو خالٍ من العقبات خصوصاً أننا نحاول اختراق نظام ذكوري جامد ومترسّخ في النسيج الاجتماعي منذ آلاف السنين، لكنّنا مستمرون في النضال من أجل التغيير وكسر صنمية هذا المفهوم الخاطىء والمجحف بحق المرأة.

كيف تصفون مؤازرة المجتمع المدني والإعلام لقضيتكم؟

نحن لا نهدف إلى تسويق اسم الجمعية بل نحاول ايصال الفكرة بالدرجة الأولى. الوسائل الإعلامية شريك لنا في مسعانا وهي معنيّة بالقضية شأنها شأن كافة الشرائح الاجتماعية، لذلك نحن نعتبرهم جزء من فريق العمل وقد ساهمت الحملات الإعلانية الإعلامية بتسليط المزيد من الضوء على القضية وايصال صرختنا بشكلٍ أسرع وتشكيل قوّة ضاغطة على المشرعين وصانعي القرار، ولهم منّا كلّ الشكر على مؤازرتهم وتغطيتهم لنا وللقضية عمومًا.

هل من كلمة أخيرة توجهونها إلى النساء اللواتي يخشين التبليغ وإلى عائلات الضحايا؟

أودّ طمأنة النساء أنّ العنف ضد المرأة إشكالية عالميّة وأنّهنّ لسن وحيدات في هذا المعترك، الأمر الذي يخلق تضامنًا فيما بينهنّ. وأرجو ممّن تتعرّض لأي شكلٍ من أشكال التعنيف عدم التردّد في الاتصال فورًا بالمخفر أو التواصل مع الجمعية على الرقم الساخن 03-018019.

اترك تعليقا