حنّا سعادة - حالات الإسهال الحاد

إن الإسهال الناتج عن التقاط جرثومة المِطَثيّة العسيرة (Clostridium difficile) التي تنتشر في المستشفيات يتسبّب في أعلى نسب الوفيات لدى كبار السن ما فوق الـ 65 من العمر يليه ذلك الناتج عن النوروفيروس والذي يمكنه أن يكون مهلكاً بنفس القدر خصوصاً لدى الأشخاص الذين يعانون من الوهن.

عموماً، يشكّل النوروفيروس السبب الأكثر شيوعاً لحالات الإسهال الحادة فهو يسبّب 50% من نوبات الإسهال خصوصاً على متن السفن، في دور الرعاية، في المستشفيات وفي المهاجع. أمّا حالات الإسهال المرتبطة بالعدوى البكتيرية الناتجة عن التقاط جرثومة السلمونيلا، العطيفة الصائمية، الشيغيلا، الإي كولاي، الفايبريو، اليرسنية أو الليستريا فهي لا تشكّل إلا أقليّة من مجمل حالات الإسهال بما أنّه لا أسباب محدّدة لمعظم حالات الإسهال لدى البالغين المسافرين.

إن العدوى المنقولة عن طريق الغذاء والتي تأتي في مرتبةٍ ثانوية بعد المواد الغذائية الملوّثة هي مسؤولة عن 36% من مجمل حالات الإسهال الحادة. إن الفواكه والخضروات الطازجة، خصوصاً الخضروات الغنية بالأوراق، هي الناقل الأكثر شيوعاً للجراثيم لأنّها تتلوّث بسهولة لكن يصعب تطهيرها. تسبّب الدواجن الملوّثة النسبة الأعلى من الوفيات بفعل عدوى السلمونيلا وعدوى الليستريا الحادتين والمرتبطتين غالبًا بالدجاج الملوّث.

إن الدفاعات الفطرية التي عادةً ما تحمينا من الإسهال الناجم عن العدوى تشمل حوامض المعدة، الميكروبات الطبيعية في الأمعاء ومناعة المعدة والأمعاء. حين تصاب هذه الدفاعات بالوهن نتيجة الأمراض الطبيعية أو تناول الأدوية، تزداد حالات الإصابة بالإسهال.هكذا، فإن الأدوية التي تخفّف من حموضة المعدة والمضادات الحيوية التي تخلّ بالميكروبات الطبيعية في الأمعاء تجعلنا أكثر عرضةً للإصابة بالإسهال. أما كبار السنّ وصغاره، أمراض المناعة الذاتية، الاضطرابات الالتهابية في المعدة والأمعاء والأدوية التي تحدّ من المناعة فجميعها عوامل مرتبطة بالتسبّب في المزيد من حالات الإسهال.

إن تأثير اللقاح أساسي لفهم مدى عدوائية الإسهال. إن الكائنات القادرة على تجاوز دفاعات الجسم والتسبّب بالإسهال بأعداد صغيرة لا تتعدى الـ 100 إلى 500 كائن تصنّف ككائنات ذات فوعة عالية وأحد أبرز هذه الكائنات النوروفيروس يليه الروتافيروس، الشيغيلا وغيرهم. على المستوى السريري، هذا يعني احتمال انتقال العدوى من خلال الاحتكاك بالأيدي أو السطوح الملوّثة، خصوصاً أن الأيدي والسطوح وإن بدت نظيفة قد تحمل ما يكفي من الكائنات لتسبيب العدوى. لذلك، ينبغي مراقبة نظافة الأيدي بشكلٍ صارم وكذلك نظافة السطوح التي تلامس الأيدي ككرسي المرحاض ومقبض الباب والصنبور والمناشف التي تستخدم باستمرار وأدوات المطبخ والمائدة بغية الحدّ من انتشار الإسهال.

بالمقابل، فإن العدوى عن طريق الكائنات ذات الفوعة المتوسطة كالسلمونيلا والعطيفة الصائمية تحتاج إلى ما يقل عن ألف إلى مئة ألف كائن كي تحصل. أمّا العدوى عن طريق كائنات ذات فوعة منخفضة كالإي كولاي والفايبريو فلا تنتقل إلى من خلال مئة ألف كائن على الأقل. إن الحاجة إلى أعداد أكبر من الكائنات للتسبّب بالعدوى يصعّب انتقالها بين الأشخاص فمن غير المرجّح أن يتواجد هذا العدد الوافر من الكائات على أيدٍ أو سطوحٍ تبدو نظيفة على مرمى النظر. لهذا السبب، فإن هذه الكميات الكبيرة هي موجودة بشكلٍ أكثر شيوعاً في الأغذية التي سمح ببقائها في درجة حرارة الغرفة لفترة كافية مكّنت البكتيريا من التكاثر وبلوغ هذه الأعداد المهولة.

إن حالات الإسهال الأكثر حدّة محدودة ذاتياً وغالباً ما يتمّ الشفاء منها خلال بضعة أيام من دون الحاجة إلى علاج طبيمل لم تكن العدوى شديدة سريرياً، من الحكمة مراقبة الإسهال خلال فترة 24 ساعة. إذا لوحظ تحسّن في العوارض خلال هذه بعد هذه الفترة، ينصح بعدم تناول المضادات الحيوية وبالاستمرار في تلطيف حدّة العوارض من خلال التمييه وعند الحاجة تناول الإيموديوم والميتاموسيل المتوافرين دون وصفة طبية. وينبغي استخدام الإيموديوم الذي يبطىء الاضطرابات الحركة في الأمعاء و والميتاموسيل الذي يحسّن اتّساق البراز وفقًا لتعليمات الملصقات الإرشادية. في حال التقيؤ، قد يصبح هناك حاجة إلى الأدوية المضادة للغثيان. الاستمرار في تناول المياه عبر الفم لإعادة تمييه الجسم رئيسي أيضاً، لكن ينبغي تناولها في رشفات صغيرة ومتكررة لتجنّب تنشيط التقيؤ والإسهال. تناول السوائل الغنية بالأملاح المعدنية كالبيديلايت أو الحساء المصنوع في البيت من شأنه الحفاظ على توازن السوائل في الجسم إلى حين الشفاء. لا يجدي تناول المعينات الحيوية نفعاً كما أنّه من الضروري الإسراع في طلب المشورة الطبية في حال إخفاق العلاجات المنزلية.

يمكن لفترة حضانة المرض، أي الفترة الفاصلة بين تاريخ تناول الأغذية الملوّثة وتاريخ حصول الإسهال، أن تشكّل دليلاً مفيدًا، فحين تكون هذه الفترة قصيرة (ساعتين إلى سبع ساعات) والتقيؤ غالبًا، يكون التسمّم الغذائي من خلال أحد السموم المشكّلة مسبقًا هو السبب المحتمل، أما حين تدوم هذه الفترة بين 14 إلى 18 ساعة ويترافق الإسهال بالتقيّؤ، فيرجّح أن يكون السبب التهابصا معويًا فيروسي.

حين تطول حالة الإسهال أو تشتدّ، أو حين تُرافَق بألمٍ في البطن، حرارة مرتفعة، دم وتقيّح في البراز، تصبح العناية الطبية حاجةً ملحّة، وفي مثل هذه الحالات عادةً ما يتمّ زرع البراز والفحص المجهري له والدراسات حول السموم الموجودة فيه. يتمّ تناول المضادات الحيوية على فترة قصيرة بين 3 إلى 5 أيام على نحوٍ شائع في حال عدم تحسّن الإسهال خلال 24 ساعة، أمّا حين يكون الإسهال حادًا إلى درجةٍ تستدعي معالجةً داخل المستشفى، فغالباً ما تتمّ الإماهة عبر الأوردة وتناول المضادات الحيوية الوريدية. 

اترك تعليقا