حدث في مثل هذا الشهر في الجمهورية العراقية-إندلاع ثورة «العشرين» في 30 حزيران 1920 لمواجهة الوجود البريطاني في العراق

طيلة فترة الحكم العثماني، اعتاد العراقيون على نمط معيّن من العيش يتمثّل بعدم تدخل السلطات المعنية بأمورهم إلا فيما يخص الضرائب، والموظون الحكوميون بدورهم كانوا متساهلين في تطبيق الأنظمة والقوانين، فألف سكان العراق هذا النمط طيلة فترة الحكم العثماني. ومع تمركز النفوذ الإنكليزي في العراق شهد الناس نظاما صارماً يختلف عن ذلك الذي ألفوه طوال قرون من الحكم العثماني؛ إذ عمد الإنكليز إلى اختيار شيخ واحد من كل منطقة في العراق ودعمه بالمال والسلاح وكل ما يلزم كي يكون المسؤول أمامهم عن منطقته، الأمر الذي أثار غضب رؤساء العشائر الذين أجبروا على الخضوع لرئيس عشيرة يفرضه الانجليز عليهم. أما في حقل السياسة، فقد تولّى السياسيون الميّالون للجهة الإنكليزية مناصب رفيعة في الحكم العراقي في وقت فقد آخرون مناصب كانوا يشغلونها في العهد العثماني، «كالأفندية»، وأضحوا بلا مورد رزق لتأتي الاعتقالات التعسفية للأفراد، قمع الحريات الشخصية، الاضطهادات العسكرية التي عبرت حدودها اتجاه العشائر والـضرائب الغير شـرعية التي فرضت عـلى عـموم المـزارعين لتزيد من حدّة النفور العراقي من الإنكليز فكانت الثورة...

عندما استدعي رئيس عشيرة الظوالم «شعلان أبو الجون» إلى السراي الحكومي في بلدة الرميثة جنوب العراق في 30 حزيران للتحقيق معه على خلفية تحريض السكان ضد الاستعمار البريطاني في البلاد، وعند وصول الأخير، استقبله الحاكم الإنكليزي لتلك الناحية «اللفتنت هيات» بكلمات نابية لا تليق بزعيم الظوالم فما كان للشيخ إلا أن شتم السياسة البريطانية، مصدراً على الفور أمراً بتوقيفه في السراي لإرساله في ما بعد إلى مدينة الديوانية، الأمر الذي أثار استياء أتباعه الذين هاجموا السراي وقتلوا جنديين بريطانيين قبل أن يحرروا الشيخ شعلان وكانت تلك الشرارة الأولى للثورة العراقية الكبرى... بوابل من الرصاص وجّه الثوار بندقياتهم على المحتلّ موقعين 22 إصابة بين قتيل وجريح في الطرف الإنكليزي ثم حاولت العشائر الاستيلاء على زورق بخاري يحمل عدداً من الجنود ومواد التموين تواكبه باخرة حربية «فاير فلاي» لحمايته وعندها جرى تبادل شديد للنيران بين الطرفين خسرت القوات الانكليزية خلاله 48 قتيلاً و167 جريحاً بالمقابل كانت خسارة الثوار طفيفة جداً بالقياس إلى هذه الأرقام.

لم تتوقّف المعارك عند الرميثة، بل امتدت إلى معظم المناطق العراقية وبعد أشهر طويلة من القتال على جبهات متعددة وبإمكانيات محدودة، بدأتْ الكفة ترجح تدريجياً لقوات الاحتلال التي استطاعت إخماد نار الثورة في ديالى والفلوجة وألحقت أضراراً كبيرة بقصفها الجوي على مناطق الفرات الأوسط وأخيراً استسلمت حكومة كربلاء المؤقتة، لتجنب اجتياح المدينة، خاصةً بعد أن تم قطع المياه عنها ولكن قوات الاحتلال لم تستسلم، فتحرّكت صوب سدة الهندية واحتلتها بعد مقاومة شديدة، ثم الكفل إلى أن وصلت على مشارف الكوفة حيث أمطرت طائراتها المدينة بوابل من القنابل. في اليومِ العشرين من تشرين الأول من العام 1920، قام وفد من النجف بالتفاوض مع القوات البريطانية لتسليم الثوار المحتجزين لديهم، فتمّ تسليم الأسرى ولكن في المقابل زحفت القوات البريطانية إلى النجف وحاصرتها، فلم يعد باستطاعة أحد الدخول والخروج منها إلا بجواز منها، واستمرَ الحالُ على ما هو عليه مدّة أشهر، عانى خلالها سُتونَ ألفاً من أهالي المدينة الجوعَ والعطش والمرض.

عسكرياً يمكنْ القول إن قوات الاحتلال هي التي ربحت المعركة، رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في مواجهة قوة غير نظامية من العشائر بسلاح بسيط ولكن من الواضح أيضا أن ثورة العشرين نجحت لأنها أجبرت الانكليز التخلي عن الكثير من مخططاتهم لتقسيم العراق، وأجبرَتْهم على إنشاء حكومة عربية بدل الحكومة البريطانية التي كانوا ينوون إدارة العراق أو تجزئته من خلالها. 

اترك تعليقا