فرانك فاريس وهبة عثمان -

تلبيةً منه للدعوة التي تلقّاها من مركز «بلسم»، وهو منظّمة غير حكومية تعنى بتقديم العناية التلطيفية المجانية في لبنان وبتدريب الممرضات والأطباء في هذا التخصّص الجديد نسبيًا، قدم دكتور فاريس إلى بيروت، في زيارةٍ هي الثانية له بعد زيارته الأولى عام 2001، بغية التوعية حول مفهوم العناية التلطيفية، استعراض برامج تدريب جديدة في هذا المجال، تقديم المشورة بشأن توسيع برنامج العناية التلطيفية الناشىء في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت والسعي إلى دمج العناية التلطيفية ضمن المارسات العيادية.

حول واقع، تطوّر وآفاق العناية التلطيفية، أجرت الشهرية المقابلة التالية مع دكتور فاريس ودكتور هبة عثمان، مؤسسة مركز بلسم وأولى الأطباء المرخّص لهم في ممارسة الطب التلطيفي في لبنان.

تحظى العناية التلطيفية باهتمامٍ متزايد في لبنان في الوقت الحالي. هلاّ قدّمت للقرّاء غير المطّلعين نظرة عامّة عن هذا التخصص الطبي؟

من منظوري، العناية التلطيفية هي مقاربة مكمّلة إلى حدٍّ كبير لمبدأ إدارة الأمراض وتعنى برعاية المرضى وعائلاتهم. محور اهتمامنا ينصبّ على مساعدة الأشخاص على التعامل مع حالة الحزن والاستياء التي ترافق المرض في مراحله المتقدمة بالإضافة إلى السيطرة على الأعراض المعقدّة كالغثيان وضيق التنفّس وتخفيف وتلطيف الآلام. مع تطوّر المرض، يصاب المرضى بالوهن الجسدي ويصبحون طريحي الفراش، ما قد يجعلهم يفضّلون الموت على العيش مع المعاناة الأليمة التي ألمّت بهم. كيف باستطاعتنا تحسين ذلك؟ دورنا يقضي بمساعدة المرضى على عدم الاستسلام وعلى الإيمان بأنّ هنالك دومًا أمور يمكننا القيام بها لمواجهة المرض، كما أنّنا نسهّل عملية اتخاذهم للقرارات المصيرية ونعزّز التواصل بين المرضى وعائلتهم.

في مقابلتنا السابقة مع د. عثمان منذ سنتين، لم يكن قد تمّ بعد الاعتراف رسميّا بالعناية التلطيفية كتخصّص طبي ولم تكن تشكّل جزءًا من سياسة الرعاية الصحية العامة. هل هناك أي تحوّلٍ اليوم في موقف الجهات الحكومية المعنية إزاء هذه المقاربة الطبية؟

التحوّل آتٍ. لقد التقينا المدير العام في وزارة الصحة العامّة، الدكتور وليد عمار، وتناول اللقاء المسودّة القادمة للسياسة الصحية العامة بشأن تطوير الرعاية التلطيفية في لبنان. والحقّ أن الدكتور عمّار هو من أبرز المناصرين لقضيتنا وجزء ممّا نقوم به، فالنقاش لم يتركّز على إذا ما كان يجب تبنّي العناية التلطيفية فحسب وإنما تناول السبل والإطار الزمني لذلك، خصوصاً على المستوى المالي. ما هي الآليات والنماذج الملائمة لذلك. وقد اقترح عليّ كثرٌ أن أعود لأعاون خلال الأشهر المقبلة على ايجاد النموذج المالي الأنسب والذي يصبّ في مصلحة وزارة الصحة العامة وشركات التأمين على حدّ سواء.

«نحن نسعى جاهدين إلى تضمين العناية التلطيفية في السياسة الصحية العامة والجهات الحكومية أبدت منتهى الدعم والتعاون في هذا الإطار وهي تؤمن بضرورة ذلك بقدر ما نحن نؤمن به. جميعنا يرغب في تحقيق ذلك ونحن بصدد النظر في السبل الممكنة لإحداث تغيير في نظام الرعاية الصحية»، أضافت د. هبة عثمان.

من حيث المبدأ، يُتوقّع من كلّ الأطبّاء تبديد الألم والمعاناة. ما الذي يميّز أطباء العناية التلطيفية عن غيرهم؟

نحن نتعاطى مع هكذا أعراض بصورةٍ دائمة. أنت محقّة. يمكن للأطباء إدارة الألم والغثيان وضيق التنفس بصورةٍ مباشرة. ولكن حين تتعقّد الآلام والأعراض، غالبًا ما تضيق بهم السبل لأنّ الأعراض تكون غير مألوفة لديهم. ونحن نركّز بشكلٍ رئيسي على ما هو خارج المألوف وعلى ما هو في غاية التعقيد والغرابة ونتقن كيفية معالجته.

ما هي التدابير الملموسة التي يمكن اتخاذها لدمج العناية التلطيفية ضمن الممارسة السريرية منذ البداية؟

ينبغي العمل على زيادة مستوى الوعي لدى الناس ومساعدتهم على إدراك قيمة التخصص التلطيفي والأسباب التي تجعله يضيف إلى سلامة المؤسسات الطبية. كما ينبغي إطلاع الناس على المعلومات المتوفّرة وفهم ما يحتاجه اللبنانيون. ومن ثمّ يأتي التثقيف والتدريب، فمهمتنا تقضي أيضاً بتثقيف الجسم الطبي والعاملين في القطاع الصحي حول الفرص والإحتمالات التي يوفّرها الطب التلطيفي. ولابدّ أيضاً من بعض التغييرات في السياسات المتّبعة، والتي شكّلت الغرض من تواصلنا مع الوزارة. وفي لبنان تحديدًا، هناك حاجة إلى ابتداع مقاربات جديدة لتمويل الرعاية الصحية. في الواقع هناك العديد من الخطوات المتوازية التي ينبغي علينا تنفيذها.

ساهمت النجاحات والتطوّرات التي شهدها الطب المعاصر في زيادة الأجل المتوقّع للحياة بشكلٍ ملحوظ، وهذا مفاده أنّ الناس باتوا أكثر عرضةً لمعايشة الأمراض المزمنة على فتراتٍ أطول، ومن هنا نوصي بضرورة العناية التلطيفية منذ لحظة التشخيص. أعتقد أننا بحاجةٍ إلى تعزيز إمكانات الجسم الطبي، فحتى أفراد هذا الطاقم غير واعين تمامًا لما يمكننا تحقيقه. هذه هي أهدافنا ويبقى أن ندفع بالجميع في نفس الاتجاه.

لدى معظم الناس، ومن بينهم الأطباء، تصوّر خاطىء بأنّ العناية التلطيفية تصبح مهمّة عند بلوغ شفير الموت أوحين تبلغ المعاناة أقصى حدودها. هذا هو النموذج الذي كان سائداً فيما مضى وللأسف، لا زال العديد من الأطباء لديهم هذا التصوّر. لكن المعلومات المتوفّرة اليوم تؤكّد على أنّ توفير العناية التلطيفية في المراحل الأولى من المرض يحسّن نوعية الحياة ويخفّف من معاناة المريض ويطيل بعمره. والحقّ أن العديد من الهيئات الطبية تعمد اليوم إلى نشر بروتوكولات وتوجيهات تشجّع على إحالة المريض إلى أطباء العناية التلطيفية في مستهلّ المرض. إن الخطوة الأولى تكون في إشراك الأطباء ولذلك أنا هنا اليوم أحاضر في دورة الجمعية الطبية لمنطقة الشرق الأوسط بحضور مئة مشارك ومهتم.

عند سؤالها أين ترى العناية التلطيفية في لبنان بعد خمس سنوات، أجابت الدكتورة عثمان قائلةً: «أنا في غاية التفاؤل. لقد كنت متفائلة منذ اللحظة الأولى لكن العمل مع فرانك هذا الأسبوع كان رائعًا وقد لمسنا تعاونًا وانفتاحًا وتشجيعاً من الجميع، إن من الجهات الحكومية الممثلة بوزارة الصحة أو من الجهات المؤسساتية من الجامعة الأميركية في بيروت. لدى الجميع اهتمام وحماسة وأنا أعتقد أنني بعد خمس سنوات، سوف أنظر إلى الوراء وأرى تحسّناً كبيراً في الخدمات وفي التوعية.» 

اترك تعليقا