أنطون سعد-المخابرات تحكم الدولة

الولادة والزواج

ولد في بلدة تولا الجبة (وهي بلدة صغيرة في قضاء زغرتا) في العام 1910 في أسرة متوسطة الحال. تزوج من السيدة برسيطة مخايل سعد (مواليد العام 1926) ولهما 6 أولاد وهم: العميد المتقاعد بسام، حنا، الياس، نها، ريتا و فؤاد.

الدراسة

درس في مدارس القرى المجاورة، وفي سن الـ 18 رغب أن يصبح راهباً، فانتقل إلى أحد الأديرة في بلدة الشبانية في جبل لبنان، لكنه سرعان ما اختلف مع رئيس الدير وعاد إلى طرابلس للدراسة في مدرسة الفرير.

الجيش

في العام 1930 تطوع في الجيش اللبناني في ثكنة عندقت في عكار وتدرج حتى رتبة رقيب في العام 1934 حين التحق بالمدرسة الحربية في حمص وتخرج منها في العام 1936 برتبة مؤهل، وفي العام 1937 رقي إلى رتبة ملازم. وتنقل في عمله في الجيش بين عدة قطاعات فعين في فوج القناصة الأول ثم في فوج الشرق (النواة لتأسيس الجيش اللبناني). ومن العام 1948 وحتى العام 1950 عين قائداً للسرية الأولى في فوج القناصة الثاني.

العلاقة مع الرئيس شهاب

كان تعرفه على اللواء فؤاد شهاب و الصداقة بينهما هو مفتاح الارتقاء إلى موقع المسؤولية في الشعبة الثانية، واللقاء الأول مع شهاب كان في المدرسة الحربية في حمص في العام 1936 حين مثل سعد أمام لجنة عسكرية لاجتياز امتحان بالرماية (وكان النقيب) شهاب أحد أعضائها. وقد خجل سعد من ذكر اسم بلدته (تولا) كونها صغيرة جداً وغير معروفة. واللقاء الثاني كان في ثكنة مرجعيون في الجنوب حيث حصلت حادثة هي شجار بين عسكري فرنسي وعسكري لبناني فعمد سعد إلى وضع العسكري اللبناني في السجن ونقل العسكري الفرنسي إلى المستوصف ما آثار غضب شهاب الذي طلب منه المساواة إما الاثنان في السجن أو في المستشفى فاستجاب ووضع الاثنين في المستشفى. واللقاء الثالث كان في معركة المالكية في العام 1948 في الحرب ضد إسرائيل.

الشعبة الثانية

هذه المعرفة و العلاقة مع شهاب (وكان قد أصبح قائداً للجيش) دفعته في نهاية شهر شباط 1952 إلى تعين النقيب أنطون سعد رئيساً للشعبة الثانية.

في إبان وجوده في الشعبة الثانية شهد لبنان العديد من الأحداث كان سعد صانعاً أو مشاركاً في الكثير منها،

منذ العام 1954 أعد أنطون سعد خطة لتنظيم الاستخبارات العسكرية استمزج فيها رأي مسؤولين في الاستخبارات الفرنسية وقد مهد لذلك بتوسيع مصادر المعلومات فلم تعد تقتصر على مخبريه الخاصين الذين يتقاضون رواتب شهرية، وإنما تعدتهم إلى أصحاب المصالح الحيوية العاملة في البلاد عبر مخبرين وصداقات مع رؤساء هذه المصالح. فبنى بذلك، تدريجاً، علاقات واسعة النطاق مع سياسيين لبنانيين وأثرياء وتجار وصناعيين ومصرفيين ورجال أعمال وأصحاب شركات ومؤسسات كبيرة، اتاح له موقعه المهم في السلطة اجتذابهم اليه وتحولهم مصدر معلومات له في مقابل خدمات وحماية كان يؤمنها لهم، خصوصاً بعدما عرف عن رئيس الشعبة الثانية أنه أقرب رجال النظام إلى فؤاد شهاب. معه بدأت الشعبة الثانية تدريجياً تتخذ وظيفتها الجدية.

في البداية اقتصر ملاك الاستخبارات العسكرية على عدد قليل من الرتباء لم يتجاوز عددهم 15 عسكرياً قسم منهم يذهب إلى المخيمات الفلسطينية لمراقبتها، وآخر لاستطلاع أي محاولة تجسس لمصلحة إسرائيل، ولم يتعدَ العمل الإداري التزام بعض التوجهات لدعم سياسيين مؤيدين لرئيس الجمهورية واستمالة الشارع إليهم.

واعتباراً من حزيران 1959 بدأ أنطون سعد يوسع ملاك جهاز الاستخبارات، واستحدث فروعاً للشعبة الثانية في المحافظات الخمس بعدما كانت قيادات المناطق العسكرية هي التي تتولى جمع المعلومات والاستخبار بالتعاون مع ضابط مفصول إلى الشعبة الثانية يعنى بالامن في هذه المحافظات. وما لبث أن منح الفروع صلاحيات أتاحت لهم استقطاب السياسيين والوجهاء وسائر الفئات بفضل تقديم المساعدات ورخص حمل السلاح. وعمد إلى ضم عدد من الضباط الأكفاء إلى الشعبة، تولوا إدارة الفروع في المحافظات.

بعد فشل محاولة انقلاب الحزب السوري القومي الاجتماعي التي قام بها ليل 30-31 كانون الاول 1961 قاد أنطون سعد انقلاباً آخر.

قرر رئيس الشعبة الثانية فتح صفحة جديدة في عملها بإحكام قبضة الجيش على الحياة العامة وإعادة بناء جهازها وتنظيم فروعه ليكون عيناً ساهرة أكثر على الأمن والاستقرار الداخلي، ولكن بإمكانات مالية أكبر. منذ ذلك الحين أدرك انه أضحى الرجل الذي لا يستغنى عنه. رفع شعار سد كل الثغر في جسم الطبقة العسكرية والسياسية اللبنانية، وتعين تالياً على الاستخبارات العسكرية أن تعرف ما حدث على الأراضي اللبنانية كلها وتواكب الحدث السياسي.

بذلك أحدث انتقالاً مهماً في عمل كان، حتى ذلك الوقت، يكثر في البحث عن الأخبار الصغيرة والعديمة الجدوى في الشارع شأن كشف من شتم رئيس الجمهورية أو انتقد الشعبة الثانية وتذمر من السلطة، إلى لعبة الاستقصاء وجمع المعلومات. قضى ذلك أيضاً بتعديل وجهة نظر الشعبة الثانية من دور الاستخبارات ، فباتت لا تكتفي بجمع المعلومات، بل راحت تعمل على تحليلها واستخراج أبعادها واستباق الحدث بغية تدارك نتائجه. فحوى شعار أنطون سعد “الأمن في المطلق”.

عنى ذلك له إخضاع كل ما يتصل بالصفة المطلقة للأمن للمراقبة، بحيث يحتمل هذا التعميم الاجتهاد الذي جعل مناخي السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة في صلب مفهوم الأمن ومقتضياته وشروطه. وهكذا أحكمت المخابرات قبضتها على الدولة والمجتمع ما ترك آثاراً وأحدث ردة فعل سلبية ترجمت لاحقاً بعد انتخابات العام 1970 بمحاكمة ضباط المخابرات وكف يديهم واعتبر البعض أن هذا الاجراء كشف لبنان أمنياً وعرضه للحرب الأهلية في العام 1975.

التقاعد

بقي أنطون سعد رئيساً للشعبة الثانية حتى انتهاء ولاية الرئيس فؤاد شهاب وعين في 27 آب 1964 قائداً لمنطقة جبل لبنان العسكرية في الجيش اللبناني وفي الأول من تموز 1971 أحيل إلى التقاعد بعد تمديد خدمته العسكرية سنة إضافية.

الكثير من الأسرار احتفظ بها سعد في منزله بعد تقاعده، ومع اندلاع الحرب اللبنانية وبعد اشتداد مرض الالتهاب الرئوي عليه أقدم على حرق وثائق ومستندات تلك الأسرار وتوفي في 26 حزيران 1977 عن عمر 67 سنة. 

اترك تعليقا