سلسلة الرواتب : تمويلها متوفر من دون فرض المزيد من الضرائب-بقلم أمين صالح

منذ انتهاء الحرب اللبنانية وبالتحديد منذ عام 1993 إلى الآن، لم تحظ الرواتب والأجور في القطاع الحكومي بالحد الأدنى من الاهتمام الحكومي.

وقد أصبح من المتفق عليه أن النفقات العمومية لم تعد ذات طبيعة استهلاكية وذات دور سلبي في الحياة الاقتصادية بل صارت ذات طبيعة إنتاجية تؤثر بصورة مباشرة على الدخل الوطني وذات دور إيجابي في العمل على توزيع الثروة وتحقيق مشروعات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تنمية الاقتصاد الوطني. لكن الحكومات اللبنانية ومنذ العام 1993 لم تلتزم أيّاً من قواعد الإنفاق العام ولم تحقق أيا ًمن أهدافه، وذلك وفقا ً لما هو ظاهر في موازنات الدولة وحساباتها المعلنة وغير المصادق عليها حتى الآن.

الإنفاق

وفقاً لحسابات الدولة المالية غير المصدقة لغاية تاريخه، فإن الإنفاق الحكومي منذ عام 1993 ولغاية العام 2011 بلغ 168589 مليار ل.ل منها 155411 مليار ل.ل. إنفاق استهلاكي (جاري ومستمر) ونسبته 92.2%، أما الإنفاق على البنى التحتية فبلغ 13178 مليار ل.ل. ونسبته 7.8% فقط. وهذا يفسر تراجع المرافق العامة الخدماتية ولاسيما الكهرباء والماء والصحة والتعليم والطرقات.

فوائد الدين العام

القروض العامة (الدين العام) هي من أهم مصادر الأموال غير العادية للدولة (إيرادات استثنائية) لكن الحكومات اللبنانية ومنذ عام 1993 لم تحسن اختيار القروض واستخدامها، بل إن سياسة الإقتراض العام أدت إلى نتائج كارثية اقتصادية إجتماعية ومنها :

أ- نمو الدين العام حيث بلغ لتاريخه حوالي 64.8 مليار دولار ما يساوي 150% من الإنتاج الوطني.

ب- نمو فوائد الدين العام حيث بلغت فوائده من العام 1993 ولغاية 2010 حوالي 69578 مليار ل.ل. وهي تشكل نسبة 45% من مجموع الإنفاق العام الذي بلغ لغاية 2010 ما مجموعه 154533 مليار ل.ل. وشكلت ايضاً هذه الفوائد نسبة 70% من واردات الدولة المحصلة عن ذات الفترة والتي بلغت 100870 مليار ل.ل. ويلاحظ أيضا ً أن هذه النسبة وصلت في بعض السنوات إلى 99% (السنوات 1997 - 2000 - 2001).

انخفاض الإنفاق الإجتماعي

إن الحكومات اللبنانية أهملت الإنفاق على الشأن الاجتماعي، حيث أن النفقات الحكومية على التربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والإسكان والثقافة والرياضة والإعلام لم تتجاوز 15% من الإنفاق العام إذ حسب المعلومات المتوفرة فإن الإنفاق الاجتماعي عن السنوات 2001 ولغاية 2005 ضمنا ً بلغ 6944 مليار ل.ل. من أصل 44749 مجموع الإنفاق العام.

إن هذا المستوى من الإنفاق الاجتماعي يثبت مسؤولية الحكومات عن فشل السياسات الاجتماعية المعتمدة.

الإنفاق على الكهرباء

لقد بلغت الأموال المدفوعة عن مؤسسة كهرباء لبنان لغاية العام 2010 فقط حوالي 12503 مليون دولار يضاف إليها حوالي 8500 مليون دولار فوائد هذه المبالغ ليصبح المجموع 21008 مليون دولار (21 مليار دولار أميركي).

إن الرواتب والأجور مع معاشات التقاعد تتنامى بشكل بطيء وبنسبة لا تتجاوز في بعض الأحيان 1% في حين أن نسبتها إلى الإنفاق العام تنخفض بإستمرار ومنذ العام 1993 حيث وصلت نسبتها إلى الإنفاق العام 33 % في حين كانت 46% عام 1993.

إن حجم الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد منذ عام 1993 ولغاية 2010 بلغت 49645 مليار ل.ل. في حين بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي 154533 مليار ل.ل أي ما نسبته 33% تقريبا ً.

إن رواتب الموظفين الدائمين والمؤقتين بلغت عام 2010 حوالي 2439 مليار ل.ل أي ما نسبته إلى إجمالي الإنفاق العام 17.5%، أما معاشات التقاعد فقد بلغت 1092 مليار ونسبتها 7.8% أي أن الرواتب الفعلية ومعاشات التقاعد التي تشكل القدرة الشرائية الحقيقية تشكل 25.3% من إجمالي الإنفاق العام الحقيقي.

إن انخفاض القدرة الشرائية للرواتب والأجور في القطاع العام يؤدي إلى انخفاض في الطلب الكلي على الاستهلاك ويكبح بالتالي حركة النمو الاقتصادي بل قد تؤدي إلى الانكماش الاقتصادي.

إن إجمالي مقبوضات الموظف تخضع للضريبة بينما يخضع للضريبة الربح الصافي الذي يحصل عليه التاجر أو الصناعي أو صاحب المهنة الحرة وسواء كان مكلفا ً على أساس الربح الحقيقي أو الربح المقطوع (مثلا ً : يخضع مبلغ 50% من إيرادات الطبيب للضريبة.

ويعفى 50% منها إلخ .... وتخضع إيرادات تاجر العقارات بنسبة 12 % منها فقط للضريبة.

إن التاجر أو الصناعي أو صاحب المهنة الحرّة يخضع لضريبة تصاعدية تبدأ بـ 4 % وتنتهي بـ 21 % وتخضع شركات الأموال للضريبة بمعدل نسبي قدره 15 % فقط .

يخضع الموظف في القطاع الحكومي للاقتطاعات التالية:

  • ضريبة دخل تبدأ بـ 2% وتنتهي بـ 20% على إجمالي مقبوضاته.

  • حسومات تقاعدية بمعدل 6% وتنتهي بـ 20% على إجمالي مقبوضاته.

  • حسومات لتعاونية موظفي الدولة بمعدل 3% وتنتهي بـ 20% على إجمالي مقبوضاته.

أمام هذا الواقع نقترح عدة إجراءات إصلاحية لمعالجة المشكلة:

إصلاح النظام الضريبي

  • يقتضي الوضع المالي في لبنان إصلاح النظام الضريبي بأركانه الثلاثة: السياسة الضريبية ، التشريع الضريبي والإدارة الضريبية، إن مقدار الاقتطاع الضريبي في لبنان بلغ عام 2010 حوالي 16 % من الناتج المحلي الإجمالي في حين بلغت هذه النسبة عام 1992 في فرنسا مثلاً 43%.

اعتماد الضريبة العامة على الدخل:

  • إن الاتجاه الحديث في الضرائب هو فرض ضريبة عامة تصاعدية على مجموع الدخل الإجمالي الذي يحصل عليه الفرد من جميع النشاطات الاقتصادية.

إصلاح الضريبة على القيمة المضافة :

  • زيادة معدل الضريبة على القيمة المضافة على السلع الكمالية إلى 15%.

إصلاح الضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة

  • رفع نسبة الضريبة على الفوائد من 5% إلى 15% على شطر الفوائد الذي يتعدى 20 مليون ليرة لبنانية سنويا ً.

  • إلغاء إعفاء التفرغ عن الأسهم وباقي الأوراق المالية من الضريبة وإخضاع الربح الناتج عنها إلى معدل 15%.

- البيوعات العقارية
- ضريبة التحسين العقاري
- خفض الغرامات (العقوبات المالية)
- تفعيل جهاز الجباية في وزارة المالية
- التشريع الضريبي

  • إن معظم القوانين الضريبية قديمة تعود إلى سنة 1944 و 1959، وبالتالي يقتضي إعادة صياغتها من جديد لإزالة التناقض فيما بينها والغموض التي يكتنفها.

- مكافحة التهرب الضريبي
- مكافحة الهدر في الإنفاق

  • إعداد نظام جديد لصفقات اللوازم والأشغال والخدمات في القطاع العام من شأنه مكافحة الاحتكار وزيادة الأسعار وإتاحة المجال للمنافسة أمام الجميع.

  • إلغاء كل الوظائف المستحدثة بطريقة غير قانونية / التوظيف بالفاتورة أو بالمياومة أو خلاف ذلك.

  • إلغاء الفائض من الموظفين أو توزيعهم على المراكز الشاغرة وفقا ً للشروط العامة للتوظيف.

- إلغاء المجالس والصناديق العامة
- تمويل المؤسسات العامة والخاصة والبلديات
- إدارة أملاك الدولة العامة والخاصة

أ - بالنسبة إلى الأملاك العامة البحرية المستثمرة من قبل الغير: تحديد بدل الأشغال السنوي بما لا يقل عن 5% من قيمتها البيعية منذ تاريخ اشغالها ولغاية تاريخه ، على أن يتم تقسيط المتأخرات ويقدر الإيراد السنوي الدائم والمستمر بما لا يقل عن مليار دولار أميركي مع إمكانية إرتفاعه بنسبة إرتفاع الأسعار.

ب- بالنسبة إلى الأملاك الخاصة ولا سيما مشروع ضبية الذي تملك الدولة فيه 667000 متر مربع لا يقل ثمن المتر عن 5000 دولار أميركي وتبلغ قيمته حوالي 3.5 مليار دولار وهي أموال مجمدة ويقتضي إستثمار هذه الأموال أما بالبيع أو بالتأجير.

الحاصلات من إدارات ومؤسسات عامة

إن الإيرادات من كازينو لبنان والمرافئ والمطار واليانصيب ومصرف لبنان لا تزيد عن 422 مليار ل. ل.أي ما نسبه 3% من إيرادات الموازنة. وهو مبلغ ضئيل جدا ً ولا بد من التدقيق في موازنات هذه المؤسسات وحساباتها للتأكد من حقيقة نفقاتها وإيراداتها وحصة الخزينة فيها، إذ على حد علمنا يوجد مبلغ لا يقل عن 400 مليار ل.ل. يشكل حصة الخزينة لدى مرفأ بيروت عن سنوات سابقة لم يحصل لغاية تاريخه.

هذه الإجراءات ستحقق عند تطبيقها إيرادات مالية كبيرة لا تقل عن 2 مليار دولار سنوياً وهو مبلغ كاف لتمويل كلفة سلسلة الرتب والرواتب من دون فرض المزيد من الضرائب والرسوم.

 

* أمين صالح: مدير المحاسبة العامة في وزارة المالية سابقاً والنقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان.

اترك تعليقا