الورقة البيضاء
واقع الأمر أن لبنان الذي تشكل إثر معاهدة سايكس بيكو قد انتهى وتكاد تنتهي أيضاً الكيانات الأخرى، بما في ذلك "الجمهورية العربية السورية". ونحن اليوم نشهد تحلل هذا الماضي وأوجاع وكوارث ولادة شيء ما.
والأمر الآخر أن النظام في لبنان أصبح غير قادر على الاستمرار بل سقط منذ زمن، واستمر فقط بقوة الدفع والقمع التي أنشأته. وهكذا يصبح الكلام عن قانون الانتخاب عبثاً ودجلاً وخارج الموضوع الأساسي.
لكن إذا أردنا التسلية فلنسأل:
-
حددوا لنا ما تسمّونه "مكونات المجتمع اللبناني"، هل كل من الموارنة أو الأرثوذكس أو السنة أو الشيعة هم عنصر واحد؟ هل حين ينتخب الشيعي الشيعي ينتخبه لأنه "شيعي" أو لأن هناك خيارات وضرورات معينة منها الأمان والمصلحة والخوف من المستقبل؟ وترى ما الذي يربط "الأرثوذكس" في الكورة بـ "الأرثوذكس" في مرجعيون؟ وهل حفريات وغبار ديناميت شركات الاسمنت هي همهم جميعاً؟ هل "داخون الذوق"، فخر الصناعة المارونية، فخر لكسروان فقط ولموارنتها تحديداً أم للبيئة في لبنان؟
-
ماذا تعني عبارة "صحة التمثيل"؟ وخاصةً للزوجة أم الزوج الشيعي الذي لن يتمكن من انتخاب زوجته السنّية إلا إذا اعتُبرت على "خانته". لعل في ذلك صحة لا نعرفها.
-
وفقاً للإحصاءات التي نشرت في العدد 47 من مجلة "الشهرية" في أيلول 2007 حول "تراجع الوطن الماروني وبروز السني والشيعي"، سيستمر عدد المسيحيين بالتناقص لتصبح نسبة المسجلين منهم أقل من 10%، أمّا المقيمون فمن يدري. أي قانون سيحقق "صحة" تمثيلهم آنذاك؟
-
هل حرمان السنّي في القبّة والمتحمس لانتخاب ستريدا جعجع يحقق "صحة التمثيل"؟ وماذا سيفعل "السنّي البيروتي"، الذي كان يستفزّه اسم "جان" على حاجز "المرابطون"، حين يُمنع من ممارسة نقاوة دمه العروبي بانتخاب نديم بشير الجميل؟
-
لماذا تغير قانون الانتخاب في لبنان 8 مرات منذ استقلال العام 1943؟
-
ماذا لو أُلغي مجلس النواب نهائياً واستبدل بمجلس أعيان أو أمراء كيانه سبعة زعماء؟
-
ماذا لو عُكست الآية وانتخب "المسلم" "المسيحي" والعكس؟
-
ماذا أنتجت المجالس النيابية منذ العام 1991 حتى اليوم والتي يبدو أنها عاجزة عن محاسبة حكومة واحدة أو إنجاز قانون تسوية الأملاك البحرية أو اعتبار حكومة ما مستقيلة لأنها ساقطة دستورياً لعدم إنجاز الموازنة العامة؟
-
ماذا لو أجريت الانتخابات سنوياً بحيث يستمر الدفع والقبض وتنشيط العجلة الاقتصادية؟
-
ماذا عن الذي شطب الطائفة من الهوية أو الذي لا يعتبر نفسه ابن طائفة ما وكيف تكون صحة تمثيله، وعدد هؤلاء هو حكماً أكثر من عدد الدروز أو الكاثوليك، ولماذا لا يعطون الحق الذي يعطى للطوائف؟
وحين لا يتجرأ زعيم واحد على القول: "أنا على استعداد لأن أخسر مقعدي في سبيل بناء بلد"، وحين يتحول "القومي" و"الشيوعي"، إلى ابن طائفة ومرتكب يساراً ويميناً وصعوداً ونزولاً، وحين تعجز جمعيات ما يسمى المجتمع الأهلي عن توحيد صفوفها وحين يكون "طموح المفكر"، أن يصبح زلمة متموّل أو أمير وحين يكبر الشباب دون أن يعرفوا لغتهم وتاريخهم نغدو جميعاً مهرجين على مسرح يحترق بممثليه ومشاهديه.
المسألة ببساطة هي أيّ بلد نريد وأيّ مجتمع نبني وليس الكلام عن "صحة التمثيل" غير الصحيح. إذا أردنا حروباً أهلية، وطرقات محفرّة وكهرباء غائبة ومدارس سائبة وأمراضاً سارية وأدوية فاسدة وارتكابات قانونية وطبية وهندسية وسياسية بهدف المال ونوعيات رديئة في البشر والحجر والبيئة فلنستمر بهذا العيش والدجل، أما إذا أردنا بناء الدولة أو "العبور إلى الدولة" فليكن الكلام عن "قانون خارج القيد الطائفي" كما هو مذكور في الطائف. ألسنا جميعاً "تحت سقف الطائف"؟ أو أعلنوا أنكم تريدون دستوراً جديداً وقولوا ما هو؟
إلى أن يتم التعامل مع الناس كمواطنين لا "كشلعة معزي" تكون الورقة البيضاء هي خيار من لا خيار لهم، بل خيار من يريد أن يرفع رأسه عالياً!
جواد نديم عدره
اترك تعليقا