عمليّة بساط الريح و

في البداية، تجدر الإشارة إلى أنّ هجرة اليهود من المغرب ولبنان اتخذت منحىً مختلفاً عن حركات الهجرة من البلدان العربية الأخرى، ففي المغرب، لم يسمح لليهود بمغادرة البلاد قبل العام 1961 أماّ في لبنان فلم تنشط هجرتهم إلا مع بدء الحرب الأهلية في السبعينيات وكانت باتجاه أميركا والبرازيل والمكسيك وفرنسا وكندا. لذلك من غير الدقيق الكلام عن “هجرة اليهود العرب” كحدثٍ فردي لأنّ العمليّة حصلت على فترات زمنية مختلفة ولأسباب مختلفة. في الجزائر على سبيل المثال، رحل اليهود هباً من الفوضى التي عمّت البلاد بعد استقلال العام 1962 والتي شكّلت تهديداً لهم وللمسيحيين على حدّ سواء.

يشكّل اليمن والعراق حالتين استثنائيتين أيضاً في تاريخ هجرة اليهود العرب. ففي اليمن، عرفت حركة الهجرة بعمليّة بساط الريح وصوّرت على أنّها عملية الخلاص من البلاء الذي كان يعانيه اليمنيون اليهود. في أحد الكتب الأخيرة حول هذه المسألة، يفيد أستير مئير غليتزنشتاين أن العملية تمّت بتخطيط وتنسيق بين إمام اليمن الشمالي، السلطات البريطانية، دولة إسرائيل ولجنة التوزيع الأميركية اليهودية المشتركة، وبالرغم من أنّها كانت عملية منّظمة سلفاً، بلغ عدد القتلى لدى وصولهم إلى المخيّم المحدّد في عدن إلى 700، أما المهاجرون المرضى الذين استقبلتهم اسرائيل لاحقاً فقدّروا بنحو 30 ألف شخص عجزت الدولة الاسرائيلية عن العناية بهم.

تحوّل ما كان يُعتقد على أنّه طريق الخلاص لليمنيين اليهود إلى رحلةٍ مريرة جرى استغلالها لمصلحة الدولة الفتيّة، والواقع أن اليمنيين المهاجرين الذين بلغ عددهم 50 ألفاً، لم يُقدموا على هذه الخطوة بملء إرادتهم، إذ كان قد جرى تنسيقها بين الجهتين اليمنية والاسرائيلية. يشير غليتزنشتاين إلى أنّ المسؤولية الكبرى تتحمّلها لجنة التوزيع الأميركية اليهودية المشتركة نظراً لإخفاقها في ترتيب الرحلات الجوية للمهاجرين، فتركت البعض منهم يتشرّدون في الصحراء كما أنّها توّرطت ببعض عمليات التهريب. كان الكنيست الاسرائيلي يتابع هذه العملية عن قرب وبالرغم من الشوائب التي تخلّلتها، تمّ تصويرها على أنّها خطة إنقاذ ناجحة.

في العراق، اتّضح أن العنف الذي أدى إلى فرار اليهود إلى اسرائيل كان بتخطيط من شبكة صهيونية سرّية. فبعد الانفجارين اللذين استهدفا اليهود في 19 آذار و8 نيسان، تمّ توزيع مناشير تدعو هؤلاء إلى مغادرة العراق، فسارعوا إلى مكاتب الهجرة للتخلي عن جنسيتهم ظناً منهم أن الاعتداء هو عمل إرهابي عربي. لكن تبيّن لاحقاً أن المناشيرجرى طبعها قبل الانفجارين في 16 آذار و8 نيسان على التوالي. ولم تقتصر العملية على الشبكة الصهيونية فحسب، إذ ثبت تورّط جهات يمنية واسرائيلية فيها أيضاً. وفي حديثه حول يهود العراق، يكشف الكاتب نعيم جلعادي عن أنّ رئيس الوزراء العراقي والجاسوس الاسرائيلي موردخاي بين بورات كانا قد تداولا في إمكانية بحث بعض الحوافز المالية مقابل إقرار قوانين تحظّر منح الجنسية العراقية لليهود قبل سنة من الانفجارين.

في كتابه “المسدّس وغصن الزيتون”، يروي الكاتب دايفيد هيرست كيف أدّت عملية اعتقال الاسرائيلي يهودا تجار في بغداد إلى اعتقال اسرائيليين آخرين أقروا أن الشبكة الصهيونية السرية كانت تسعى إلى ترويع اليهود العراقيين ودفعهم للهجرة لأن الحماسة التي تلت المحرقة اليهودية كانت قد بدأت بالانطفاء وكان لا بدّ من خلق دوافع جديدة لتحفيزهم على القدوم إلى اسرائيل. بعد موجة العنف هذه، تراوح عدد اليهود الذين بقوا في العراق بين 5 آلاف و 130 ألفاً.

إنّ الجهود الاسرائيلية لاستقدام اليهود المشرقيين إلى اسرائيل قد تكون نابعة من عدد من الدوافع أبرزها الحاجة إلى تلميع صورة الاسرائيليين في كيفية تعاطيهم مع اللاجئين إلى دولتهم على عكس المعاملة التي كان يلقاها الفلسطينيون في المخيمات بغية تعزيز إعجاب اليهود العرب بالحركة الصهيونة وبالتالي إنعاش حركة الهجرة إلى اسرائيل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. اليوم، لا يزال الإعلام الصهيوني عازماً على الترويج أنّ الظلم في البلاد العربية هو ما دفع اليهود العرب إلى الفرار طوعاً فكانت الدولة الاسرائيلية المتحضّرة والديموقراطية خير ملاذٍ وملجأ لهم. لا يمكن إنكار الأخطار التي كانت تتهدّد اليهود في البلاد العربية، لكن الادعاء أن هجرتهم كانت دوماً خياراً إرادياً فيه نوع من التضليل، لأنها كانت في معظم الأحيان نتيجة تواطؤ بين المنظمات الصهيونية واسرائيل وبعض القادة العرب. 

اترك تعليقا