تطهير العراق من مخلّفات حزب البعث

بدأ مشروع التطهير من نظام البعث في ظلّ سلطة الائتلاف المؤقتة حين صنّف حزب البعث كخارجٍ عن القانون ومُنِع أعضاؤه من تولّي الوظائف العامّة. في أولى حملات الإقالة، تمّ صرف 30 ألف موظّف من وزارات الدولة وقد تمكّن نصف هؤلاء من استرداد وظائفهم بعد تقديهم الطعون. في تشرين الثاني 2003، سلّمت سلطة الائتلاف المؤقتة هذه المهمة إلى مجلس الحكم العراقي الذي كان قد أسّس الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث. تولّى أحمد شلبي، أحد أشدّ الموالين لفكرة تصفية الدولة من بقايا البعث، رئاسة مجلس الحكم العراقي، فما كان منه إلا أن وسّع نطاق الحملة لتشمل أساتذة المدارس والموظفين التقنيين، وقد قدّر عدد المطرودين من وظائفهم في عهد شلبي بنحو 100 ألف موظّف.

في العام 2004، انتقلت مهمّة استئصال البؤر البعثية إلى الحكومة العراقية المؤقّتة. كانت القوى الأمنية العراقية قد بدأت بالوهن، فسُمح للأعضاء البعثيين غير المتورطين بأية جرائم والبعيدين إلى حدٍّ ما عن نظام البعث بالعودة إلى وظائفهم في هذه القوى. في البداية، لم يكن يتمّ التفربق بين من كان مؤيداً لصدّام ومن كان مؤيّداً للحزب، وكثرٌ ممن تعرّضوا للصرف لم يكونوا حتى منتسبين لحزب البعث. وقد نُظر للتبديل الذي حصل لدى استلام الحكومة العراقية المؤقتة الحكم كطريقة لإشراك السنة مجدّداً في الحياة السياسية إلا أن المحاولة باءت بالفشل بعد أن أفرزت أولى الانتخابات في البلاد أكثريةٍ شيعية.

استلم المسؤولون الشيعة زمام الأمور بعد أن كانوا قد حرموا لسنوات من السلطة في عهد صدام، فاستمروا في إزالة وتصفية كافة موظفي البعث. وقد شهدت هذه المرحلة بالذات بلورة النزاع الطائفي حين اتخّذت السلطة الشيعية الحاكمة إجراءات ضدّ مسؤولين سنّة سابقين. وحين بلغ الصراع الطائفي أوجه بين 2006 و2007، بذلت الحكومة مزيداً من الجهود لإبقاء السنّة خارج النظام السياسي الجديد. في العام 2008، أقرّ قانون المساءلة والعدالة بحقّ المواطنين بتقديم الطعون لكن مع ازدياد مطالبة البعثيين بإعادة دمجهم في النظام، شكّل هذا القانون مجرّد أداة لتعزيز الطائفية.

لقد تطوّر ما بدأ كمحاولة لإنقاذ البلاد من ديكتاتورية الحزب الواحد إلى صراع طائفي، فتمّ إقصاء السنّة عن الحكم وأصبح توحيد العراق مطمحاً صعب المنال. بالإضافة إلى ذلك، أدّت حملة التطهير من رجالات وأدوات حزب البعث إلى تجريد العراق من الطبقة الوسطى المثقفة وحرمان الأكاديميين والعلماء والباحثين من الوظائف العامة وتعريضهم لعمليات الاغتيال أو الهجرة.

مؤخراً، قام السنّة بعدد من المظاهرات في بعض المدن العراقية للمطالبة بتغيير قانون المساءلة والعدالة باعتباره مساهماً أساسياً في بطالتهم. يؤكد السياسيّون السنّة أن النهج المتبّع لإنجاز المرحلة الانتقالية قد خرج عن نطاق السيطرة ويتم استخدامه كأداة عبثية للتصفية والإلغاء. أما الشيعة، وبالرغم من إصرارهم على القانون خوفاً من عودة نظام البعث، إلا أنهم وافقوا على بعض التعديلات بعد تعاظم الضغوطات التي مارستها المراجع الدينية. يبقى أن نرى مدى فعاليّة هذه التعديلات وما إذا كانت فعلاً ستمهّد الطريق للمصالحة بين الأطراف المتنازعة. 

اترك تعليقا