تاريخ حزب البعث في سوريا

تأسس حزب البعث في العام 1947 على يد الأستاذ ميشال عفلق الذي اشتهر بقوميته العربية وباعتباره أحد الأركان الأساسية للفكر البعثي. كانت الأجواء مؤاتية حينها لاستقبال هذا الحزب، فتمكّن من كسب قاعدة شعبية واسعة لدى جيل متحمّسٍ لرؤية بلاده حرّة ومستقلّة عن أية تأثيرات أو تدخلات أجنبية. في العام 1953، توسّعت القاعدة الشعبية للحزب بعد أن تمّ دمجه مع الحزب العربي الاشتراكي، ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي فيما بعد. في العام 1963، وبعد الانقلاب الذي قام به حزب البعث في العراق، تولّت مجموعة من القادة العسكريين البعثيين، من بينهم حافظ الأسد، السلطة في سوريا. لكن لم يلبث أن تصدّعت العلاقة بين الجناح المدني والجناح العسكري في الحزب نظراً لافتقار الأوّل للتنظيم والوحدة التي يتسّم بها الثاني، فتمّ بالتالي إقصاء المدنيين عن القيادة الحزبية.

بين العامين 1966 و1970، ازدادت وتيرة المناقشات والجدالات الايديولوجية داخل صفوف الحزب، وكانت بمعظمها تتمحور حول التوجّه الذي ينبغي على البعث تبنّيه. في العام 1970، استولى حافظ الأسد على السطة بموجب حركة انقلابية عرفت بالحركة التصحيحية وشكّلت مفترقاً هاماً في تاريخ الحزب البعثي في السورية، فتبدّلت معالم الحزب وصورته الأساسية التي كانت تتمثل بمجموعة من القادة الأمناء الساعين إلى الحكم بعيداً عن الفساد والمفسدين. بالإضافة إلى ذلك، اتّسمت فترة ما بعد الانقلاب بالمزيد من التباعد والخلاف بين الجناحين المدني والعسكري.

انتقل حزب البعث إلى النمط البيروقراطي وفتح أبواب الانتساب أمام كافة السوريين، كما أنّه تمكّن، ضمن فترة وجيزة جداً، أن يصبح منصّة هامّة احتمى فيها الأعضاء من الملاحقات القضائية ووجدوا فرص عمل ومنح مدرسية، أمّا من كان مناهضاً للحزب وسياسته فكان يتمّ اجتنابه مباشرةً. مع حلول العام 1973 كان حزب البعث قد أصبح بموجب الدستور قائد الدولة والمجتمع. وهكذا، باتت المناصب الحكومية والعسكرية من نصيب أعضاء الحزب واتضّحت الفائدة من الانتساب إلى البعث أكثر فأكثر.

إلا أنّ توسّع الحزب لم يتحقّق من دون التحدّيات، ففي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تعرّض عدد من مسؤلي البعث العسكريين والحكوميين للعديد من الهجومات على يد الإخوان المسلمين الذين صعّدوا هجومهم إلى أن بلغ أوجه في تمرّد حماه في العام 1982، فما كان من الحكومة إلا أن استجابت بردٍّ وحشيٍّ قضى على حركة الاخوان، وبالرغم من عدم وجود رقمٍ قاطع ومحدّد، قدّر عدد الإصابات بين 10000 و20000 إصابة.

بعد هذه الهجومات، أفلح الحزب في فرض نفوذه في سوريا، وباتت السلطة متمركزة في أيدي دائرة من المستشارين والأقارب والعسكريين داخل الحزب، ما فضح المزيد من عيوبه، فالاشتراكية التي وعد بتحقيقها في مراحلة التأسيسية تحولّت فقراً وعوزاً وعجزاً في القطاع العام، ناهيك عن الفساد المستشري في صفوف ونفوس مسؤولي البعث.

بعد تولي بشار الأسد السلطة خلفاً لأبيه في العام 2000، حاول أن يروّج لنفسه صورة ودور القائد المصلح، فسعى إلى إنعاش الاقتصاد من حالة الجمود وتحقيق النمو عبر سياسات التحرير الإقتصادي. لكن الإصلاحات السياسية لم تكن على نفس الوتيرة، فعلى سبيل المثال، لم يتمّ تعديل الدستور لتغيير مكانة حزب البعث كقائد للدولة والمجتمع إلا في شباط 2012. أمّا اليوم، ومع قلق السوريين الواضح والهواجس التي تراودهم إزاء حقّهم في التعبير، يبدو وضع حزب البعث أكثر حرجاً من أي وقتٍ مضى، ويبقى أن نرى ما إذا كان سيبادر إلى تحقيق التغيير في المقلب السياسي وليس الاقتصادي فحسب بغية ضمان استمراريته في ظل العنف الذي يكتسح سوريا اليوم. 

اترك تعليقا