ميشال نوفل - التبنّي : كيفية التعامل مع الأطفال المتبنّيين
في الواقع، إن السريّة التي تكتنف عملية التبني كانت سبباً في تعزيز النظرة السلبية تجاه الأطفال المتبنين في الماضي، إذ كان يخشى هؤلاء من أن يتمّ اكتشاف أمرهم، لكنّ الوضع اختلف اليوم وباتت المسألة تناقش على نحوٍ أكثر انفتاحاً بين المتبنّى ومحيطه. لكن على الرغم من القبول الذي شوهد إزاء مسألة التبني مؤخّراً، ما زال هؤلاء يواجهون مصاعب متعدّدة مرتبطة باعتبار المتبني ووضعه.
إن أبرز التحديات التي تعترض الأطفال المتبنين اليوم هي مشاعر الرفض والتخلي التي يسبّبها لهم أهلهم البيولوجيون، والواقع أنّه ما من عمرٍ أو وقت معيّن تظهر فيه هذه المشاعر، لكنّها تكون غالباً مقرونةً باهتزاز الثقة بالنفس، فلدى الأطفال المتبنين نزعة إلى توجيه اللوم نفسهم وإلى عيوبهم ونواقصهم في محاولتهم لتفسير سبب تخلّي أهلهم عنهم. وإن الإحساس بالحزن والخسارة يجعل المتبنين يشعرون بالذنب والغدر تجاه من تبنّاهم، خصوصاً أن مناقشة صراعهم الداخلي ومأساتهم والتعبير عن أسفهم لفقدان أهلهم البيولوجيين قد يسبّب الغيظ لمن اختار أن يحتضنهم ويحبّهم ويرعاهم.
إن الانفصال عن جذورهم الأصلية يرسل الأطفال في مهمّة بحث عن هويّتهم الحقيقية، لكنّ افتقارهم للمعلومات الكافية حول خلفيّتهم البيولوجية والجينية يعقّد إمكانية الإجابة عن السؤال الجوهري: من أنا؟. وتزداد المسألة تعقيداً حين يكون الأمر مرتبطاً ببعض الحالات الطبية التي لا يمكن لحظها إلا من خلال الإطلاع على السجّل الطبي والجيني للعائلة. فقد يعاني الأطفال المتبنون من بعض اضطرابات النمو التي يكون تشخيصها أسهل في حال توفّر سجل طبي للعائلة. لكنّ البحث عن الأهل البيولوجيين ليس الحلّ الأمثل لهذه المشكلة، فاكتشاف الحقيقة قد يولّد الخوف لدى الأطفال ومن تبنّاهم على حدّ سواء ويمكنه بالتالي تهديد العلاقة فيما بينهم.
يلعب الأهل بالتبني دوراً أساسياً في تلطيف حدّة الصراع الذي يختبره أبناؤهم، ولذلك ينبغي عليهم السعي دوماً لنيل المزيد من المعرفة والمعلومات حول تجارب العائلات التي اختبرت التبنّي، فالاطلاع على الأبحاث العلمية وتجارب الآخرين يسهّل تعاطي الأهل مع أبنائهم وعملية البحث عن الجذور. بالإضافة إلى ذلك، إن الاستنجاد بالمعالجين وأصحاب الاختصاص من شأنه التخفيف من المشاعر السلبية كالذنب والقلق والخوف والكآبة التي يواجهها الأطفال. أما الخضوع للعلاج النفسي فهو أيضاً طريقةٌ فعّالة للتخلّص من الأعباء الخارجية التي تفرضها عملية البحث عن الذات وعن الهوية الأصلية، إلى جانب الانفتاح والتواصل وتوفير الدعم والمساندة في هذه العملية لمساعدة الأبناء على تخطّي مشاعر الذنب والخيانة تجاه أهلهم بالتبني.
عادةً ما يخشى الأطفال المتبنون اكتشاف جذورهم لأن هذه الجذور لا تكون بالضرورة منسجمة مع خلفية العائلة التي تبنّتهم، ولهذا، على الأهل التنبّه لعدم معاملة الأبناء بفوقية أو دونية لمجرّد أنهم يأتون من ثقافات مختلفة، كما عليهم عدم التظاهر بأنّ الطفل الذي تبنوه ينتمي للخلفية العرقية نفسها بل الاعتراف والاحتفاء بالتنوّع الثقافي الذي تحتضنه العائلة. وعوضاّ عن الارتباك لدى استفسار الغرباء عن هذه الفوارق الثقافية أوالعرقية، ينبغي على الأهل التعاطي بايجابية مع هذه المواقف وتقبّل وتقدير هذا الاختلاف لأنه دليل على الانفتاح والقبول المطلق وغير المشروط للآخر. وفي حال مبالغة البعض في التطفّل وطرح أسئلة فضوليّة، على الأهل الترفّع عن الإجابة على أيّ أسئلة قد تنتهك خصوصية أبنائهم.
ولتعزيز الحسّ بالانتماء لدى الطفل، ينبغي عدم التعريف عنه على أنّه متبنّى بل على أنّه الابن البيولوجي لأولياء أمره، لأنّ هذا من شأنه التعويض للطفل عن خسارته أهله الحقيقيين. كذلك الأمر، ينبغي ألا ينظر الأهل إلى التبني كخيار ثانٍ يتمّ اللجوء إله لعدم القدرة على الإنجاب أو لإنقاذ طفل فقير أو مسكين، بل عليهم الشعور بأن الحظ يلازمهم إذ قدّم لهم فرصة ضمّ ابن أو ابنة جديدة إلى كنف العائلة.
أخيراً، لا يخفى على أحد أن الأعباء التي ترافق التبني هي كثيرة وأنّها تطال الأهل والأطفال المتبنين على حدّ سواء، لكنّ انفتاح الأهل وتفهّمهم لما يمرّ به أبناؤهم ومرونتهم في التعاطي مع مسألة التبني كلها خطوات تساهم في تذليل كافة العقبات والعوائق.
اترك تعليقا