فنّانو سورية والثورة
قبل الحرب، كان الحراك الفنّي في سورية مدعوماً من النظام، شريطة ألّا يتمّ انتقاد الحكومة على نحوٍ واضحٍ وصريح، وعلى الرغم من الرقابة التي كانت تُفرض على الفنانين آنذاك، يبدو التشديد على التعبير الفني أكثر حزماً وصرامةً اليوم. فقد تصدّرت روايات التعذيب التي تعرّض لها فنانون سوريون معارضون للنظام عناوين الصحف، وفضحت الاحتقار السافر للفنّ ولأهميّة الحركة الفنيّة كوسيلة للتعبير عن مكنونات الفكر والحسّ الإنساني. على سبيل المثال، تعرّض رسّام الكاريكاتور السوري علي فرزات الذي كانت تربطه علاقة طيّبة نسبياً مع النظام قبل الثورة إلى هجومٍ مبرحٍ على يد مجموعة ملثّمة قامت بتهشيم أصابع يديه في العاصمة دمشق على خلفيّة رسمه الذي صوّر فيه بشار الأسد مجهداً وهو ممسك بحقيبة سفر محاولاً اللحاق بمعمّر القذافي. أمّا ابراهيم القاشوش الذي اشتهر لكونه مطرب الثورة وصاحب أغنية "ارحل يا بشّار" فقد كان مصرعه على أيدي النظام مثالاً آخراً على محاولات النيل من الفنّ، أمّا المؤلف الموسيقي مالك الجندلي، فقد تعرّضت عائلته للضرب المبرح في بيتها في حمص وتمّ نهب بعض ممتلكاتهم للانتقام من أداء الجندلي الداعم لمسيرة الثورة. أمّا مؤخراً، فقد قامت قوى النظام بالتعرّض للفنّان يوسف عبدلكي وجرى توقيفه على حاجزٍ في مدينة طرطوس ولا أخبار عنه منذ ذلك الحين.
لم تفلح التهديدات والتعدّيات المستمّرة في إسكات صرخة الفتانين وحملهم على العدول عن شجب العنف والحرب من خلال لوحاتهم ورسوماتهم وموسيقاهم. لكنّ الفوضى السياسية القائمة حالياً تترك مساحةً ضئيلةً لهكذا حراكٍ داخل سورية. لذلك، شكّلت المدن المجاورة في المنطقة كبيروت ودبي وأجزاء من أوروبا منصّات أساسيّة للفنّانين السوريين الذين غادروا هرباً من العنف والتنكيل. في مستهلّ الحرب، كان الفنّانون المتواجدون في المناطق الثائرة ينتقلون إلى دمشق لاستئناف عملهم في جوٍّ آمنٍ نسبياً، لكنّ تسارع وتيرة المعارك وتوسّعها جعلهم مصممين على مغادرة سورية نهائياً خوفاً على سلامتهم وسلامة لوحاتهم. يتخّذ الفنّ السوري اليوم من مدن العالم بدءاً من بيروت وصولاً إلى لندن ولوس أنجلوس مقراً له ومن الحرب والعنف موضوعاته الأساسية.
هكذا، تحوّلت موضوعات الرسومات وباتت كلّها تتمحور حول الهمجية والألم والخسارة والهزيمة وغيرها من العناوين التي تهيمن على عقلية ونفسيّة الشعب السوري أجمع، بالإضافة إلى رسومات أخرى تنادي وتطالب باللا عنف وبالوحدة الوطنية. إلا أنّ انشغال الشعب السوري بالحرب والضحايا أدّى إلى تراجع الطلب على المنتجات الفنية وإلى إقفال العديد من صالات العرض فبات جمهور هذه اللوحات غير سوريٍ بمعظمه. لا شكّ أنّ الاهتمام العالمي بالفن السوري المعاصر مرتبطٌ بالحرب الأهلية الدائرة هناك ولا بدّ من الإشارة إلى أن المتأثّرين مباشرةً بالثورة غير قادرين على تلمّس الرسالة التي يسعى أبناء بلدهم إلى نشرها للعالم، وهنا لابدّ من الإشادة بالجهود التي بذلت للاستمرار في تعزيز الحركة الفنية في المهجر على الرغم من التدمير الذي طال التراث الثقافي والمدن التاريخية التي كانت في صميم الحضارة السورية.
اترك تعليقا