زمن النهاية : موت السلطة الرابعة - جيفري سانت كلير وألكسندر كوكبرن
يركّز الجزءان الأوّلان من الكتاب الصادر عن كاونتر بانش، دار AK Press للنشر والتوزيع على صحيفتي واشنطن بوست ونيو يورك تايمز فيشيران كيف أنّ الانحدار في الأولى ابتدأ مع فضيحة ووترغايت في العام 1974 حين تجاوزت الصحافة نطاق التغطية والدور المنوط بها بأشواط. في هذه المرحلة، كان هناك اتّجاه جدّي نحو السيطرة على الصحافة، خصوصاً بعد تراجع الأرباح في السبيعينيات. في نهاية المطاف، بدأ الصحفيون يقبضون معاشات سخيّة وأصبح مصطلح “أميركا الأعمال” واقعاً ملموساً تمّ التسويق له كما ينبغي.
أمّا في شأن صحيفة نيو يورك تايمز، فيرى كوكبرن أنّها لم تعد حتى تستحقّ النقد، فترويجها للحرب في أفغانستان والعراق بناءً على ادّعاءات وغير مثبتة شكّل ضربةً موجعةً لمصداقيتها وأمانتها، خصوصاً أنّها ساهمت في فبركة الاعتقاد بوجود أسلحة دمار شامل في العراق. حتّى أنّ بعض المراسلين قاموا بتلفيق قصصٍ ورواياتٍ بغية التشجيع على الحرب، مثل جيفري غولدبرغ الذي قام بابتداع العلاقات المزعومة بين صدّام والقاعدة. في العام 2006، نشرت المجلّة افتتاحيةً اعتذرت فيها عن دورها في الترويج للحرب، لكنّ المقال لم يتضمّن أي أسماء بالصحفيين المسؤولين، وكما هي العادة مع الإعلام الأميركي ووكالات الاستخبارات الأميركية، كان كبش المحرقة بطبيعة الحال العراقي أحمد شلبي. ولكن هل يمكن إلقاء اللوم عليه فعلاً وتناسي أنّه لم يتمّ حتى التحقّق من صحّة إدعاءاته؟
في مقالٍ بعنوان “كيفيّة الترويج للحرب”، يمحّص سانت كلير في الدعاية التي تولّتها الحكومة الأميركية والإعلام الأميركي. وبغية إقناع الرأي العام بمسعاه، اعتمد الرئيس جورج بوش على سيكولوجيّة الخوف عوضاً عن تقديم أرضية قانونية له. أمّا كولن باول، وإدراكاً منه لأهمية دور الإعلام، فقد قام بتوظيف شارلوت بيرز وهي إحدى أبرز الشخصيات في مجال العلاقات العامة، بغية ما أطلق عليه “تصنيف سياسة الخارجية الأمبركية” وقد تمّ إنفاق 500 مليون دولار أميركي في مشروع بيرز بغية نشر الدعاية الأميركية في العالم الإسلامي. بعد بدء الحرب، أحكم البنتاغون قبضته على التغطية الإعلامية التي تصل الولايات المتحّدة من العراق وحاول ايقاف بثّ محطّة الجزيرة. وفقاً لسانت كلير، لقد “وقع الأميركيون ضحيّة عمليّة احتلال كانوا فيها عرضةّ لوابلٍ من التشويه والتحريف والخداع والأكاذيب.”
أمّا السياسة الداخلية، فلم تسلم هي الأخرى من عملية تجنيد الإعلام في خدمة فساد الحكومة، ويضيف الكاتبان عدداً من الأمثلة التي تكشف عن استهداف الإعلام الأميركي السافر لمجتمع السود. في مقاله المعنون “كيف يستخدم الإعلام السود لمعاقبة السود”، يشرح إشمائيل ريد كيف أنّ توظيف المذيعين السود قد يكون طريقةً أسهل لتمرير رسائل معيّنة كانت لتعتبر عنصرية في حالاتٍ أخرى.
لقد ألقى الطاقم الإعلامي الأميركي اللوم على الضحية فقام بتصوير السود على انّهم سبب المشاكل الاجتماعية التي تصيب أميركا. أمّا في مقالاتٍ أخرى، فقد سلّط الكتاب الضوء على بعض الممارسات كتجاهل الإعلام للعزل المتعمّد لأصوات السود في انتخابات فلوريدا وعلى التمييز في التعاطي بين ضحايا إعصار كاترينا السود والبيض.
فقدت السلطة الرابعة وفقاً لكوكبرن وكلير جزءاً كبيراً من مصداقيتها، تمامًا كما كانت الحال حين جرى تلفيق أكاذيب وفبركات ارتهن مضمونها بالجوّ السياسي والدعائي القائم بغية تشريع الغزو على العراق، ولعلّ الأمثولة التي يحاول الكاتبان إيصالها في هذا العمل هي عدم التسليم المطلق بمصداقية وشفافية أي كتاب أو إذاعة أو محطّة مهما كانت الظروف أو الأسباب.
اترك تعليقا