حنّا سعادة - المستضدّ النوعي للبروستات
يعرف هذا المستضدّ أيضاً باسم بروتين غاما المنوي وتنتجه الخلايا الظهارية لغدّة البروستات المسؤولة عن القذف المنوي. يقوم هذا المستضدّ بإذابة المني في الخثرة المنوية فيسمح للمني بأن يطفو بحرية، كما أنّه يقوم بحلّ مخاطيّة عنق الرحم فيسهّل ولوج السائل المنوي إليه.
يتواجد PSA في خلايا البروستات الحميدة بكميات أكبر من وجوده في بعض الخلايا الخبيثة، حتى أنّ بعض هذه الأخيرة لا يحوي هذا المستضدّ إطلاقاً. وعليه، فإن معدلات PSA لا ترتفع حكماً في حال سرطان البروستات، وإنّما السبب في ارتفاعه على نحوٍ شائعٍ هو تكاثر الخلايا الخبيثة وارتفاع إنتاجهم لل PSA مع الوقت.
في بادىء الأمر، كان فحص معدّلات PSA في المني يستخدم من قبل الطبّ الشرعي للتحقّق إذا ما كان الضحايا قد تعرّضوا للاغتصاب. اليوم، ما زال هذا الفحص معتمداً في الطب الشرعي إلاّ أنّ بروزه كمؤشّر محتملٍ لسرطان البروستات جعل ستانلي يجري بحثاً سريرياً أفضى إلى إطلاق فحص الـ PSA لرصد سرطان البروستات.
ولأنّ معدّلات PSA تكون غالباّ مرتفعة في حالات سرطان البروستات، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في العام 1986 على استخدام هذا الفحص لمراقبة تطوّر المرض لدى المرضى المشخّصين أساساً بسرطان البروستات، ولم تلبث أن اعتمدته كاختبار أمثل لتشخيص السرطان في العام 1994، ومنذ ذلك الحين والجدل يرافق دور هذا الاختبار وفعاليته في كشف السرطان.
في العام 2009، صدر بيان عن الجمعية الأميركية للمسالك البولية نصح الأطباء بالبدء باعتماد فحص PSA لدى من بلغ الأربعين من العمر، لكنّها لم تلبث أن بدّلت موقفها في العام 2013 نظراً لتنامي الأدلّة التي تبرهن العكس، وباتت اليوم تنصح بعدم إخضاع من هم دون الـ 55 عاماً أو فوق الـ 77 لهذه الفحص. أمّا الرجال بين 55 و69 عاماً، فإن القرار بالخضوع إلى هذه الفحص هو رهنٌ بخيار المريض على أن يتمّ إطلاعه أنّ واحداً فقط من 1000 رجلٍ ينجو من الموت بسرطان البروستات في حال خضوعه لهذا الفحص، وأنّ الأضرار الناتجة عنه والخزع والعلاجات التي قد يستجرّها عديدة وقد تتضمّن التبوّل اللا إرادي، والعجز الجنسي والنزيف والالتهابات وشعورٌ بالقلق قد يقلب الحياة رأساً على عقب.
لا يزال فحص PSA موضع جدلٍ اليوم نتيجة الآراء المنقسمة حوله. في حينٍ تتفق الجمعية الأميركية لأمراض السرطان والكلية الأميركية للأطباء مع الجمعية الأميركية للمسالك البولية في رأيها، ترفض الأكاديمية الأميركية لطبّ العائلة والهيئة الأميركية المختصة بالخدمات الوقائية USPSTF هذا الموقف، ويحذّران من فحص PSA أيّاً كان عمر المريض.
شاركت سبع دولٍ أوروبية في تجربةٍ لاختبار فحص PSA، وقد تضمّنت التجربة 160 ألف رجلٍ، أمنّت فنلندا نحو نصفهم. في فنلندا، وبعد 12 عاماً من المتابعة، انخفضت نسبة الوفيات انخفاضاً طفيفاً في المجموعة التي خضعت للفحص مقارنةً مع المجموعة التي لم تخضع له (0.4% مقابل 0.55%)، لكنّ معدّل الوفيات عموماً كان متطابقاً. من بين كلّ 1200 رجلٍ خضع للفحص، تمّ تفادي الوفاة بسرطان البروستات في حالةٍ وحيدة في حين تمّ رصد السرطان في 25 حالة. هذه المعلومات تعزّز الاعتقاد الشائع بأن لا أعراض تظهر لسرطان البروستات وبأن ما يتمّ إنقاذه من حياة بفضل الفحص محدود جداً ولا يبرّر الضرر الذي تسبّبه التشخصيات والعلاجات التي لا مفرّ منها.
ولأن الوفاة بسرطان البروستات تقع عادةً بعد 10 أو 15 عاماً من تشخيص المرض، هناك إجماعٌ على أن لا يوصف فحص PSA لمن لا يتجاوز عمره المتوقّع السنوات العشر. كما أنّ الجميع يؤكّد بأن الفحص يؤدي إلى تشخيصات وعلاجات مفرطة ولا يخفّض من معدّل الوفيات الإجماليّة، لكنّ معظم ممارسات الأطباء لا زالت تؤيّد إجراء الفحص ولا زال خوف المرضى من السرطان يدفعهم إلى التحيّز إلى رأي أطبائهم.
حكاية فحص PSA وما يرافقها من جدلٍ لا منتهٍ هي خير مثالٍ على انتصار العلم على العقيدة المتحجّرة وتفوّق البرهان على التحيّز، كما أنّها تبيّن أنّ الفحص ليس نافعاً على الدوام ويجوز أن تترتّب عنه أضرارا عديدة ما يستوجب إجراءه بحذرٍ شديد والابتعاد عن العشوائية في تطبيقه.
لن تتوقّف وظيفة فحص PSA في متابعة تطوّر مرض المصابين بسرطان البروستات، كما أنّ الفحص يساعد على اتّخاذ القرار المناسب حين يبيّن الفحص الشّرجي وجود عقدةٍ في البروستات، وفي هذه الحال، من المحبّذ إجراء هذا الفحص.
قد يؤدّي تضخّم البروستات الحميد هو الآخر إلى رفع معدلات PSA، شأنه شأن التهاب البروستات، سواء كان نتيجة عدوى ما أو احتقانٍ أو حتى صدمة. وفي هذا السياق، من المفيد التذكّر بأنّ تسمية المستضدّ النوعي للبروستات PSA هي مغلوطة لأن المستضدّ ليس خاصاً بالسرطان ولا بالبروستات. إن الـ PSA موجودٌ في العديد من الأنسجة والسوائل الأخرى داخل الجسم، كسائل قذف النساء والسائل المحيط بالجنين وحليب الثدي ومصالته، بالإضافة إلى سرطانات الرحم والرئة والكلى.
اترك تعليقا