مكتبة الملك آشوربانيبال : أقدم مكتبات التاريخ

يفيد المتحف البريطاني أنّ آشوربانيبال كان من الملوك القلائل الذين كانوا يهتمّون شخصياً بمجموعاتهم في ذلك الوقت، وكان آشوربانيبال يقول أنّه يتقن قراءة النصوص الأكادية والسومارية. وعلى الرغم من غزارة حملاته العسكرية وتوسّعه الإقليمي، إلا أنّ هذه الإنجازات لم تترك بصمةً من بعد وفاته كما المكتبة. حين تمّ اكتشافها، كانت المكتبة بمعظمها في حالةٍ سليمة وجيدّة علماً أنّها كانت تعرّضت للطمر من قبل الغزاة سابقاً، ويحكى أنّ مكتبة آشوربانيبال كانت الأكبر من بين مثيلاتها المعاصرة وواحدة من المكتبات القليلة اللتي صمدت حتّى يومنا هذا.

لا تكمن أهمية هذه المكتبة في محتواها التاريخي فحسب بل في مدى تنظيمها وفهرستها. كانت النصوص تنظّم في غرفٍ مختلفة وفقاً للفئات وكان يعلّق على مدخل كلّ غرفة لوحاً يشير إلى المواضيع والمحتويات الموجودة في كلّ غرفة. حضنت مكتبة آشوربانيبال النصوص على أنواعها، من تاريخية وجغرافية ودينية إلى النصوص الشعرية والخيالية والعلمية، كما أنّها تضمّنت نصوصاً تفصّل تحقيقات الجواسيس الذين خدموا المملكة ولائحة موسّعة بحكّام تلك الحقبة. قدّمت هذه الألواح منذ اكتشافها في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر إضافة معرفية هامّة لدراسة الحضارات القديمة، ومعظم هذه الألواح هي اليوم في حوزة المتحف البريطاني أو في دائرة الآثار العراقية.

من بين نحو 30 ألف لوح مسماريّ وجد في مكتبة آشوربانيبال، هناك 1200 لوح لا يزال ينتظر الدراسة. تعتبر «ملحمة جلجامش» واحدة من أبرز آثار المكتبة بالإضافة إلى ملحمة الخلق البابلية التي تعرف أيضاً باسم إنوما إليش. وتروي الأسطورة البابلية عن النشأة الأولى بأنّ الإله «مردوخ» قام بقتل «تيامات»، إلهة البحار والمياه، وكوّن العالم من جثّتها. أمّا الإنسان فقد تكوّن من دماء «كنجو»، ابن الإلهة «تيامات» الذي ذبح أيضاً على يد الإله «مردوخ» فسالت دماؤه وانصهرت مع الأرض لتشكّل الإنسان.

قامت جامعة الموصل، بالتعاون مع المتحف البريطاني، باستئناف مشروعٍ كانت قد أوقفته قبل غزو العراق عام 2003، بهدف تجديد المكتبة وحفظ ما تحمله من إرثٍ ومكانة تاريخية. والواقع أنّه بعد الدّمار الذي خلّفه الغزو الأميركي على التراث العراقي، بات الحفاظ على المتاحف والآثار والمكتبات وكافة الوثائق التاريخية حاجةً ملحّة تستحقّ حيّزا كبيراً من الجهد والاهتمام. قد يكون صعباً استرجاع ما خسره العراق من هويته التراثية خلال الحرب، لكنّ العبرة المستقاة من هذه التجربة توجب اعتماد مقاربةٍ جديدة لحفظ التراث وعدم حصر هكذا مبادرات في أوقات النزاع، وكذلك توفير الأمن لمنع عمليات التخريب والنهب والسلب. 

اترك تعليقا