شهر تشرين الأول - 13 تشرين الأول 1990 : السيطرة السورية الكاملة على لبنان
الوقائع السابقة
قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أمين الجميل في 23 أيلول 1988 جرت مفاوضات سورية-أميركية لاختيار بديل يخلفه فكان التوافق على نائب عكار مخايل الضاهر، لكن الزعماء المسيحيين المختلفين حول كل شيء (القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، الكتائب اللبنانية بقيادة الرئيس أمين الجميل، البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، قائد الجيش العماد ميشال عون) اجتمعوا ورفضوا هذا الخيار فكان التحذير الشهير للمبعوث الأمريكي ريتشارد مورفي في 18 أيلول، “مخايل الضاهر أو الفوضى”
في هذا الوقت كان الرئيس أمين الجميل يسعى لدى السوريين والأميركيين بدعم من فرنسا لتمديد ولايته سنة أو أكثر لحين الاتفاق على مرشح آخر لكن كل هذه الجهود باءت بالفشل، فعمد الرئيس الجميل قبل انتهاء ولايته بساعات قليلة في ليل 22-23 أيلول 1988 وبالاستناد إلى المادة 53 من الدستور اللبناني إلى تسمية قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً للحكومة لحين إجراء انتخابات رئاسية، وتعيين أعضاء المجلس العسكري وزراء في الحكومة. لكن الضباط-الوزراء المسلمين الثلاثة في هذه الحكومة أعلنوا استقالتهم . وأصبحت حكومة عون تحكم في المناطق المسيحية وحكومة سليم الحص المستقيلة في المناطق الإسلامية .
حرب التحرير والإلغاء
بعد ذلك في 14 آذار 1989 أعلن العماد ميشال عون حرب تحرير لبنان من الاحتلال السوري فاشتعلت الجبهات في بيروت والجبل بين الجيش اللبناني الموالي للعماد عون والقوات السورية والميلشيات المؤيدة لها. وفي بداية العام 1990 وقعت الحرب بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية على خلفية مواقف القوات المؤيدة لاتفاق الطائف و رفض عون لها هذه الحرب التي ألحقت دماراً كبيراً في المناطق المسيحية وأوقعت مئات الضحايا. أدت هذه الحروب إلى إضعاف قوات الجيش المؤيدة للعماد عون ولكن الخطوط الحمر المفروضة دولياً حالت مرحلياً دون اقتحام القوات السورية لمناطق سيطرة عون وإخراجه منها .
الفرصة:اجتياح العراق للكويت
وبعد ذلك أقر النواب اتفاقية الطائف وتم انتخاب النائب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية وبقى عون في قصر بعبدا معلناً نفسه رئيساً شرعياً للحكومة، في ظل هذه الأوضاع أقدم الجيش العراقي بقرار من الرئيس صدام حسين على اجتياح الكويت في الأول من شهر آب 1990 وشكلت الولايات المتحدة الأميركية، بغطاء من مجلس الأمن، قوات دولية وعربية لطرد صدام حسين من الكويت وانخرطت سورية بقيادة الرئيس حافظ الأسد في هذا التحالف الدولي والعربي ما وفر له الفرصة والغطاء لاجتياح مناطق عون، وهذا واحد من الأسباب المعروفة ولا شك أن هناك أسبابا وتسويات أخرى أتاحت هذا الاجتياح ووفرت له الغطاء وفي مرحلة معينة أيقن العماد عون أن إقامته في قصر بعبدا قد اقتربت من نهايتها فقال “العالم يستطيع أن يسحقني ولكنه لا يستطيع أن ينتزع توقيعي”. فكل الاتصالات المحلية والعربية والدولية التي أجريت مع عون لم تكن تهدف إلى إيجاد حل بل لدفعه إلى المزيد من التشدد والتصلب وعدم الاستسلام، لأنه كان يعتبر أن ما يعرض عليه هو استسلام و تسليم و ليس تسوية.
كما كان ميشال عون مقتنعاً بالإمكانيات العسكرية الكبيرة لدى أخصامه القادرة على اقتحام مناطق سيطرته لاسيما قصر بعبدا وسحقه، لكنه كان مقتنعاً ايضاً بصعوبة اللجوء إلى الخيار العسكري ففرنسا لم تسمح بسقوط لبنان بيد سوريا بغطاء أميركي كمكافأة أميركية للأسد مقابل مشاركته في حرب تحرير الكويت.
لذا فكل التقارير الميدانية التي كانت ترده عن حشودات ووضعية قتالية لم ترهبه أو تدفعه إلى تغيير رأيه وتليين موقفه، خاصة وأن السفير الفرنسي لدى لبنان رينه ألا كان يمده بالضمانات الكافية لترسيخ قناعاته باستحالة الحل العسكري .
الاجتياح وفقاً للرئيس الهراوي
في كتابه “عودة الجمهورية من الدويلات إلى الدولة” يروي الرئيس الأسبق الياس الهراوي عمليات التحضير لإنهاء “حالة العماد ميشال عون”
فيقول: “الثامن من آب 1990 عقد مجلس الوزراء جلسة غاب عنها الوزير وليد جنبلاط لوجوده خارج لبنان وقرر خلالها الموافقة على إنهاء حالة التمرد العسكري ووضع خطة عسكرية مشتركة مع السوريين وعرضها على المجلس الوزراء في أول جلسة يعقدها”
وفي التاسع من تشرين الأول 1990 عقد مجلس الوزراء جلسة لحسم موضوع إنهاء حالة العماد عون بعد موافقة الرئيس الأسد على ذلك مع رغبته تزويد الحكومة السورية كتاباً خطياً يطالب فيه لبنان رسمياً مساعدته في هذا العمل. استمرت الجلسة أربع ساعات ونصف وكان موقف رئيس الحكومة سليم الحص أنه لا يستطيع أن يتحمل إراقة نقطة دم واحدة وقرر عدم المساهمة في قرار القضاء على التمرد.
ويتابع الهراوي سرد ما جرى فيقول “قرر مجلس الوزراء تأكيد قراره السابق المتعلق بإنهاء حالة تمرد بعض الضباط و الجنود عسكرياًَ ووضع حد نهائي لحركة العصيان و التمرد التي يقودها القائد السابق للجيش و الطلب إلى القوات السورية المتمركزة في لبنان مؤازرة الجيش اللبناني في تنفيذ المهمة الموكولة وبسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية والتفويض إلى رئيس الجمهورية إعلام القيادة السورية العليا بمضمون هذا القرار”.
بعد جلسة مجلس الوزراء المضنية، اتصلت (الهراوي) بالرئيس الأسد وقلت له أن مستشاري فارس بويز سيحمل إلى دمشق القرار الذي تم الاتفاق عليه بيننا وأني حملته رسالة موجهة إليك سيسلمها إلى عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي إذا لم يسمح وقتك باستقباله شخصياً.(لكن الأسد استقبله شخصياً للتأكيد على أهمية الأمر)
وقد تم إعلام الهراوي بواسطة العميد غازي كنعان أن القيادة السورية حددت موعد الهجوم على قصر بعبدا ومناطق عون عند ساعة السادسة من صباح يوم السبت في 13 تشرين الأول، بينما كانت مفاوضات سرية تجري بين ضباط من قبل عون وضباط سوريين ما أشعر عون أن لا هجوم في القريب.
ويروي الهراوي أنه عند الساعة المحددة (6 صباحاً) لم تحصل أي تحركات فاتصل بقيادة الجيش و قائده العماد إميل لحود فأكد أن العملية في موعدها بعد ساعة والسبب أن التوقيت في سورية يختلف عن لبنان في ساعة (الساعة السادسة في لبنان هي الساعة الخامسة في سورية)
العملية العسكرية
وعند الساعة السابعة بتوقيت بيروت أغارت طائرة سورية على منطقة بعبدا وألقت قنابل على قصر بعبدا بينما كانت وحدات سورية تتقدم نحو القصر الذي بلغته عند الساعة الثانية عشرة ظهراً في وقت انتقل فيه العماد ميشال عون وعدد من مساعديه إلى السفارة الفرنسية في الحازمية طالباً اللجوء. وطلب العماد عون من قواته تلقي الأوامر من قيادة العماد إميل لحود، لكن هذا لم يمنع استمرار وحدات أخرى من القتال وحدثت معارك وحتى مجازر في عدة مناطق لاسيما في ضهر الوحش وسوق الغرب وبسوس ودير القلعة سقط فيها عشرات العسكريين اللبنانيين، كما اعتقلت القوات السورية مئات العسكريين والضباط ونقلتهم إلى سورية وتمكنت القوات السورية من إحكام سيطرتها على المناطق الخاضعة لسلطة ميشال عون وبالتالي أحكمت سيطرتها على كل لبنان ووجود الجنود السوريين في القصر الجمهوري في بعبدا كان أبرز صورة رمزية لهذه السيطرة السورية الشاملة والكاملة الأمر لم يحصل منذ دخول سورية إلى لبنان في العام 1976.
وهكذا بعد سبع مئة وخمسين يوماً غادر عون قصر بعبدا الذي حوله قصراً للشعب. ومكث في السفارة الفرنسية 320 يوماً ليغادر منفياً إلى فرنسا حتى 7 أيار 2005، تاريخ العودة إلى لبنان ويبقى السؤال في 13 تشرين أول هل اخطأ ميشال عون أم أصاب ؟ التاريخ قد يجيب.
اترك تعليقا