اللاعنف الغاندي واستقلال الهند

الحقيقة:

الحقيقة: يعود الفضل في تحقيق استقلال الهند إلى عوامل عدّة، أمّا نجاح خطاب غاندي اللاعنفي، فيبقى موضع جدلٍ نتيجة تحوّل العديد من الحركات المدنية إلى حركات عنفية. بدأ الصراع لنيل الاستقلال في الهند في أواخر القرن التاسع عشر مع المبادرة إلى إنشاء الجمعيات في جميع أنحاء البلاد وانطلاقة الحياة المدنية، أي قبل عودة غاندي من جنوب أفريقيا بفترة طويلة. لا شكّ أنّ وصول غاندي ساهم في تنظيم الحركة الوطنيّة الهنديّة وتوحيد قيادتها لكن من غير الممكن القول بأن السنوات التي سبقت تحقيق الاستقلال كانت خاليةً من العنف.

الواقع أنّ العديد من الحركات والإضرابات الشعبية التي قادها غاندي اتّخذت منحىً عنفيًا وأظهر الشعب نزعةً إلى استخدام القوّة. في نيسان عام 1919، دعا غاندي إلى إضرابٍ سلميٍّ مفتوح احتشد فيه سكان مدينة امريتسار للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين لدى الانكليز. فقام الجيش البريطاني بالردّ عن طريق مهاجمة إحدى التجمّعات الشعبيّة في المدينة الامر الذي أسفر عن مقتل 20 ألف هندي. وقد اعترف غاندي لاحقاً بأنّ الدعوة لهكذا إضراب من دون وضع الخطط البديلة كان خطاً فادحاً. وهكذا أصبحت التحرّكات تخرج عن سيطرته بصورة متكرّرة وغالباً ما كانت تنتهي بعمليات توقيف أو اشتباكات مع المسؤولبن.

عام 1942، أطلق غاندي حركة "إرحلوا عن الهند" التي تخلّى عنها لاحقاً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والتفاوض مع الانكليز على رحيلهم، إلا أنّ الإضرابات استمرّت من دونه. في نهاية المطاف، اضطرّ إلى القبول بتقسيم الهند على مضض بعد أن أدرك أن الانكليز لن يقبلوا بغير ذلك قبل منحهم الاستقلال. نتج عن التقسيم نشوء دولة جديدة للمسلمين هي باكستان، وأسفرت العملية عن خسارة الهند ثلث أرضها ومقتل مليون شخص.

بصرف النظر عن التداعيات الدموية لاستقلال 1947 والتقسيم، يؤكّد المؤرّخون أنّ هناك عوامل خارجية أساسية حملت الانكليز على إنهاء استعمارهم لا علاقة لها بحملة اللا عنف التي تبنّاها غاندي. فحجم مديونيّة بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية جعل الاستمرار في إدارة الشؤون الاقتصادية للامبراطورية أمراً في غاية الصعوبة. ناهيك عن أنّ الإنكليز كانوا يتعرّضون لضغوط أميركية كبيرة لإنهاء استعمارهم، وقد ساهمت هذه العوامل بإضعاف الدور الذي لعبه غاندي. 

اترك تعليقا