يتامى العراق

إن الاستحصال على معلومات دقيقة حول عدد الأطفال الذين تيتّموا بفعل الحرب يكاد يكون مستحيلاً، لكنّ اليونيسيف قدّرت العدد ب 800 ألف في دراسةٍ أجرتها عام 2011، على عكس السلطات العراقية التي تفيد بأن العدد يبلغ 3 ملايين يتيم، ومن المتوقّع أن يرتفع إلى 5 ملايين مع نهاية العام 2013. هذا الارتفاع المحبط في أعداد اليتامى يشكل أزمة اجتماعية بحدّ ذاتها خصوصاً أنّ سياسة حماية الأطفال لم تكتمل لدى الحكومة العراقية. وعليه، فإنّ 1 من بين 3 يتامى في المياتم العامّة يتعرّض للإساءات.

تصاعد عدد اليتامى والأولاد المتشردين بشكلٍ كبير بعد العام 2003 ويخشى أن يترجم ذلك تصاعداً موازياً في معدّلات الجريمة في المستقبل. والجدير بالذكر أن سوء الحال لا يقتصر على اليتامى العراقيين، فالعائلات العراقية هي أيضاً عاجزة عن رعاية هؤلاء إذ بات من الصعب إيجاد عائلات مستعدّة لإيواء اليتامى نظراً للضيقة الاقتصادية التي فرضتها سنوات العقوبات والحرب على المجتمع العراقي أجمع، إلى حدّ باتت إعالة يتيمٍ واحدٍ تشكّل عبئاً ثقيلاً على كاهل العائلات العراقية. لذلك، عمدت الحكومة إلى تخصيص رواتب شهرية للمنازل التي تسقبل اليتامى في كنفها بغية تغطية الحاجات الأساسية لليتيم.

إن الخيار الأنسب يبدو احتضان العائلة الموسّعة للولد اليتيم ، لكن نظراً لانتشار ممارسات التأديب العنفية، فإن إرسال الأولاد إلى أقارب لا يملكون الإمكانات المادية لإعالتهم من شأنه أن يعرّض هؤلاء إلى الإهمال أو الإساءة. وتفيد اليونيسف أنّ 80% من الأولاد بين عامين و14 عاماً هم عرضة للتأديب العنفي وواحد من بين ثلاثة يتلقّى العقاب الصارم. أمّا الإناث، فواحدة من بين خمسة يفرض عليها الزواج بين 15 و19 عاماً.

في ظلّ الاضطرابات والفوضى السياسية الموجودة في العراق، من المرجّح أن يشكّل العدد المتزايد من اليتامى المقبلين على سنّ المراهقة أزمةً أمنيّة كبيرة. فغياب الفرص المتاحة أمامهم يجعل منهم فرائس سهلة للمنظمات الإرهابية ويسهّل انخراطهم في صفوفها. إنّ التجارب العصيبة التي عايشها هؤلاء واختبار بعضهم لحالات متطرّفة من العنف قد تخلق لديهم نزعةً لاعتماد العنف أيضاً. وفي حينٍ يلاحَق الفتيان من قبل المجموعات الإرهابية، يُفرَض على الفتيات ممارسة البغاء أو الزواج المبكر، ما يستدعي تدخّلاً فورياً من قبل الحكومة والمنظمات غير الحكومية لوضع حدّ لهذه التعسّفات بحقّ الأولاد.

حتى الآن، لا تزال الحكومة العراقية منشغلة في مواجهة التحديات الطائفية التي تكبّل العراق، ما فرض وضع التشريعات اللازمة لحماية الأطفال جانباً، مع العلم أنّه كان ينبغي بهذه التوترات الطائفية تعجيل عملية إيجاد الحلول لمشكلة اليتامى لمنع تورّطهم في دوامة العنف والجرائم. إذا كان العراق يصبو إلى تحقيق الاستقرار السياسي، فإن الاستثمار في الموارد البشرية الشابة يبدو خطوة ملحّة في هذا الاتجاه، لأنّ الاستهتار في تقدير التهديدات التي فرضتها الحرب على الأولاد العراقيين من شأنه خلق آثار عكسية في المستقبل. 

اترك تعليقا