الولايات المتحدة الأميركية والقومية العربيّة -  بوني سوندرز

تستهلّ سوندرز كتابها الصادر عن دار Praeger للنشر في كانون الثاني من العام 1996، بحديث ثاقبٍ عن تاريخ المنطقة وسورية، تسلّط فيه الضوء على الاضطراب السياسي الذي ساد في هذا البلد قبل العام 1953. مع اختلاف الحكومات التي توالت إلى السلطة خلال تلك الفترة، كان لدى الولايات المتحدة إصرار على الحدّ من انتشار الشيوعية والدفع باتجاه سلامٍ مع إسرائيل، فحاولت إدارة آيزنهاور إقناع السوريين بضرورة حلٍّ منصفً للصراع العربي الاسرائيلي، لكن الشيشكلي عبّر عن رفضه لأيّ مساعدةٍ أميركية خوفاً من العلاقة الوثيقة التي تجمع أميركا باسرائيل وسعيهما لإعادة توطين الفلسطينيين، حتّى أنّ الشيشكلي دفع منصبه ثمناً لهذه القضية. أمّا المساعدة الأميركية، فكان ينظر إليها كتهديدٍ للسيادة وطريقة لرشوة الحكومات العربية لقبول السلام مع إسرائيل.

تنامت حركة التجارة بين سوريا والاتحاد السوفييتي بين العامين 1954 و1956، وهي مرحلةٌ واصلت الولايات المتحدة خلالها انتقاد حرية التعبير التي منحتها الحكومة للشيوعيين. وتفيد سوندرز أنّ الأميركيين كانوا يعتزّون بحرّيتهم حينها إلا أنّه «كان من الصعب منح هذه الحريّة لمن كان على خلافٍ جوهريٍ مع السياسة الأميركية» (36). وتكمن أهمية كتابها في شرحها لمحاولات أميركا المختلفة تحقيق حكومة مناهضة للشيوعية في سورية بين العامين 1955 و1957 على الرغم من السريّة التي ما زالت حتى اليوم تحيط بالوثائق المرتبطة بهذه المحاولات.

على الرغم من وقوف الحزب السوري القومي الاجتماعي وراء عملية اغتيال عدنان المالكي عام 1955، كانت المفارقة في تأييد الولايات المتحدّة للحزب في مخطّطه. طالب الرئيس هاشم الأتاسي حينها العراق بمساعدته لتعزيز الجيش ومنع السيطرة الشيوعية، ولمّا عرض نوري السعيد فكرة التدخل العراقي في سوريا على الولايات المتحدة وبريطانيا، عورض هذا الخيار على أنّه شكل من أشكال التعدي. أمّا في لبنان، فقد اقترح وزير الخارجية اللبناني شارل مالك على الولايات المتحدة التعاون مع الجهود الرامية إلى درء تهديد الشيوعية داخل سورية، لكنّ محاولاته باءت بالفشل هي الأخرى. فعمدت وكالة الاستخبارات الأميركية والاستخبارات السرية البريطانية إلى تنفيذ عملية Straggle في العام 1956 والتي حاولت الاستخبارات السرية البريطانية من خلالها إنشاء حكومة موالية للغرب، بمساعدة عسكرية عراقية، في حينٍ حاول الأميركيون التواطؤ مع السياسي السوري المحافظ ميخائيل إليان، لكنّ هذا الأخير اتّهم الولايات المتحدة بالخيانة بعد حادثة السويس واسحب من هذا المخطّط.

في تمّوز من العام 1957، أُحبط مخطّط انقلاب بتصميمٍ استخباراتي أميركي نتيجة رداءة في التنفيذ، وقد أدّى انكشاف هذا المخطّط إلى سخطٍ واسعٍ في سورية ساهم في تقريبها من الاتحاد السوفييتي الذي دافع عنها جهاراً.

في العام 1958، قامت مصر وسورية بإعلان الجمهورية العربية المتحدة التي وضعت حداً للتدخل الأميركي. وقد ساهم ذلك، إلى جانب الأزمات في لبنان والعراق، في دفع الولايات المتحّدة إلى إعادة النظر في مقاربتها للقومية العربية. فسياسة عبد الناصر والانقلاب في العراق ومحاولة الانقلاب في لبنان جعلت ايزنهاور يعتقد بأن عبد الناصر يعتزم إخضاع المنطقة للسيطرة السوفيتية. وقام مناصرو الشيوعية في العراق بتعزيز نفوذ الاتحاد السوفيتي في العراق. وعلى الرغم من الخلافات، استمرّ الدعم السوفياتي للجمهورية العربية المتحدة، لكنّ سورية انفصلت عنها في العام 1961 وعادت القومية السورية لفرض نفسها من جديد.

بعد العام 1961، استمرّت سورية في تلقّي الدعم من الاتحاد السوفييتي واستمرّت الولايات المتحّدة في تضخيم أخطار وتهديدات الشيوعية في المنطقة، لكنّ ما غفلت عن رؤيته هو أنّ التهديد الحقيقي للدول العربية كان مصدره اسرائيل، الأمر الذي جعل المحاولات الأميركية تبوء بالفشل نظراً لمفهومها السطحي لنسيج الشرق الأوسط. كلّ هذا وأكثر تبرهنه سوندرز من خلال تحليلها للرسائل والمستندات ووثائق الأمم المتحدة، لتضيف أنّ مجرّد الإطلاع على مكوّنات التدخّل الأميركي كافٍ للإظهار بأنّ فهم أميركا للقومية العربية أدّى إلى تشويه علاقاتها بالدول العربية عوضاً عن تحسينها. 

اترك تعليقا