ربيعٌ نسائيٌ أقل زهواً

إن التغيير الأبرز الذي شهدته البلدان العربية تمثّل في نشوء حكومات جديدة في الأنظمة الاستبدادية، لكن يبدو أن هذه الحكومات ذات الأكثرية الإسلامية اختارت تبني أشكال جديدة من المحافظة الاجتماعية، وشكّلت إمكانية العودة لقوانين الشريعة الإسلامية مصدر قلق لدى الناشطين في مجال حقوق المرأة. ففي مصر على سبيل المثال، قرر العسكريون بعد سقوط مبارك إزالة الكوتا النسائية المتمثلة ب 64 مقعداً نيابياً في البرلمان، وهكذا، باتت حصة النساء من البرلمان لا تتجاوز 2%. كما قام البرلمان الجديد الذي لا يزال يناقش احتمال العودة إلى الشريعة بالتطرق إلى إمكانية تخفيض السن القانوني للزواج من 18 إلى 14 سنة.

تونس هو البلد العربي الأكثر تقدّماً من حيث القوانين التي ترعى شؤون المرأة وتحميها. ووعلى ضوء وصول أكثرية إسلامية إلى البرلمان في تونس، أسس الناشطون الحقوقيون جبهة 24 أكتوبر لحماية تلك الضمانات القانونية في صالح المرأة. أكد حزب النهضة مراراّ وتكراراً أنه لن يشكّل عائقاً في وجه إنجازات المرأة، انطلاقاً من وعيه لأهمية الإحاطة بحقوق المرأة والإنسان في تسريع عجلة السياحة. إلى تاريخه، لم يقم الحزب بأي مبادرات لجعل الشريعة جزءاً من الدستور التونسي.

للأسف، لا يشكّل النموذج التونسي القاعدة في سائر البلدان العربية، وهنا تبرز أهمية بعض رجال الدولة في إدارة بعض المسائل وتغيير وجهتها. وبالرغم من التغيير الذي شهدناه، لا تزال القيم الأبوية والعشائرية في مجتمعنا تضيّق الخناق على المرأة، ولعلّ أحد العوامل التي تدخل في هذه المعادلة هو أن معظم النشاط المقرون بحقوق المرأة في العالم العربي كان مرتبطاً بالأنظمة التي أسقطت.

فقد أطلقت بعض السيدات الأوائل في الأنظمة السابقة أو الحالية مبادرات هامة في هذا الإطار. فالسيدة أسماء الأسد والملكة رانيا كانتا سباقتين في تطوير حقوق المرأة، أما السيدة ليلى بن علي، سيدة تونس الأولى سابقاً، فقد كانت رئيسة منظمة المرأة العربية، وفي مصر قامت السيدة سوزان مبارك بإدارة جمعيات عديدة تعنى بحقوق المرأة وكانت تسعى دوماً للضغط من أجل إقرار تشريعات تحمي النساء وأهمها منع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. كل هذا، يجعل من قضية المساواة بين الجنسية، قضيةً شديدة الترابط بممارسات تلك الأنظمة التي باتت اليوم موصومةً بالعار ومكروهةص من شعوبها. لذلك، لا عجب أن تقوم الحكومات الإسلامية الجديدة بإجهاض الخطوات التي حققتها الأنظمة السابق، لأن ذلك يصبّ في مصلحتها.

وبالرغم من مشاركة النساء الملفتة في المظاهرات التي جرى حشدها من تونس إلى اليمن، قد لا تثمر هذه المشاركة المنافع المرتقبة. فالتمثيل الأنثوي في برلمانات ما بعد الثورة كان محدوداً جداً، ويُخشى أن يكون وضع المرأة على شفير التدهور في ظل الايديولوجيات السياسية الناشئة حديثاً والتي قد تفرز نظاماً اجتماعياً محافظاً. لكن من غير الممكن تجاهل مكانة وأهمية الديموقراطية الاجتماعية. إذا اختارت الحكومات المنتخبة ديموقراطياً إدخال حكم الشريعة، وهو حكم عادة ً ما يتقنه رجال الدين الذكور، فهذا لا يعني بالضرورة إقصاء حقوق المرأة، ويمكن تطوير ونشر هذا المنطق من خلال التربية والتعليم ومن خلال معرفة أوسع وأعمق لجوهر الفقه الإسلامي بين النساء، بغية إضافة مفاهيم جديدة للإسلام إلى الوسط السياسي.

اترك تعليقا