تداعيات الأزمة السورية تطال الاقتصاد

لا بدّ من الإشارة إلى أنه من الصعب الحصول على أية معلومات حول الاقتصاد السوري نظراً لسيطرة النظام المحكمة عليها وتحديده لما يجوز أو لا يجوز البوح به. لكن التقديرات تشير إلى أن معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي في سوريا للعام 2011 بلغ -2%، علماً أن البنك الدولي يرجّح المزيد من التراجع بنسبة 6.4%. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 51.06%، وترافق ذلك مع تراجع في الاحتياطي النقدي إلى نحو النصف، فقام المصرف المركزي بالتدخل عبر احتياطي العملة الصعبة لدعم الليرة السورية، رافعاً معدلات الفائدة على الودائع بالعملة المحلية. هذا من شأنه تشجيع الناس على إبقاء أموالهم في المصارف المحلية والاستمرار في استخدام العملة السورية.

بعيداً عن الأرقام، تنعكس رداءة الوضع الاقتصادي من خلال صعوبات ملموسة يواجهها الشعب السوري. فبعد تزايد الاستثمار في قطاع السياحة وارتفاع عائدات هذا القطاع وحده إلى 8 مليارات دولار عام 2010، تراجع توافد السياح إلى سوريا بنسبة 41% عام 2011 ومن المرجح أن ينخفض بنسبة 25% إضافية عام 2012 (marketresearch.com). فضلاً عن ذلك، تشهد مختلف أنحاء البلاد نقصاً شديداً في الوقود ما يؤدي إلى انقطاعٍ في التيار الكهربائي لعدة ساعات في اليوم، حتى في العاصمة دمشق حيث يشتكي السكان من تأثير الظلمة على سير حياتهم. أما أسعار الأطعمة، فقد بلغت أعلى معدّلاتها مع تسجيل معدّل التضخم 7% عام 2011. ولا يقتضي الأمر على الأزمة المحلية بل تأتي العقوبات الدولية المفروضة على سوريا كي تزيد الطين بلّة.

لم تنحصر الآثار الاقتصادية التي سببتها الأزمة السياسية في الداخل السوري بل تخطته لتطال البلدان المجاورة، خصوصاً لبنان والعراق وهما شريكان أساسيان لسوريا في التجارة. وقد تراجعت حركة الصادرات والواردات مع هذين البلدين بشكلٍ ملحوظ، ففي حال العراق، تعيق الاشتباكات الحاصلة على الحدود السورية منفذ العراق الوحيد على موانىء البحر الأبيض المتوسط. أما في لبنان، فيتم استيراد الكثير من المواد الزراعية من سوريا، وبالرغم من أن معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان ليس بنفس السوء المسجل في سوريا، إلا أنه لم يتجاوز 2% في 2011 ومن المقدّر أن يتراوح بين 1% و3% عام 2012.

بالإضافة إلى تأثيرها على الحركة التجارية بين لبنان وسوريا، أدّت الأزمة إلى انخفاضٍ في موجودات فروع المصارف اللبنانية الموجودة في سوريا ب 400 مليون دولار أميركي (حسب تقرير مصرف بيبلوس الصادر في 12 تشرين الثاني 2012 بعنوان “لبنان هذا الأسبوع”). يرجّح البعض استمرار هذا الانخفاض مع دوام الأزمة، والجدير بالذكر أن المصارف اللبنانية ناشطة في سوريا لكنها ملزمة بالعقوبات الدولية التي تفاقم خسارتها مع تجميد المزيد من الأصول.

كان للسياحة اللبنانية أيضاً حصتها من الخسائر، إذ يشير تقرير “لبنان هذه الأسبوع” إلى أن عدد السياح في الأشهر العشرة الأولى من عام 2012 قد تراجع بنسبة 15.8% مقارنةً بالفترة نفسها العام الماضي، وقد تراجع تلقائياً عدد المسافرين براً إلى لبنان، فيما فرض توافد اللاجئين السوريين على الدولة تغيير كيفية إدارتها لمواردها بغية استيعاب هذه الأعداد الكبيرة والتأقلم مع هذا الوضع الجديد.

على مستوى المواد الأساسية التي تستهلكها عادةً العائلات ذات الدخل المنخفض، فقد حرصت الحكومة إلى ضمان استقرار أسعارها، لكنّ هذه الخطوة لا تحلّ المعضلة لأن سقف الأسعار تمّ فرضه على حساب احتياطي العملات الأجنبية الآخذ بالنخفاض أيضاً وفقاً للاحتياطي النقدي. قامت الحكومة بإصدار المزيد من العملة بغية تحسين السيولة، لكنّ هذا قد يترتّب عنه نتائج عكسية مع انخفاض سعر صرف الليرة السورية إلى 71 أمام الدولار، مقابل 47 ليرة في السابق، ما ينتج عنه المزيد من التضخم. إن اتباع سياسة اقتصادية سليمة أمرٌ في غاية الاهمية في ظل حاجة النظام إلى التجاوب مع شعبه، لكن مع توسع الأزمة إلى ما بعد البُعد السياسي يخشى أن يأتي التحسين متأخراً.

اترك تعليقا