شهر كانون الأول - القائمقاميتان أو تقسيم لبنان
ظروف إنشاء القائمقاميتين
تاريخ جبل لبنان هو عبارة عن صراعات دائمة بين المسيحيين وتحديداً الموارنة والدروز للوصول إلى هدف وحيد لمن تكون السيطرة والحكم في الجبل، وكانت أدنى وأتفه الحوادث سبباً لاندلاع حروب ضخمة تسبب سقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح ودمار كبير وتهجير للسكان. وللتدخلات الخارجية لا سيما منها التدخلات العثمانية- البريطانية- الفرنسية- المصرية- الروسية. دور في تغذية هذه الخلافات والانقسامات.
بعد هزيمة حاكم الجبل الأمير بشير الشهابي الثاني في العام 1840 وحليفه المصري محمد علي باشا على أيدي العثمانيين والانكليز. تولى إمارة الجبل بموافقة العثمانيين الأمير بشير قاسم الذي عرف ببشير الثالث وكان شخصية ضعيفة وتوترت علاقة الأمير بالدروز بعدما شعروا بميوله نحو الموارنة واحتجوا على ذلك لدى السلطان العثماني مطالبين إياه بالتدخل ووضع حد لتصرفات الأمير حتى عزله، كما أن تقرب الأمير من الانكليز على حساب الفرنسيين دفع هؤلاء إلى حث الموارنة أيضاً على طلب إزاحة الأمير.
وقد اتفق الطرفان على إزاحة الأمير بشير الثالث لكنهما اختلفا على البديل إذ كان البطريرك الماروني الواسع النفوذ يوسف حبيش يرغب بعودة الأمير بشير الثاني بينما رغب الدروز بتولي الأمير سلمان شهاب (سني) مهام الإمارة. وإزاء هذه الرغبة الدرزية تبلورت رغبة مارونية دفينة وقديمة بالسعي لإقامة إمارة مارونية في الجبل بدعم فرنسي بينما وقف الدروز ضد هذا السعي مدعومين من الانكليز. هذه الخلافات الدرزية- المارونية والصراع الدولي لا سيما الانكليزي- الفرنسي وفّر الأرضية لنشوء الحرب. ففي أيلول 1841 حصل ما كان متوقعاً عندما اصطاد أحد أبناء دير القمر (ماروني) حجلاً في خراج بلدة بعقلين المجاورة (بلدة درزية) فاعترضه الحراس الدروز وأشبعوه ضرباً فرد أهالي دير القمر وقاموا بمهاجمة بعقلين وقتلوا 17 درزياً وتفاعلت الأحداث وتتالت بعد ذلك وكان أعنفها هجوم الدروز على دير القمر في 14-10-1841 حيث دارت معارك طاحنة بين الدروز والموارنة أدت إلى سقوط عشرات (وربما مئات القتلى) من الطرفين. وامتدت الحرب الطائفية إلى مناطق الشوف والمتن وجزين والبقاع الغربي واتهمت الدول الكبرى السلطات العثمانية بدعم الدروز والتحريض على الفتنة وبالتواطؤ والتلكؤ عن معالجة الحرب. وأصبح الدروز في موقع أقوى ما مكنهم من فرض شروطهم بإزاحة الأمير بشير الثالث عن الحكم وإنهاء حكم الإمارة الشهابية رسمياً في 13-1-1892. وعين العثمانيين عمر باشا النمساوي حاكماً على لبنان ما يعني الحاقاً مباشراً للجبل بالسلطنة العثمانية كإحدى الولايات وإلغاء استقلاله النسبي، رفضت الدول الأوروبية الإجراءات العثمانية وحصل ضغط كبير من قبلها على الدولة العثمانية، كما اندلعت حروب جديدة ما دفع إلى ابتداع خيار التقسيم وإنشاء القائمقاميتين.
نظام القائمقاميتين
في 7 كانون الأول 1842 قرر السلطان العثماني بالاتفاق مع الدول الأوروبية تقسيم الجبل إلى قائمقاميتين، قائمقامية جنوبية درزية حيث أكثرية السكان من الدروز وقائمقامية شمالية مسيحية حيث أكثرية السكان مسيحيون، وكانت هناك مطالبة أرثوذكسية بإنشاء قائمقامية ثالثة أرثوذكسية لكنها لم تلق النجاح فتم فصل الكورة الأرثوذكسية عن القائمقامية المسيحية وألحقت بالولاية العثمانية.
قائمقامية المسيحيين امتدت من طريق الشام باتجاه الشمال وبلغ عدد سكانها 74,700 نسمة موزعين: 56,580 مارونياً، 10,150 درزياً، 6,720 كاثوليكياً، 1,250 أرثوذكسياً، وتوالى على حكمها قائمقام ماروني وهم:
-
الأمير حيدر إسماعيل أبي اللمع (1843-1854) واستمر حتى وفاته.
-
الأمير بشير عساف أبي اللمع (1854 عزل في العام نفسه).
-
الأمير بشير أحمد أبي اللمع (1854-1858) وقد عزل.
-
الأمير حسن إسماعيل أبي اللمع 1858 أقيل وأعيد الأمير بشير أحمد أبي اللمع.
-
يوسف بك كرم 1860-1861 حتى الغاء القائمقاميتين.
قائمقامية الدروز امتدت من طريق الشام باتجاه الجنوب وبلغ عدد سكانها 63,590 نسمة موزعين: 25,450 درزياً، 17,350 مارونياً، 18,590 كاثوليكياً، 5,200 أرثوذكسياً. وتوالى على حكمها قائمقام درزي وهم:
-
الأمير أحمد ارسلان (1843-1845) وتم عزله وعين مكانه شقيقه الأمير أمين.
-
الأمير أمين ارسلان (1845-1858) واستمر حتى وفاته.
-
الأمير محمد ارسلان (1858-1861).
تعديلات العام 1845
عادت الخلافات الطائفية وانفجرت لأنه في كل قائمقامية كانت هناك أقليات من طوائف أخرى غير الطائفة الحاكمة وتحرك الموارنة لا سيما من جزين باتجاه المختارة إحدى أهم المناطق الدرزية لكن الأتراك تولوا مساعدة الدروز، بالمقابل ساعدت فرنسا المسيحيين فأحرقت وتدمرت قرى درزية ومسيحية وتعرض المئات من الأهالي المسالمين للذبح. وتحت وقع المذابح المتبادلة والضغوط الدولية أرسلت السلطنة العثمانية شكيب افندي لوضع حد لأعمال العنف فعمد الموفد العثماني فور وصوله في 14 أيلول 1845 إلى إلقاء القبض على أعيان الدروز والمسيحيين الذين اشتركوا في القتال وأقال القائمقامين وعدل النظام المعمول به فأوجد في كل قائمقامية مجلس قضاء يضم 6 أعضاء يمثلون الطوائف الست الكبرى حينها. في القائمقامية المسيحية: موارنة (2)، روم أرثوذكس، روم كاثوليك، سنة، درزي. وفي القائمقامية الدرزية: درزي (2). موارنة، روم أرثوذكس، روم كاثوليك، سنة. وإلى جانبه مجلس مستشارين من 7 أعضاء يمثلون الطوائف الست الكبرى مع الشيعة.
إلغاء القائمقاميتين
أتاحت هذه الترتيبات تمثيل الشعب والحفاظ على دور الأقليات في كل قائمقامية وقضت على امتيازات رجال الإقطاع بحكم تولى القائمقام ومجلسه معظم الصلاحيات التي كانت بيد الإقطاعيين ما سبب رفضهم لها واتحد الإقطاع المسيحي مع الإقطاع الدرزي حفاظاً على مصالحهما، لكن الأوضاع لم تستقر فانطلقت في العام 1856 ثورة الفلاحين بقيادة طانيوس شاهين في كسروان ضد السلطة الإقطاعية مدعومين من البطريرك الماروني بولس مسعد وتمكنوا من طرد مشايخ آل الخازن ومصادرة أملاكهم.
واستمرت الفتنة كامنة حتى انفجرت حرباً طائفية في شهر نيسان 1860 امتدت حتى شهر تموز وحصلت مجازر بحق الأقليات في كل قائمقامية أدت إلى تهجير وحرق وذبح آلاف فتدخلت الدول الاوروبية وعمدت إلى إلغاء نظام القائمقاميتين الذي أثبت فشله بعد نحو 18 سنة على تطبيقه إذ لم يكن حلاً للمشاكل الطائفية التي تغذيها التدخلات الخارجية بل كان سبباً للمزيد من التعبئة والانقسام الطائفي. وقد نخلص من ذلك إلى القول أن تقسيم لبنان لن يكون حلاً لمشاكله بل سبباً لمشاكل إضافية.
اترك تعليقا