الدواء مافيا أم أزمة نظام؟ - إسماعيل سكرية

أزمة الدواء موجودة منذ العام 1943، عام تشكيل أول حكومة إستقلال برئاسة رياض الصلح، ومنذ ذلك الحين تُقدم شتى أشكال الوعود فيما يخص نوعية الدواء وتأمينه لكل فئات المجتمع بأسعار رخيصة ولكن التنفيذ بقي حبراً على ورق؛ ومازال المعنيون يتعاطون مع مادة الدواء باعتبارها سلعة تجارية مغرية في أرباحها المادية، الأمر الذي أوصل سوق الدواء إلى حال من الفوضى والفلتان مع نسبة 30% من الأصناف المزورة والمهربة والمغشوشة.

«مافيا الحلف الثلاثي»، التجاري- الإداري- السياسي» تحكمت في الدواء، فنتج عن ذلك: ارتفاع كبير في عدد الأدوية دون أن يؤدي ذلك إلى تحسن نوعية الخدمة الصحية أو نوعية الدواء المقدم؛ الأدوية النفسية تصرف من دون رقابة وبدون وصفة طبية حيث سجلت أعلى نسبة إستهلاك في العالم؛ 20% من الأدوية الأكثر إستهلاكا هي الأعلى سعراً في العالم. أضف إلى ذلك كله أن هذا السوق لم يسلم من غياب الرقابة العلمية المخبرية والواقع الإحتكاري، فعشرة مستوردين فقط يتحكمون ب 90% من حركة السوق، إضافة للإهمال وإستخفاف بالصناعة الوطنية التي لم تتخط ال 8% من حجم السوق.

يعرض إسماعيل سكرية عصارة تجربته في هذا النطاق، «إذا كانت مافيا الدواء قد أضحت بمثابة القدر الذي لا يردّ، فإنني لن أستسلم لهذا القدر...»، فيوثّق الأسئلة التي وجّهها إلى الحكومات والإجابات التي تلقاها في المقابل، كما أدرج الاستجوابات التي وجهها إلى الحكومة في المجالات التي لم يتلق فيها إجابات شافية على أسئلته، إضافة لتقارير التفتيش المركزي المتعلقة بمواضيع اهتمامه، ليكون كتابه جامعاً لشتى جوانب قضية الدواء والصحة العامة، متسائلا ألا يستأهل ذلك تشكيل لجنة برلمانية؟

«من يجرؤ؟»، إشكالية طرحها سكرية على الرأي العام، متوقفاً عند حادثة اقتحام قصر العدل عام 1999 وسحب ملف التحقيق الذي لو كشفت حقائقه لأحدثت زلزالا في البلد...

تشكلت الهيئة الوطنية الصحية عام 2002 وكان سكرية رئيسا عليها. إتسمت التجربة بطابع إصلاحي، فعلى مدى إثني عشر عاما، استطاعت أن ترسم نهجا، كشف عن القدرة الكبيرة لدى» مافيا الدواء» أن تتصرف كما يحلو لها وكانت «الفضيحة» في الغياب التام لمختبر الرقابة على الدواء، فبقي الناس تحت رحمة ضمير التاجر من جهة! إضافة لأكثر من ستة آلاف صنف دوائي مسجل لا يخضع لأية رقابة علمية من جهة أخرى! أما الفضيحة العظمى أن 30% من أدوية السوق في لبنان خطيرة وتهدد الصحة العامة حيث أن بعضها مقلد أو مجهول المصدر أو مسحوب من التداول عالميا!

«وقد هالني بل أخافني الواقع الأليم لهيئات الرقابة وأخصها بالذكر التفتيش المركزي... في كيفية المعالجة والتحقيق في مواضيع بالغة الخطورة... فتدخل السياسة والطائفية وتعطل أعمال هذه المؤسسة الرقابية الكبيرة مما يجعلني أطرح أسئلة عديدة أهمها، هل صحيح أن هذه هي طريقة عمل هيئات الرقابة؟...إنه لأمر خطير أن تصبح هذه هي حال التفتيش المركزي...أن ينحاز بشكل فاضح ويبارك عمليات خرق القانون ويسهل عمليات إلغاء الإدارة».

كتاب «الدواء...مافيا أم أزمة نظام» يضع أمام الرأي العام ملف الدواء المدرج تحت الفساد الإداري المستشري في الإدارات العامة ولا سيما في وزارة الصحة التي فتك فيها المرض نتيجة تدخل السياسيين في تعيين هذه الهيئات، ففي تقرير سري وضعه سكرية حيّز التفتيش، كشف أن خلال حرب تموز أقدم بعض الموظفين على إجراء صفقة مثبتة بمستندات، أحيلوا من خلالها على النيابة العامة التمييزية، لكن الموظف المعني والمدعوم سياسيا لم يمر 24 ساعة إلا وأفرج عنه... 

اترك تعليقا