حلقة حوار الدولية للمعلومات - قانون الإيجارات العتيد : المشكلة، الأزمة والحل
الدكتور محمد مغربي
جاءت مداخلة مغربي في أربعة محاور أساسية: قوانين الايجارات، نشوء المشكلة، القانون الجديد والحل.
قوانين الايجارات
-
أول قانون معروف بهذا الشأن في لبنان هو القرار رقم 19 ل.ر. الصادر عن المفوض السامي الفرنسي في 26 كانون الثاني سنة 1940 (الجريدة الرسمية العدد 3761 في 29 شباط 1940). وقد أعطى القانون المستأجر حق تمديد عقد إيجاره بإرادته المنفردة لسنة واحدة بذات الشروط.
-
وفي 28 كانون الأول 1940 صدر القرار رقم 368 ل.ر. عن المفوض السامي الفرنسي بالوكالة (الجريدة الرسمية العدد 3858 في 5 شباط 1941) الذي مدد عقود الإيجار، دون حاجة لأي إجراء من جانب المستأجر، حتى نهاية العام 1941، مع زيادة بدلات المحلات التجارية والصناعية.
-
وتوالى بعد ذلك تمديد قانون الإيجارات أو إصدار قوانين إيجارات جديدة مع تمديدها. وكان آخر هذه القوانين القانون رقم 160/ 1992 الذي تم تمديده مراراً حتى انتهى أجل آخر تمديد في 31/3/2012.
-
لكن من الأحكام غير المخالفة لقوانين الإيجارات ما نصت عليه المادة 597 من قانون الموجبات والعقود في أن عقد الإيجار لا يفسخ بالتفرغ عن ملكية المأجور سواء اختيارياً أو إجبارياً. ونصت المادة 598 منه على أن للمالك الجديد أن يخرج المستأجر من المأجور اذا لم يكن لديه عقد إيجار خطي ذو تاريخ صحيح. أي أن على المالك الجديد أن يلتزم بعقد الإيجار الذي أجراه المالك السابق حتى ولو تم نقل الملكية جبراً.
-
فيكون نشأ للمستأجر عن التمديد القانوني المستمر لعقود الإيجار على مدى 74 عاماً وفي ضوء المادة 598 المذكورة نوع من الحق العيني على المأجور مماثل لحق الاستثمار الجاري العمل به دون أي نص قانوني بل أقوى منه وهو أقرب إلى حق الانتفاع.
-
وليس أدل على أن حق الإيجار أصبح من الحقوق العينية من أن القانون رقم 159/92 عدل المادة 543 من قانون الموجبات والعقود بأن أوجب في الفقرة الثالثة منها تسجيل عقد الإيجار الذي تتجاوز مدته ثلاث سنوات وغير الخاضع للقانون 160/ 92 في السجل العقاري ليسري على الغير.
نشوء المشكلة
ليست كل عقود الإيجارات سابقة للعام 1940. بل أن الناس استمروا في تشييد الأبنية وتأجيرها في ظل قوانين الإيجارات الاستثنائية المتعاقبة. وبالتالي فإن البدلات التي تم التأجير بها نشأت عادلة وموافقة لإرادة الطرفين: المؤجر والمستأجر. وكانت البدلات تحدد بنسبة 10% من قيمة البناء. فإذا كانت قيمة المأجور خمسين ألف ليرة فإن الإيجار كان يحدد بخمسة آلاف ليرة.
وفي 9 أيار 1967 صدر القانون رقم 29/1967 الذي مدد عقود الإيجار السابقة واستثنى منه الأبنية السكنية الفخمة التي منع إخلاؤها قبل انقضاء خمس سنوات على تأجيرها إلا لقاء تعويض، لكن القانون رقم 10/1974 الصادر في 25 آذار 1974 ألغى عملياً هذا الاستثناء ومدد كل عقود الإيجار المعقودة أو الممددة قبل صدوره. وجاء انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية ليفاقم المشكلة ويلحق الضرر بالمالك والمستأجر على السواء.
ماذا في القانون الجديد:
أهم ما تميز به القانون العتيد هو إعطاء المالك الحق في الاسترداد سواء للهدم أو للضرورة العائلية أو لأي سبب آخر مع التمييز بين المستأجر قبل القانون 29/1967 والمستأجر بعد هذا القانون. فيعطى هذا الأخير نصف التعويض المعطى للأول.
للضرورة العائلية: بدل إيجار 4 سنوات عل أساس بدل المثل، أي ما يعادل 20% من قيمة المأجور، او 10% للمستأجر بعد القانون 29 /1967.
للهدم: بدل إيجار ثلاث سنوات أي ما يعادل 30% منه، او 15% منه للمستأجر بعد القانون 29 / 1967.
لأي سبب كان: بدل إيجار ثلاث سنوات 1967 أي ما يعادل 15% من قيمة المأجور.
لكن التعويضات المذكورة تخفض نسبياً في كل سنة لاحقة بمعدل 9/1.
في حين أن تعويض الإخلاء للهدم أو للاسترداد بموجب القانون رقم 160/1992 يتراوح بين 35% و50%. وقد استقر معدله بحسب أحكام المحاكم على ما لا يقل عن 40%. وجوهر القانون ليس فقط رفع بدلات الإيجار خلال ست سنوات إلى نسبة 5% من قيمة البناء في حين أن النسبة في معظم دول العالم هي 2.5% أو أقل، بل في إمكانية إخلائه بتعويض زهيد وبسرعة.
وشرح مغربي الواقع بأن عدداً كبيراً من قدامى المالكين/المؤجرين باعوا عقاراتهم بسعر السوق، الذي يعكس مفعول قوانين الإيجارات الاستثنائية، بما يناهز ربع ثمنها لكونها كانت مشغولة، أي أن المالكين الجدد غير متضررين لا بل هم مستفيدون لأن المشروع يمكّنهم من طرد المستأجرين القدماء بتعويض بخس وهدم مساكنهم وتسويتها بالأرض على وجه السرعة وبالتالي رفع أثمنة أملاكهم إلى ثلاثة أضعاف القيمة التي اشتروها بها.
لكن هذه الربح الفاحش لا يكفي! فإن قانون البناء يمكن هؤلاء من مضاعفة ثمن أملاكهم مرة ثانية بتجميع العقارات الصغيرة التي تناهز مساحتها 300 إلى 600 متر مربع لتصبح 1,000- 1,200 متراً أو أكثر، بحسب المنطقة الارتفاقية، مما يجيز لهم بناء أبراج شاهقة (18 طابقاً أو أكثر) وبيع الأقسام المفرزة عنها إلى كبار المستثمرين ومعظمهم من غير المقيمين بل وغير اللبنانيين. وأكبر شاهد على ما تقدم هو حي ميناء الحصن الذي هجر منه أهله الأصليون وأزيلت أبنيته القديمة تماماً لتحل محلها الأبراج الشاهقة التي لا يسكنها منهم أحد.
وأما مصير المستأجرين القدماء في كل المدن اللبنانية، والذين سينكل بهم المشروع ويقضي على حقوقهم الإنسانية والدستورية والقانونية على هذا النحو، إن صار قانوناً، فهو مثل مصير أهالي ميناء الحصن الأصليين الذين كان يناهز عددهم الخمسة عشر ألف إنسان لكنهم اختفوا تماماً من هذا الحي.
الحل
مواصلات عامة رخيصة تسمح للناس بالسكن على مسافة ساعة إلى ساعتين خارج المدينة والانتقال إليها يومياً بكل يسر طلباً لفرص العمل.
وسائل مواصلات واتصالات وخدمات تمكن الناس من العمل في أماكن كثيرة خارج المدن.
الحرص دائماً في تركيب الأجور على أن لا تزيد كلفة المسكن عن نسبة 20% من الأجر.
إعطاء المستأجر الخاضع للقانون 160/1992 الحق في شراء المسكن الذي يستأجره من مالكه بسعر يعادل 50% من ثمنه الحقيقي. فإذا لم يستعمل هذا الحق خلال مهلة معينة جاز للمالك أن يستعمله، دون إعطاء أي سبب للاسترداد بإخلاء المستأجر، لقاء تعويض يعادل 50% من ثمنه. وفي الحالتين فان الدولة تعطي المالك القديم فحسب، بالإضافة إلى ما يحصل على من المستأجر، نسبة 10% أو أكثر من ثمنه الحقيقي تعويضاً.
الاجازة للمصارف تمويل هذه العمليات بالكامل وبالتقسيط الطويل الأجل (15-25 سنة) بفائدة مدعومة لا تتجاوز الاثنين بالمائة مع إمكانية حسم أوراقها لدى المصرف المركزي.
الدكتور نزيه منصور
تحدث النائب السابق الدكتور نزيه منصور عن عمل اللجنة الفرعية في لجنة الإدارة والعدل التي عملت منذ أكثر من عشر سنوات على إعداد قانون الإيجارات الذي جاء مخالفاً لروحية العدالة الاجتماعية ولمراعاة الطرفين المالك والمستأجر، وقال “عند البحث في قانون الإيجارات لابد من تشريح هذا القانون وتحليله لمعرفة مدى موضوعيته دستورياً، واجتماعياً وسياسياً، واعتبر أن القانون الذي اقره المجلس مؤخراً يرتب تداعيات وآثار من حيث تهجير ذوي الدخل المحدود خاصة العجزة والمسنين الذين فقدوا مصادر دخلهم ولا يمكن تحميلهم عبء أية زيادة.
وانتقد تحول الأمر إلى صراع ين المالكين والمستأجرين وهما في النهاية ضحية السياسية الارتجالية للدولة التي تتحمل المسؤولية الأساسية عن هذه المشكلة ما يفرض عليها البحث عن حلول لان هذا القانون اوجد مشكلة من دون حل. وقد اقترح منصور عدة حلول منها:
-
الاستفادة من الاحتياطي المالي لدى مصرف لبنان لمنح قروض سكنية بفوائد مسيرة من خلال مؤسسة اسكانية جديدة لان المؤسسة العامة للإسكان تحولت إلى سمسار بين المفترض والمصارف وتخلت عن دورها ومهامها الحقيقية.
-
الاستفادة من أملاك الدولة لإقامة مشاريع سكنية لذوي الدخل المحدود.
-
قيام الدولة باستملاك العقارات التي يستأجرها لبنانيون ويدفعون إيجارات زهيدة، وإعادة تأجيرها بأسعار تراعي أوضاع كل مستأجر.
وانتقد منصور الصندوق الذي اقترح القانون إنشاءه معتبراً انه صندوق وهمي قد يتحول الى صندوق اضافي، غرار الصناديق الأخرى، في هدر المال العام. فإنشاؤه لم يستند إلى دراسات وإحصاءات حول حجم المشكلة، كم هو عدد المستأجرين القدامى، وكيف هو واقع الأبنية المستأجرة!
النصولي
حسان النصولي من نقابة مالكي الأبنية طالب بتحديد صيغة النظام الاقتصادي اللبناني فهو حر في كل شيء إلا في نظام الإيجارات فهو نظام موجه ، ومن المعروف أن أي اتفاق هو رهن برضي الطرفين، وهذا الرضى في موضوع عقود الإيجارات القديمة انتهى منذ 83 عاماً والدولة من خلال قوانين مجحفة تفرض على المالك وتصادر من خلالها أملاكه لمصلحة المستأجر الذي يورث المأجور لأبنائه وأحفاده. والأبنية الحالية القديمة المؤجرة هي أبنية لم تعد صالحة للسكن وهي آيلة إلى السقوط في أي وقت، لان المالك لا قدرة له على إصلاح وصيانة المبنى فقيمة الإيجار لا تساوي شيئاً، ودعا إلى تحرير العقود لان البقاء في مسكن معين لفترة طويلة لا يعطي المقيم أي حق فأي احتلال ومهما طال أمده لا يعطي المحتل أية شرعية، واعتبر أن اعتماد النموذج السعودي في تحرير العقود مثلاً قد يؤدي إلى تخفيض الأسعار وهذه هي إحدى إيجابيات القانون الجديد.
طه
وتحدث السيد زكي طه من جمعية الدفاع عن المستأجرين معتبراً أن القانون سيرفع الإيجارات من 2.5% إلى 5%. وهو وضع لخدمة المصارف التي ستصادر البيوت القديمة وتشييد مكانها ناطحات سحاب. كما أنه نص على إلغاء التعويضات للمستأجرين القدامى. وتوقف عند إقرار القانون بمادة وحيدة وهذا الأمر برأيه مخالف للنظام الداخلي لمجلس النواب.
جبري
الاقتصادي عماد جبري طرح حلولاً على الطريقة الفرنسية ودعا الى عدم توريث المأجور.
مهنا
الخبير الاكتواري إبراهيم مهنا عرض لتجربته في إيجار مكتب في بناية الجفينور والتناقض في الأسعار بين الإيجار الذي كان يدفعه والإيجار الذي يدفعه آخرون. وكيف أن إدارة المبنى كانت تعمد إلى فرض زيادة عشوائية وكبيرة عليه، داعياً إلى إيجاد مؤسسة للاهتمام بالعجزة الذين يستأجرون مساكناً.
الدكتورة نعمة
الدكتورة ايلين نعمة من جمعية المالكين اعتبرت أن الدستور هو في المرتبة الأعلى ويسود على كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية بخلاف ما ذهب إليه الدكتور مغربي. وأكدت أن صدور القانون لم يكن مفاجئاً كما اعتقد البعض بل بدأ الشروع به قبل 22 عاماً وتحديداً منذ العام 1992، وأن المواطن الذي مكث في المنزل المستأجر 40 عاماً والآن يمدد له 12 عاماً أي 52 سنة هذا كافٍ، معتبرةً إن ردّ القانون من قبل رئيس الجمهورية، في حال حصوله، سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
كرم
المهندس أنطوان كرم من لجنة دعم حقوق المستأجرين اعتبر حق السكن مقدس وكذلك الملكية الفكرية والمأساة تشمل المالكين والمستأجرين وحلّها ليس بالقانون الحالي لأن هذا القانون يهدد بحرب أهلية ويحقّق ما عجزت عنه الحرب من تهجير للناس في كافة المناطق والطوائف.
الدكتور محمد صالح ناقض الدكتورة نعمة واعتبر أن للمعاهدات والمواثيق مرتبة أعلى من الدستور.
اترك تعليقا