قانون الإيجارات في لبنان : باب جديد لهدر المال العام

القوانين السابقة

لم يحظ لبنان منذ عقود طويلة بقانون عادل للإيجارات فالقوانين السابقة كرست حقوقاً للمستأجر الذي تحول إلى مالك أو شريك للمالك على حساب المالك نفسه، ففي مواجهة التضخم وارتفاع الأسعار استمر المستأجر بدفع قيمة الإيجار ذاته وحرم المالك من الانتفاع والاستفادة من عائدات مجزية. فعائدات أبنية بعدة طوابق وشقق أضحت لا تساوي سوى كلفة المعيشة لعدة أيام، وتحول معظم المالكين إلى فقراء ينظرون إلى أملاكهم ويمنون النفس أن يأتي يوم تعود إليهم أو ترتفع قيمة الإيجارات.

هذا الواقع أدى فعلياً إلى تراجع وجمود كبيرين في سوق الإيجار نظراً لخوف المالكين لأنهم يشاهدون ما حل بمن سبقهم وأجر عقاراته. من هنا جاء قانون الإيجارات في العام 1992 ليجد ويضع بداية حلول للازمة. ففصل بين الإيجارات الجديدة وتلك القديمة.

الإيجارات الجديدة

صدر القانون رقم 159 تاريخ 22 تموز 1992 ونص على إلغاء المادة 543 من قانون الموجبات والعقود بالنسبة لعقود الإيجار التي تعقد بعد تاريخ نفاذ القانون الجديد (أي بعد 22 تموز 1992) واستعاض عنه بالنص التالي: "تخضع عقود إيجار العقارات المبنية المعدة للسكن ولغير السكن لحرية التعاقد ولمشيئة المتعاقدين في كل ما لا يتعارض مع الأحكام الإلزامية التالية:

  • أولاً: المدة : إذا كانت المدة المحددة في العقد أقل من ثلاث سنوات، تعتبر الايجارة معقودة لفترة زمنية مدتها ثلاث سنوات .

  • ثانياً: تستثنى من النص الذي سبق عقود الإيجار الموسمية العائدة لاماكن الاصطياف والاشتاء، وعقود إيجار الأماكن التي يقدمها أرباب العمل لأجرائهم مجاناً أو ببدل.

  • ثالثاً: إذا كان عقد إيجار العقار مبنياً أو غير مبني تتجاوز مدته ثلاث سنوات فلا يعتد بالنظر إلى شخص ثالث إلا إذا سجل العقد في السجل العقاري (وبالتالي أصبح جزءاً من مكونات العقار)."

هذا القانون الجديد الذي يعرف “بالتعاقد الحر” أعطى المستأجر الحق باستئجار أي عقار لمدة 3 سنوات وبنفس القيمة وبعد انتهاء هذه المدة يمكن أن يتم عقد جديد بنفس القيمة أو بقيمة أعلى أو أدنى أو يتم إخلاء المأجور من دون أية تعويضات. وهذه الآليات الجديدة في القانون حركت الجمود الذي كانت تعاني منه سوق الإيجار وعاد المالكون إلى تأجير عقاراتهم من دون خوف أن يتحول المستأجر إلى مالك.

الإيجارات القديمة

بخصوص الإيجارات القديمة المعقودة قبل 22 تموز 1990 فقد خضعت لأحكام القانون رقم 160 تاريخ 22 تموز 1992 وهو جاء مختلفاً عن القوانين السابقة التي إما كانت تمدد عقود الإيجارات كما هي أو يتم إدخال زيادة محددة، إذ نص على زيادة جديدة تكون مرتبطة بالزيادة على رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص ونص على التالي:

  • “ترتبط وتزاد تباعاً بدلات الإيجار بنسبة تعادل نصف نسبة الزيادة الطارئة في كل مرة على الجزء الأول من الرواتب المحددة في المراسيم المتعلقة بزيادة غلاء المعيشة وتحديد أجور المستخدمين والعمال وذلك اعتباراً من 1-7-1987 ثم من تاريخ بدء كل زيادة لاحقة”.

  • كما نص على مضاعفة بدلات الإيجار تبعاً بسنة عقد الإيجار، ونص أيضاً على حق المالك بطلب استرداد المأجور لأجل سكنه أو سكن أحد أولاده بعد أن يدفع للمستأجر تعويضاً تقدره المحاكم على أن لا يقل عن 25 أو أن لا يزيد عن 50% من قيمة المأجور. وهذا القانون ظل عاجزاً عن إنصاف المالك خصوصاً وأن التمديد لازم القانون منذ إقراره حتى إقرار القانون الحالي.

التمديد

تم تمديد قانون الإيجارات رقم 160/92 منذ بداية العام 1996 تاريخ انتهاء العمل به وحتى اليوم 12 مرة وفقاً للجدول التالي، وآخر تمديد انتهى في 31-3-2012.

قوانين تمديد قانون الإيجارات رقم 160/92 الصادر في 22-7-1992

رقم قانون التمديد وتاريخه

فترة التمديد

171 تاريخ 29 آب 2011

من 1-1-2011 وحتى 31-3-2012

93 تاريخ 6 آذار 2010

من 1-7-2009 وحتى 31-12-2010

24 تاريخ 5 أيلول 2008

من 1- 1-2007 وحتى 30-6-2009

750 تاريخ 15 أيار 2006

من 1-1-2006 وحتى 31-12-2006

637 تاريخ 20 تشرين الثاني 2004

من 1-7-2004 وحتى 31- 12-2005

557 تاريخ 30 كانون الثاني 2004

من 1-1-2004 وحتى 30-6-2004

526 تاريخ 16 تموز 2003

من 1-7-2003 وحتى 31-12-2003

494 تاريخ 12 كانون الأول 2002

من 1-7-2001 وحتى 20-6-2003

206 تاريخ 26 أيار 2000

من 1-7-1999 وحتى 30-6-2001

721 تاريخ 5 تشرين الثاني 1998

من 1-1-1998 وحتى 30-6-1999

605 تاريخ 28 شباط 1997

من 1-1-1997 وحتى 31-12-1997

504 تاريخ 6 حزيران 1996

من 1-1-1996 وحتى 31-12-1996

المصدر: قوانين تمديد قانون الإيجارات رقم 160/92

القانون الجديد

الأماكن غير السكنية تمديد حتى 2018

جاء القانون الجديد في الشق المتعلق بإيجار الأماكن غير السكنية بشكل عام، لمصلحة المستأجر من خلال التالي:

  • مدد العقود الموقعة قبل 23-7-1992 حتى تاريخ 31-12-2018.

  • ألغيت الزيادة في بدلات الإيجار المحددة بنصف الزيادة الطارئة على الشطر الأول من الأجور المحددة في مرسوم زيادة الأجور واستبدلها بزيادة سنوية تعادل معدل التضخم السنوي وفقاً للمؤشر الرسمي الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي في السنة السابقة على أن لا تتجاوز الزيادة نسبة 5 %.

  • فرض مضاعفة بدلات الإيجار لمرة واحدة في عدة حالات من أبرزها في حال أصبح المستأجر مالكاً لأبنية أو لحصص شائعة في أماكن يزيد نصيبه من مجموع بدلات إيجارها الفعلية عن 10 أمثال بدل إيجار المأجور الذي يشغله، وهذا الأمر من الصعب إثباته في ظل حالة الفوضى العقارية.

القانون الجديد

الأماكن السكنية حرة بعد 9 سنوات

بخلاف قوانين الإيجارات السابقة التي اعتمدت منذ العام 1992 والتي كانت تمدد عقود إيجارات الأماكن السكانية بعد ربط الزيادة في الإيجارات بنصف نسبة الزيادة على الشطر الأول من الأجور، وهذا ما ساهم بشكل محدد في رفع قيمة الإيجارات لكنها ظلت متدنية دون قيمة المأجور. وظلت مطالبة المالكين بتحرير عقود الإيجار قبل العام 1992 أو السماح بزيادتها بنسبة زيادة الأجور والتضخم على مر العقود الماضية لاسيما في الفترة ما بين الأعوام 1985-1993 التي انهار فيها سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار والعملات الأجنبية .

القانون الجديد لم يربط الزيادة بنصف نسبة زيادة الأجور بل ربطها بمؤشر آخر هو نسبة من قيمة العقار المستأجر، على أن تصبح العقود حرة بعد 9 سنوات وهنا المشكلة والأزمة الكبرى. فبينما كانت القوانين السابقة لمصلحة المستأجر على حساب المالك جاءت نصوص القانون الجديد لمصلحة المالك على حساب مصلحة المستأجر.

فماذا جاء في نص مواد القانون؟

  • تخضع لأحكام هذا القانون جميع عقود إيجار العقارات المبنية المعقودة قبل 23 تموز 1992 ويستثنى منها عقود إيجار الأراضي الزراعية والمباني التابعة لها، عقود الايجار، الموسمية العائدة لأماكن الاصطياف والاشتاء. العقود التي بموجبها يقدم أصحاب العمل أماكن لسكن أجرائهم مجاناً أو ببدل، عقود إيجار الفيلات التي تتوفر فيها مواصفات معينة حددها القانون، والمفارقة الكبرى أنه استثنى أيضاً عقود أشغال الأملاك العمومية للدولة والبلديات.

  • مدد القانون عقود الإيجار لغاية تسع سنوات من تاريخ نفاذ القانون (يصبح القانون نافذاً بعد 6 أشهر على نشره في الجريدة الرسمية أي قد يصبح نافذاً، في حال التوقيع عليه من قبل رئيس الجمهورية وعدم رده، في نهاية شهر تشرين الأول القادم) ويمكن التمديد لمدة 3 سنوات إضافية بعد انتهاء فترة السنوات التسع بقيمة البدل الذي يدفع في السنة التاسعة (وهو بدل يعتبر مرتفعاً مقارنة بالبدل قبل الزيادة).

  • زيادة الإيجارات، خلال فترة تمديد العقود، تتم زيادة الإيجارات بنسبة تدريجية هي نسبة ممّا يعرف "ببدل المثل" الذي يتم تحديده أما بالرضى والاتفاق بين المالك والمستأجر، أما في حال عدم الاتفاق من خلال خبيرين لدى المحاكم (وهذا يشكل كلفة على المالك وعلى المستأجر على السواء لأنه يحق للمستأجر في حال رفضه تخمين الخبيرين اللذين عينهما المالك التقدم بتخمين آخر من قبل خبيرين لدى المحاكم. وفي حال اختلاف التقريرين يرفع الأمر إلى لجنة (تأليف اللجنة كما سيرد لاحقاً) في المحافظة التي يقع ضمنها المأجور للفصل في الأمر ويكون قرار اللجنة نهائياً وغير قابل للمراجعة.

ويحدد "بدل المثل" على أساس نسبة 5% من القيمة البيعية للمأجور في حالته القائمة فيما لو كان خالياً.

أ- وبعد تحديد بدل المثل، يزاد بدل الإيجار سنوياً على النحو التالي:

ب- يزاد بدل الإيجار المتوجب بتاريخ هذا القانون سنوياً وتباعاً وفقاً لما يلي:

  • 15% خمسة عشرة بالماية من قيمة فارق الزيادة بين البدل المعمول به قبل نفاذ هذا القانون و"بدل المثل" المشار إليه سابقاً وذلك عن كل سنة من السنوات التمديدية الأربع الأولى التي تلي تاريخ نفاذ هذا القانون.

  • 20% عشرون بالماية من قيمة فارق الزيادة المذكورة سابقاً وذلك عن كل من السنتين الخامسة والسادسة من الفترة التمديدية حتى يبلغ بدل الإيجار في السنة التمديدية السادسة قيمة بدل المثل المشار إليه.

ج- يكون بدل الإيجار في السنوات الممددة السابعة والثامنة والتاسعة مساوياً لقيمة بدل المثل.

د- بنهاية السنة التمديدية التاسعة يصبح الإيجار حراً مع إمكانية تمديده 3 سنوات.

مثال على تطبيق هذا القانون :

بلغ إيجار العقار السكني المعقود قبل 23-تموز 1992 مبلغ 1,500,000 ليرة لبنانية سنوياً.(أي 1000 دولار أميركي) وقد حدد بدل المثل بـ 15,000 دولار أميركي (إذ بلغت قيمة العقار 300 ألف دولار أميركي * 5% = 15,000 دولار) ويكون الفارق بين قيمة الإيجار الحالي وبدل المثل هو 15,000 - 1000= 14,000 ونسبة 15% من هذا الفارق تبلغ 2,100 دولار فيصبح الإيجار 3,100 دولار في السنة الأولى، ويرتفع في السنة الثانية إلى 5,200 دولار وفي السنة الثالثة إلى 7,300 دولار وفي السنة الرابعة يصبح 9,400 دولار.

ومع اعتماد نسبة الـ 20% أي 2800 دولار فيصبح الإيجار في السنة الخامسة 12,200 دولار وفي السنة السادسة 15000 دولار أي قيمة بدل المثل ويستمر البدل ذاته في السنوات السابعة والثامنة والتاسعة وفي نهاية السنة التمديدية التاسعة يصبح الإيجار حراً، ويترك المستأجر العقار الذي يشغله في حال عدم رغبة المالك بتجديد عقد الإيجار ويمكن للمستأجر أن يستمر بإشغال العقار لمدة 3 سنوات ببدل المثل الذي دفعه في السنة التاسعة.

الإخلاء للضرورة

إذا رغب المالك في استرداد المأجور للضرورة العائلية أثناء السنة الأولى من سنوات تمديد العقد (المحددة بتسع سنوات) فعليه أن يدفع للمستأجر تعويضاً يوازي بدل إيجار أربع سنوات على أساس قيمة بدل المثل الذي تم تحديده. أما إذا رغب المالك في استرداد المأجور أثناء السنة الأولى من سنوات تمديد العقد (المحددة بتسع سنوات) لأجل هدم البناء الذي يقع فيه المأجور وإقامة بناء جديد مكانه فعليه أن يدفع للمستأجر تعويضاً يوازي بدل إيجار ست سنوات محتسبة على أساس بدل المثل الذي جرى تحديده. وهذه التعويضات هي أدنى بكثير من تلك التي حددها القانون رقم 160/92 .

صندوق الدولة يساعد

لمواجهة المشاكل التي قد تنجم عن تطبيق هذا القانون خصوصاً لدى الفئات الفقيرة والمتوسطة نص القانون على إنشاء صندوق خاص للإيجارات السكنية المشمولة بهذا القانون ويكون تابعاً لوزارة المالية، يهدف الصندوق إلى مساعدة جميع المستأجرين المعنيين بهذا القانون الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور وذلك عن طريق المساهمة في دفع الزيادات، كلياً أو جزئياً حسب الحالة. وتمول الدولة هذا الصندوق، على أن لا تشمل تقديماته المستأجر غير اللبناني، والمستأجر اللبناني الذي استأجر عقارات تعتبر فخمة وفقاً لتصنيف كل من القانون رقم 29/67 تاريخ 9 أيار 1967، والقانون رقم 10/74 تاريخ 25 آذار 1974.

على أن تنظر في تطبيق الأحكام المتعلقة بالزيادة وطلبات المساعدة من الصندوق، لجنة مؤلفة من قاض عامل أو متقاعد ومن 4 أعضاء يمثل أحدهم المالكين والثاني المستأجرين والثالث وزارة المالية والرابع وزارة الشؤون الاجتماعية.

وقيمة المساهمة التي تحددها اللجنة ترتبط بدخل المستأجر وأفراد عائلته. وإذا كان معدل الدخل العائلي للمستأجر لا يتجاوز ضعفي الحد الأدنى للأجور (أي 900 دولار حالياً) فان مساهمة الصندوق تكون مساوية للفارق بين قيمة بدل الإيجار وقيمة البدل الجديد أي أن المستأجر لا يدفع شيئاً إضافياً كزيادة على الإيجار وتتحمل الدولة هذه الزيادة، أما إذا معدل الدخل العائلي يزيد عن ضعفي الحد الأدنى للأجور ولا يتجاوز ثلاثة أضعاف الحد الأدنى (أي 1350 دولار) فان مساهمة الصندوق تكون بين 30% من معدل دخل العائلة وقيمة الإيجار الجديد.

وهكذا تبين أنه لم تنجز أية دراسة عن كلفة هذا الصندوق وقيمة الأموال والأعباء التي عليه أن يتحملها مع ما قد يرافق ذلك من هدر وسوء إدارة في ظل عجز الصندوق عن التثبت من قيمة المداخيل الحقيقية للمستأجرين بحيث تصبح أكثرية المستأجرين بحاجة إلى المساعدة ويتحول الصندوق إلى باب للهدر يضاف إلى رفاقه الصناديق الأخرى. في وقت تعجز الدولة عن تسديد أدنى المتوجبات والمستحقات عليها.

إنّ زيادة الإيجارات من دون تحديث النظام الضريبي الخاص بالربح العقاري تبقى منقوصة ولا تشكّل حلاً كاملاً للمشكلة ناهيك عن أنّ الأزمة لن تعالج ما لم يحدّد عدد المستأجرين وأوضاع كلّ منهم المادية والاجتماعية وكذلك عدد المالكين القدامى والجدد وأوضاعهم. وفي غياب قاعدة معلومات عن كلّ مستأجر وكلً مالك يكون الحديث عن صندوق للتعويضات أو قانون فاعل للإيجارات مجرّد كلام. 

اترك تعليقا