عصام بكداش - السلامة العامة وتطبيقها في المباني والمنشآت في لبنان

إذاً ما العمل:

إما التراجع والارتداد عن التقدم الحضاري، وهذا الأمر مستحيل لأنه يتعارض مع نوازع الإنسان وطبيعته، وإما، حينئذٍ الاتجاه إلى تحقيق المعادلة المعقدة التالية: جعل التقدم الحضاري يحصل مع صفر مخاطر.

إنما هذه المعادلة مستحيلة وغير قابلة للتطبيق ومن أسباب ذلك:

  • حتمية التقدم البشري الحضاري

  • وجود حدود للمعرفة الإنسانية في أي أمر من أمور الطبيعة، إذ لن تكون المعرفة نهائية في أي يوم من الأيام.

  • لا توجد تكنولوجيا دون ثغرات

  • حصول الخطأ والسهو والإهمال، لأنها كلها من الطبيعة البشرية.

  • حصول أمور غير متوقعة وخارجة عن إرادة الإنسان.

إذاً هناك حل وحيد، وهو:

  • العمل على إلحاق القدرة العلمية والتكنولوجية التي تنشئ العمران، بقدرة أخرى تهدف الى تأمين الحماية الفضلى لحياة الإنسان من المخاطر، ولا نقول إلغاءها.

  • ألاّ يتم تقييم أي مشروع عمراني على أساس الجدوى الاقتصادية المادية فقط، إنما أيضاً على أساس القيم الإنسانية.

الخلاصة:

مع وجود أو إيجاد أي معرفة أو تكنولوجيا جديدة لإنشاء العمران أو تصنيع التجهيزات، يجب بالمقابل، وجود أو إيجاد نوع آخر من المعرفة والتكنولوجيا، تكون مضادة للأولى، من أجل حماية حياة الإنسان. ومن هنا، بدأت تنبع المواصفات والمقاييس والشروط الخاصة الإضافية في الإنشاء والتجهيز.

مثال من حياتنا اليومية:

وسيلة الانتقال: السيارة

لا أحد يقبل بإلغاء وسيلة الانتقال: السيارة، بالرغم أن عدد القتلى يبلغ سنوياً في لبنان حوالي 500 قتيل ونحو 6 آلاف من معوقين وجرحى، وعلى سبيل معلومة أخرى، فإن عدد القتلى من حوادث السير في الولايات المتحدة هو في حدود 45000 قتيل في السنة، وهو يعادل عدد قتلى الجيش الأميركي خلال كامل سنوات حربها في الفيتنام، هذا مع العلم أن الولايات المتحدة هي أفضل بلاد العالم في عدد القتلى في كل ماية مليون مركبة - كلم.

أما الأمور الأخرى التي تمّ تطبيقها في صناعة السيارات فهي:

  • إضافة تجهيزات: حزام الأمان و air bag

  • إجراء تعديل في تكنولوجيا صناعة مقدم السيارة، إذ تمّ القبول بالتضحية به وجعله قابلاً أكثر للانبعاج من أجل امتصاص فائض معين من طاقة الاصطدام، هذا بالرغم من وجود air bag واستعمال حزام الأمان.

تطبيقات السلامة العامة في المباني والمنشآت في لبنان

ينحصر الاهتمام الرسمي في لبنان بتأمين السلامة العامة في الأبنية والمنشآت بالحماية من مخاطر الزلازل والحريق والمصاعد.

وقد مرّ هذا الاهتمام منذ عام 1997 الى الوقت الحاضر بالمحطات التالية:

المحطة الأولى:

بتاريخ 11/11/1997، صدرت ثلاثة مراسيم تحمل الأرقام: 11266 و11264 و11267 وهي تتعلق تباعاً بالحماية من أخطار الزلازل والحريق والمصاعد.

ولكن لم تنتقل مفاعيل هذه المراسيم الى حيّز التنفيذ لأسباب إدارية وفنية وتنظيمية ومنها:

  • يجري تحميل البلديات والمديرية العامة للتنظيم المدني، فضلاً عن الدفاع المدني والإطفائية مسؤوليات تأمين المراقبة والتدقيق هي أصلاً غير مؤهلة لها أو غير قادرة على تحضير اللازم لها.

  • يحصل تضارب في الصلاحيات بين كل من المديرية العامة للتنظيم المدني والبلديات أو اتحاد البلديات.

  • يحصل ارتباك في فعالية دور مؤسسة المقاييس والمواصفات لجهة متابعة وتحديث المواصفات الواردة في المراسيم.

  • يتم اعتماد مبدأ المراقبة في تطبيق كافة الأحكام على كافة الأبنية مهما كان حجمها ونوعها، في آن واحد، مما يتجاوز طاقات أفضل الإدارات في المقدرة والتجهيز ودون تهيئة الرأي العام.

المحطة الثانية:

بتاريخ 11/3/2005 صدر المرسوم رقم 14293 الذي طوّر بشكل جذري أصول تطبيق السلامة العامة في الأبنية والمنشآت وجعل هذا الأمر صالحاً للتنفيذ وبالتالي ألغى المراسيم الثلاثة المشار إليها أعلاه، وذلك لاعتماد أسس جديدة منها:

  • الاستناد إلى القطاع الخاص في إجراء التدقيق الفني من خلال مكاتب فنية متخصصة في هذا الشأن، وذلك بعد تقييمها واعتمادها لهذه المهمة، وكل ذلك وفق أسس ومعايير حدّدها هذا المرسوم.

  • اعتماد مبدأ التدرج في تطبيق إلزامية التدقيق الفني، إذ جعلها على ثلاث مراحل، بدءاً بالأبنية والمنشآت الكبيرة أو المعدة لاستقبال الجمهور.

  • إعطاء مؤسسة المقاييس والمواصفات كامل مجالها لمتابعة عملها في وضع أو تطوير وتحديث المواصفات وصولاً إلى مرحلة إعطائها الصفة الإلزامية.

وقد نتج عن هذا المرسوم اعتبار تطبيق المواصفات للحماية من الزلازل والحريق والمصاعد على كافة الأبنية التي لم تحصل على رخصة البناء إلزامياً ابتداء من تاريخ صدوره أي 11/3/2005، على أن تكون هذه المواصفات هي المواصفات الوطنية اللبنانية التي حازت على صفة الإلزامية وفق أحكام قانون مؤسسة المقاييس والمواصفات، وفي حال عدم وجودها المواصفات المعتمدة في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو كندا.

أما إلزامية التدقيق فلم تتحقق في ظل هذا المرسوم، بسبب عدم التمكن من تأليف اللجنة الخاصة لاعتماد مكاتب التدقيق، وهذا الأمر يعود إلى الاضطراب في أوضاع مؤسسات الدولة لمدة طويلة نسبياً، وبسبب كثرة أعضاء اللجنة المعنية (أحد عشر عضواً) وقصر مدتها (سنتان).

المحطة الثالثة:

جرى مؤخراً تعديل المرسوم رقم 14293 المذكور (بموجب المرسوم رقم 7964 تاريخ 07/04/2012)، وذلك لجهة اعتماد ما يلزم لتسهيل عملية تأليف لجنة الاعتماد والاستمرار في عملها: ومن ذلك جعل عدد أعضاء اللجنة خمسة أعضاء ومدة تكليفها خمس سنوات.

بالإضافة فقد جرى تعديل في شأن فني، إذ صار التسارع الأفقي الواجب اعتماده (0,25g) كحد أدنى بدلاً من (0,20g) كحد أدنى، وذلك نتيجة ما توافر في السنوات القليلة الأخيرة من تأكيد على وجود فالق زلزالي بحري ذي خطر يفوق خطر الفالق البري المعروف.

وبالفعل، نتج عملياً / عن هذا المرسوم أن التدقيق الفني صار إلزامياً ابتداء من 6/12/2012 للمرحلة الأولى، ثم تباعاً من 6/12/2014 و6/12/2016 للمرحلة الثانية وللمرحلة الثالثة وفق الجدول الخاص في تصنيف الأبنية والمنشآت، هذا، مع التأكيد بطبيعة الحال، أن إلزامية تطبيق المواصفات هي دائمة ومستمرة منذ 11/3/2005.

مضمون مهمة تأمين السلامة من خطر الزلازل (المهمة L + المهمة PS)

أ التأكد أولا من تطبيق المواصفات العائدة لمتانة المنشأة وعناصر التجهيز التي تشكل جزءاً لا يتجزأ منها، وذلك وفق معطيات الوضع الستاتيكي (تسمى هذه المهمة = L).

ب التـأكد ثانياً من تطبيق المواصفات العائدة للحماية من الزلازل وفق معطيات التسارع الأفقي (0,25g)، ويتناول هذا الأمر ليس فقط قياسات وأحجام عناصر الهيكل الحامل، إنما أيضاً يتناول بعض نواحي التصميم لجهة مواقع الأعمدة والجدران وبيت السلم والدرج وترابط أجزاء المنشأة والفواصل وطريقة التأسيس وغير ذلك من الأمور الفنية. (وتسمى هذه المهمة PS).

ملاحظة:

تتراوح الكلفة الإضافية على هيكل البناء الحامل نتيجة تطبيق مواصفات المهمة (Ps) بين 5 و8% من كلفة هذا الهيكل المصمم على مواصفات المهمة (L).

مضمون مهمة تأمين السلامة العامة من خطر الحريق والمصاعد (المهمة S).

في الحريق:

تتناول هذه المهمة إجراء التدقيق لجهة تطبيق المواصفات الفنية التي تهدف الى منع حصول الحريق وأيضاً الى الحماية منه في حال حصوله، وذلك من خلال التدقيق في التجهيزات والتمديدات الكهربائية وتجهيزات التدفئة والتهوئة، وأيضاً من خلال ما يلزم لتأمين طرق الخروج وأجهزة الإنذار وإطفاء الحريق وسحب الدخان طبيعياً.

في المصاعد:

تتناول هذه المهمة التدقيق في تطبيق المواصفات للحماية في مصاعد الركاب ومصاعد البضائع والسلالم المتحركة والأرصفة المتحركة.

أمور أخرى

تتناول المهمة (S) أيضاً التدقيق في تطبيق المواصفات للحماية من السقوط من على المتكآت والدرابزين والواجهات والنوافذ.

إضاءات مختلفة

  • إن من شأن إلزامية تطبيق مواصفات السلامة العامة مع إقترانها بإلزامية تطبيق التدقيق الفني أن يؤمن نقلة نوعية في حقل الهندسة الإنشائية والعمران بشكل عام، إذ يصبح ممكناً تأمين في آن واحد متانة البناء وسلامة حياة الناس.

  • لقد ظهرت الأدوار المهمة والإيجابية التي قامت بها نقابة المهندسين بالتعاون مع المديرية العامة للتنظيم المدني في إعداد وملاحقة المراسيم والقرارات العائدة لإنجاز هذه النقلة النوعية في حقل الهندسة الإنشائية.

  • سينتج عن هذه النقلة النوعية تعزيز مهنة الهندسة بالإضافة الى إيجاد فرص عمل جديدة لنوع جديد من الاختصاص.

  • ضرورة توعية الجمهور المستفيد من المباني والمنشآت لجهة حقه في التأكد من توافر عناصر السلامة العامة فيها، بل جعله يطالب بذلك، وبل أيضاً دفعه إلى تفضيل البناء الذي يحمل شهادة مطابقة للمواصفات عن مبنى آخر لا يحمله، مما سيخلق دورة حضارية متقدمة لدى الجميع سواء أصحاب المشاريع أم الجمهور المستفيد. وفي هذا الأمر فائدة للمجتمع ككل.

  • توسيع البرامج التعليمية في كليات الهندسة بكافة اختصاصاتها، لجهة إدخال مادة المواصفات وتطبيقاتها، لأنها هي في الحقيقة، معرفة وتكنولوجيا مختلفة عن المعرفة والتكنولوجيا العامة، ولو أنها متفرعة منها.

المهندس عصام بكداش

مدير سابق في وزارة الأشغال العامة والنقل

رئيس مجلس الإدارة المدير العام السابق لمرفأ بيروت


اترك تعليقا