حدث في مثل هذا الشهر في تونس
بدأ التنافس بين بريطانيا العظمى وفرنسا للسيطرة على تونس منذ العام 1871 التي كانت ومنذ سنوات طويلة إحدى ولايات الدولة العثمانية؛ ففي مؤتمر برلين الذي انعقد عام 1878 توصّلت الأطراف لتسوية دبلوماسية تستولي بريطانيا بمقتضاها على قبرص من العثمانيين مقابل أن تستولي فرنسا على تونس، وقد تمكنت بالفعل تلك الأخيرة من تحقيق مطامعها سنة 1881 إذ تذرعت بهجوم بعض القبائل التونسية على الحدود مع الجزائر لتتدخل عسكريا وتحاصر قصر الباي محمد الصادق متسلّحة بمعاهدة «بادرو» التي فرضت الحماية على تونس، كشكل آخر للتجربة الفرنسية في الجزائر تتمثل في حكم البلاد حكما غير مباشر بواسطة السلطات التقليدية والاكتفاء بمراقبتها عن كثب.
في الحالة التونسية أبقى الفرنسيون على نظام البايات (والي ممثل الدولة العثمانية) إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مقيم عام فرنسي يساعده مراقبون مدنيون، وجاءت اتفاقية المرسى الموقعة عام 1883 من قبل علي باشا خلف الصادق باي لتزيد من عمق الهيمنة الفرنسية، التي أنشأت منطقة عسكرية وبنى تحتية لاسيما في الحوض ألمنجمي حيث يُستخرج الفوسفات إضافة لاستيلائها على أراضي الفلاحين الشاسعة.
سياسيا لم يكن هناك معارضة منظمة في السنوات الأولى خصوصا بسبب القوانين العسكرية الفرنسية الصارمة، ولكن الاحتجاجات أخذت تتصاعد مع اندلاع أحداث الجلاز حين قامت بلدية تونس الخاضعة للسلطة الفرنسية بتقديم طلب لتسجيل أرض مقبرة الجلاّز في السجل العقاري ثم أحداث مقاطعة ترامواي تونس التي شنها التونسيون بعد تعرض طفل تونسي للدهس من الترامواي المملوك من قبل شركة فرنسية ناهيك عن ممارسة السلطات التمييزية ضد عمالها التونسيين.
سلسلة من الأحداث ظهرت بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ففي مناخ إعلان الرئيس الأمريكي ويلسون عن حق الشعوب في تحقيق مصيرها، أُسس الحزب الحر الدستوري الذي نادى بالإصلاح دون المطالبة علناً بالاستقلال إلا أنه جمح وتم نفي زعيمه عبد العزيز الثعالبي قبل أن يشحن الجو في البلاد في بداية الثلاثينات على خلفية المؤتمر الديني الكاثوليكي الذي أقيم بقرطاج «المؤتمر الأفخارستي» واعتبره الأهالي بمثابة تهديد للإسلام؛ إضافة لأحداث التجنيس بسبب رفض الأهالي دفن المجنسين الفرنسيين بالمقابر الإسلامية.
في تلك الأجواء برزت مجموعة بقيادة الحبيب بورقيبة لتؤسس عام 1934 الحزب «الحر الدستوري الجديد» الذي لم يدم طويلا بعد أن نفي قائده إلى الجنوب وأعيد إخلاء سبيله في العام 1936، ومع كل تلك الأحداث المتعاقبة، كان لا بد للشعب أن ينتفض منذ العام 1938 مطالباً بإحداث إصلاحات إلا أن محاولاتهم أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى في حين حظر الحزب الحر الدستوري الجديد واعتقل قادته مرة أخرى فاستلم الأمين العام للحزب صالح بن يوسف القيادة إلى أن تشكّلت عام 1950 حكومة مفاوضات شارك فيها الحزب الحر الدستوري الجديد ولكن دون التوصل إلى اتفاق، لتندلع في كانون الثاني 1952 المقاومة المسلحة...
واجهت الحكومة الفرنسية الثورة بعمليات تمشيط واسعة مع إعادة اعتقال زعامات الحزب الدستوري على رأسهم الحبيب بورقيبة ولكن أمام ضغوط المقاتلين التونسيين، الليبيين والجزائريين في تموز 1954 من جهة وازدياد حدة الأزمات في المستعمرات من جهة أخرى، أعلن رئيس مجلس الوزراء الفرنسي بيار منداس فرانس نيته إعطاء تونس استقلالها الداخلي.
عاد الزعيم بورقيبة عام 1955 وتمّ توقيع اتفاقيات الاستقلال الداخلي فكانت أول حكومة جديدة شارك فيها أنصار بورقيبة في 18 أيلول ولكن ما لبث أمين عام الحزب صالح بن يوسف أن عارض الإتفاقية بشدة ودخل في صراع مفتوح مع بورقيبة، مناديا بضرورة المقاومة من أجل الاستقلال التام والالتحام مع الثورة الجزائرية، غير أن بورقيبة دعا في تشرين الثاني لمؤتمر للحزب في صفاقس، تمكن من خلاله تطبيق توجهه المبني على سياسة المراحل ونفي بن يوسف بعد أن لوحق أنصاره من طرف وزارة الداخلية والبورقيبيين.
بعد المفاوضات التي افتتحت بباريس في شباط، أفضت عن إعلان 20 آذار 1956 يوم الاستقلال الكامل لتنتهي بذلك حقبة الحماية التي دامت 75 عاما ويعزز الحكم الجديد تدريجيا إمساكه بالدولة على حساب «الباي» ويكون بورقيبة رئيسا للجمهورية.
اترك تعليقا