حنّا سعادة - سرطان القولون : الوقاية والكشف
يرتفع احتمال الإصابة بسرطان القولون مع التقدّم في العمر، فيتصاعد بحدّة بعد بلوغ الخمسين. أمّا لدى المسنّين بين عمر الستّين والثمانين، فيصبح أكثر شيوعاً بخمسين مرّة ممّا كان عليه قبل الأربعين. يبلغ خطر الإصابة بسرطان القولون على مدى الحياة 5% في الولايات المتّحدة الأميركية، الأمر الذي يجعل من الوقاية تدبيراً في غاية الأهمية.
تشكّل أورام القولون الحميدة، التي تنشأ من الغدد القولونية، 95% من مجمل حالات سرطان القولون. تحتاج هذه الأورام نحو خمس إلى عشر سنوات كي تتحوّل إلى أورام خبيثة، الأمر الذي يتيح متسّعاً من الوقت للكشف والاستئصال. تعدّ الأجسام التي تفرز أورام القولون الحميدة أكثر عرضةً للإصابة بسرطان القولون حتى بعد إزالة هذه الأورام، ولذلك فهي تستلزم المزيد من المراقبة. بالإضافة إلى ذلك، يرفع التهاب القولون التقرّحي من خطر الإصابة بالسرطان بنحو عشرين مرّة ويستدعي هو الآخر مراقبة عن كثب، بصرف النظر عن عمر المريض. أمّا وجود حالات سرطان قولون في التاريخ الطبي للعائلة، فهو مؤشّر آخر إلى الحاجة إلى المزيد من المراقبة، خصوصاً أنّ العوامل الوراثية مسؤولة عن 10% من مجمل سرطانات القولون.
تلعب العوامل البيئية والجغرافية المتقلّبة دوراً ملحوظاً في تعزيز احتمال الإصابة بسرطان القولون. فالسكن في المدن والأنظمة الغذائية الغنية بالدهون واللحوم الحمراء وتناول الأطعمة قليلة الألياف كلّها عوامل ترفع من خطر الإصابة، شأنها شأن التراجع في النشاط الرياضي وزيادة الوزن والتدخين والإفراط في تناول الكحول، وهي عادات ينبغي الإقلاع عنها أو تخفيفها بغية تخفيض احتمالات وأخطار الإصابة بسرطان القولون.
نظراً لكونه مرضاً مهلكاً وشائعا في كافة أنحاء العالم، ينصح الأطباء بإجراء الفحوصات من أجل الوقاية والكشف المبكر. وقد نشر باحثون في مجلة نيو انغلاند الطبية في 19 أيلول 2013، دراستين حديثتين خلصتا إلى النتائج التالية:
عمد نيشيهارا وآخرون إلى متابعة مجموعة من 98,902 شخصاً بين 30 و75 عاماً على مدى 22 عاماً. خلال هذه الفترة، أصيب 2% أو 1815 منهم بسرطان القولون وتوفي 0.5% أو 474 شخصاً به. أمّا لدى المرضى الذين خضعوا لفحص تنظير القولون، فقد تمّ تفادي 726 حالة سرطان أي ما يعادل 40%.
عمد شوكت وآخرون إلى دراسة مجموعة من 46,551 شخصاً بين 50 و 80 عاماً على مدى ثلاثين عاماً. كانت الفحوصات التي ترصد وجود دم في البراز تجري كل سنةٍ أو اثنتين طوال اثني عشر عاماً. في نهاية مدّة الدراسة، تبيّن أنّ الوفاة بسرطان القولون انخفضت بنسبة 32% وتمّ إنقاذ 437 حياة.
لا يكون الفحص مجدياً إلا إذا كانت فوائده تفوق أضراره. وتشمل مخاطر فحص تنظير القولون النزيف، انثقاب بطانة القولون والسّفط الذي يلي عمليّة التخدير. أمّا عملية تنظيف القولون التمهيدية، فهي عملية عصيبة يمكن أن تؤدي إلى جفاف في الجسم، وانخفاض في ضغط الدم وانهيار تامّ. هذه المضاعفات هي أكثر شيوعاً وخطورةً لدى المسنين ولذلك ينصح بتفادي إجراء الفحص في سنّ متقدذمة.
هناك العديد من الفحوصات الرامية إلى كشف الدم الخفي في البراز، وعلى الرغم من أنّ الفحوصات بحدّ ذاتها ليست خطيرة ، إلا أنّ العواقب المترتّبة عن الفحص حين تكون نتائجه ايجابية قد تكون وخيمة. على سبيل المثال، بعد فحص أحد المسنين البالغ من العمر 77 عاماً وتبيّن وجود دم في برازه، تمّ إخضاعه إلى فحص تنظير قولوني أدّى إلى انثقاب بطانة قولونه ثمّ وفاته. اتضّح فيما بعد أنّ الدم ناتج عن بواسير داخلية أي عن حالة حميدة ولا تشكّل خطراً مهلكاً.
في محاولةٍ لخلق توازن بين الفوائد والأضرار، قامت الهيئة الأميركية الخاصة بالخدمات الوقائية USPSTF بإصدار التوجيهات التالية المتعلّقة بفحص تنظير القولون:
ينبغي أن يبدأ فحص سرطان القولون عند سنّ الخمسين من خلال فحوصات الدم الخفي في البراز أو إحدى عمليات تنظير القولون على أن يستمرّ حتى السنّ الخامسة والسبعين كحدٍّ أقصى.
ينبغي تجنّب إجراء الفحص الروتيني لدى المرضى بين 76 و85 عاماً إلا في حال وجود داعٍ طبيٍ منطقيٍ كآلام البطن المتعذّر تفسيرها.
لا ينبغي إجراء الفحص الروتيني للمسنين ما فوق ال85 عاماً
هذه التوصيات تستثني الأشخاص الذين تتمّ متابعتهم لمراقبة الأورام القولونية الحميدة، إذ عادةً ما تتمّ إعادة التنظير كل ثلاث إلى خمس سنوات حسب نوع الأورام الموجودة.
حين تكون نتائج عملية التنظير الأولى سلبيّة، يوصي الأطباء بفترة تبلغ عشر سنوات قبل إجراء العملية مجدداً، ويجوز تقصير المدّة في حال كان التاريخ الطبي للأسرة يشمل حالات من سرطان القولون. أما فحص الدم الخفي في البراز، فينبغي إجراؤه سنوياً حتى سنّ ال75 بصرف النظر عن نتائج عملية تنظير القولون.
ما زالت الدراسات جارية على قدمٍ وساق لتحديد إذا ما كانت عملية تنظير القولون متفوّقة على فحوصات الدم الخفي في البراز، أمّا تناول الأسبيرين لتجنّب الإصابة بسرطان القولون، فلم يتمّ تبنيه من قبل أي دراسات مرتقبة والأرجح أنّ أضراره تفوق فوائده.
في الخلاصة، إنّ حسنات الفحوصات تتغلّب على أضرارها المحتملة لدى الأشخاص بين الخمسين والخامسة والسبعين من العمر. لكن لدى من تخطّى السنّ الخامسة والسبعين، يتضاءل احتمال أن يطيل الكشف والتدخل المبكرين بعمر المريض، وتصبح الفحوصات مصدر خطر على صحّته.
اترك تعليقا